ولد الكاتب والصحفي والمترجم محمد عثمان جلال في قرية "ونا القس"، التابعة لمركز الواسطي شمال محافظة بني سويف عام 1828.فقبل ظهور بيرم التونسي وصلاح جاهين بسنوات طويلة، كان هناك محمد عثمان جلال، الذي سبق الجميع بزجله ونثره ومسرحياته، فهو أحد ظرفاء عصره، الذي بدأ السخرية والفكاهة بأزجال بسيطة، وأحد أنجب تلامذة رفاعة الطهطاوي. نشأ محمد عثمان جلال بقريته "ونا القس " الشهيرة حيث أتم حفظ القرآن وكانت نشأة عادية ، ولا توحي بأنه سيكون أشهر مترجمي عصره، فمحمد بن عثمان بن يوسف الحسيني كان والده يعمل كاتبًا للقاضي، وتوفي ومحمد لا يزال في السابعة من عمره، مما جعل أمر ارتحاله إلى القاهرة قدر لا مفر منه ليرعاه جده لوالدته، ويدخله مدرسة القصر العيني الابتدائية، التي زارها رفاعة الطهطاوي، رائد حركة الترجمة، بعد عودته من البعثة الفرنسية، واختار محمد عثمان من بين التلاميذ، هو وزميله حسين عثمان، وألحقهما بمدرسة الألسن، التي أشرف على إنشائها.اقرأ أيضا : محافظ بني سويف: لدينا رؤية متكاملة لتطوير منظومة العمل التنفيذي تبدأ بتأهيل العنصر البشريدراسته بمدرسة الألسن أصقلت لغته العربية وأطلعته على علوم البلاغة، كما علمته اللغة الفرنسية حتى أجادها، إلى جانب مواد الحساب والطب والجغرافيا، وفور تخرجه منها، تم تعيينه بديوان "قلم الترجمة" ، ثم انتدبه محمد علي باشا ليشرف على تعليم أحد رجاله الفرنسية، ثم في عام 1848 عمل بقلم "الكورنتينا" " وزارة الصحة حاليًا" مترجمًا للفرنسية براتب شهري 100 قرش، وهو راتب يعد كبيرًا، وقتها.وظل محمد عثمان يترقى ويتنقل بين الوظائف الحكومية، ففي عهد سعيد باشا تم تعيينه رئيسًا للمترجمين بمدرسة الطب، التي تم إغلاقها في عهد عباس باشا الأول، ثم أصبح رئيسًا لديوان الواردات بالإسكندرية، ومن بعدها رئيسًا للمترجمين بديوان البحرية، ورقاه الخديو توفيق، ليصبح قلم الترجمة بوزارة الداخلية بمرتب وصل إلى 30 جنيهًا حينذاك .قدرته على الترجمة من وإلى الفرنسية إلى جانب بعض اللغات الأخرى، لم تكن، فقط، وسيلته لنيل الوظائف والترقي، ولكنه استطاع أن يستغلها جيدًا بطريقة ساهمت في إثراء الأدب العربي، فقام بترجمة العديد من الأعمال الأدبية الفرنسية إلى العربية، وأضفى عليها روحًا جعلتها ملائمة للقاريء العربي، ومن بين ما ترجم كتاب "عطّار الملوك" ، الذي يستعرض أهم العطريّات من مياه وزيوت وأدهان، إلى جانب العديد من أمهات الكتب الفرنسية، ومنها كتاب للكاتب "لافونتين" ، يعرض الحكم والمواعظ على لسان الحيوانات، وأنفق على هذا الكتاب كل ما يملك من أجل طباعته، وأطلق عليه اسم "العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ" ، الكتاب، الذي أوشك محمد عثمان جلال على الإفلاس من أجله. وترجم محمد عثمان جلال أعمال أدبية أخرى، فأصدر 4 مسرحيات "لموليير" هي "النساء العاملات، ومدرسة الأزواج، ومدرسة النساء، والشيخ ملتوف" ، في كتاب حمل عنوان "نخب التياترات" عام 1879، وكتاب "الروايات المفيدة في علم التراجيدة" ، وترجم رواية "بول وفرجيني" للكاتب برناردين دي سان، وجعلها تحمل اسم "الأماني والمنة في حديث قبول وورد جنة" وهي الرواية التي ترجمها من بعده المنفلوطي وجعلها تحمل اسم " الفضيلة" .وكان لمحمد عثمان جلال كتبه الخاصة، أيضًا، ومنها "السياحة الخديوية في الأقاليم البحرية" ، وهو كتاب يعرض لرحلات الخديو إسماعيل التي رافقه فيها محمد عثمان، وكتاب "لتحفة السنية في لغتي العرب والفرنساوية" ، و"نصائح عمومية في فن العسكرية" ، كما كان له في الشعر وزنه وبصمته المميزة. وعمل عثمان جلال صحفيًا لفترة، فقد كان أحد محرري مجلة "روضة المدارس" ، التي أنشأها رفاعة الطهطاوي، وكتب في جريدة " الوقائع المصرية" ، إلى أن أصدر هو وصديقه إبراهيم المويلحي ثاني جريدة أهلية في مصر وهي "نزهة الأفكار" عام 1869.أوسمة وشهادات وألقاب كثيرة اقتنصها محمد عثمان، وحصل على إثرها على تكريم من الدولة، فمنحه الخديوي رتبة "المتمايز الرفيعة" ، كما منحته الحكومة الفرنسية " نيشان الأكاديمية من رتبة ضابط" لمساهمته في نشر الثقافة الفرنسية بترجماته، فهو رائد الترجمة المسرحية، وأبو المسرحيات الوطنية في العصر الحديث، والأديب رائد الفكر والثقافة والأدب. وهو أيضًا الزجال، الذي كان له مع الزجل مواقف أبرزت خفة دمه، وسرعة البديهة لديه، فوقت أن كان يرأسه، في أثناء عمله بأحد الدواوين، مصطفى باشا العرب، كتب يشكو إلى الخديو توفيق، ولي العهد وقتها، بروح مرحةالجوعُ والفقرُ والإفلاسُ والجربُ... ولا يكونُ رئيسي مصطفى العربُ.
مشاركة :