عجزت الحكومة العراقية للمرة الأولى عن تأمين أجور موظفي القطاع العام للشهر الجاري، ولجأت إلى الاقتراض الخارجي، كما أن تذبذب مبيعاتها النفطية أجبر وزارة التخطيط المكلفة رسم الموازنات السنوية على الإعلان رسمياً عن إلغاء 30 في المئة من مشاريع الوزارات والمحافظات الاستثمارية، ووضع خطة لبدء العمل رسمياً بمشاريع تنفذ بالدفع الآجل. وبدأت في وزارة التخطيط مطلع الشهر الجاري مناقشات موسعة مع كل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة ومحافظات لبحث الخطط الاستثمارية المقترحة لعام 2016. وأقر مجلس النواب موازنة العام الحالي بسقف مالي بلغ 105 بلايين دولار وعجز تصاعدي بلغ حتى الآن 30 بليوناً، وهو الأعلى مقارنة بموازنات سابقة، نتيجة انخفاض أسعار النفط وتردي الأوضاع الأمنية في البلد. وأكد وكيل الوزارة للشؤون الفنية ماهر حماد جوهان في بيان أن «هذه المناقشات تأتي في إطار التوصيات التي أصدرتها اللجنة الوزارية الخاصة بإعادة ترتيب النفقات الاستثمارية بحسب الأولوية وأهمية المشروع في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة وتأجيل المشاريع الأقل أهمية». وأوضح أن «مناقشات المشاريع الاستثمارية مع الجهات المعنية هدفها الاتفاق على الأولويات الخاصة بكل جهة وصولاً إلى ترشيد الخطة الاستثمارية قدر الإمكان، بما يتلاءم والوضع المالي الذي يمر به البلد واستمرار تدني أسعار النفط، ما انعكس سلباً على الإيرادات». ولفت جوهان إلى أن «المشاريع التي سيتفق عليها ستكون بمثابة الخطوة الأولى لإعداد الموازنة الاستثمارية المقترحة لعام 2016، بعد تحديــــد وزارة المال السقوف المالية لتـلك المشـــاريع والمشاريع التي ستتوقف وتلك التــي ستؤجل أو تحذف لتقليص الالتزامات المالية على الموازنة العامة». وأكد ترشيد الخــطة بنحو 30 في المئة، سواء بالتأجيل أو الرفع من الخطة للوزارات والمحافظات، كاشفاً في الوقت ذاته اعتماد مجموعة من الحلول لمعالجة المشكلات الناجمة عن الأزمة المالية بين جهات التعاقد، والسعي إلى الحصول على موافقة الجهات العليا المتعلقة بالتسويات. وفي ما خص اعتماد سياسة الدفع بالأجل، والتي سبق للبرلمان رفضها، قال جوهان إن «الوزارة أعدت ورقة عمل تمثل آلية مقترحة لتحريك موضوع الدفع بالأجل ومخاطبة الجهات العليا لإدراجها سريعاً في جدول أعمالها والعمل على تفعيل هذه الآلية وفقاً للمادة 26 من قانون الموازنة العامة للدولة لعام 2015، ما يساعد في تنشيط الحركة الاقتصادية». وأكد رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية جواد البولاني في تصريح الى «الحياة»، أن «الأزمة المالية الحالية لم تأتِ نتيجة تراجع أسعار النفط وأزمة أمنية فقط، بل كان الفساد وسوء التخطيط من الأسباب الرئيسة». ولفت إلى أن «الحكومة تجد صعوبة في تأمين رواتب موظفي الدولة البالغ عددهم 5.2 مليون موظف ومتقاعد، وكان على الحكومات السابقة التفكير بذلك واستغلال العائدات الإضافية للنفط وارتفاع سعره في مشاريع ترفد خزينة الدولة، ولكن تراجع أسعار النفط والهدر والسرقة واختلاس المال أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم». وأكدت عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية الخبيرة الاقتصادية نورة السالم أن «حدة الأزمة المالية تتصاعد تدريجاً وستكون صعبة جداً خلال عام 2016، بسبب استنفاد جزء كبير من عائدات النفط في العمليات العسكرية لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي». وأضافت: «الحكومة أوقفت مطلع السنة نحو 7 آلاف مشروع استثماري تابع للوزارات والمحافظات بسبب قلة التمويل وانخفاض أسعار النفط، وحالياً تعلن عن ترشيد 30 في المئة أخرى من المشاريع، ما سينعكس سلباً على التنمية الاقتصادية، ويتسبب بمشاكل اقتصادية أخرى قد تعجز الحكومات المقبلة عن إيجاد حل مناسب لها». إلى ذلك حذرت مرجعيات دينية عراقية من «انهـــيار الاقتصاد العراقي خلال الفترة المقبلة في حال استمرت السياسات الحالية للدولة». وحذّر خطيب جامعة بغداد وإمامها الشيخ عادل الساعدي من «انهيار الاقتصاد العراقي وتحطم كيان الدولة إذا لم تقف الحكومة بأجهزتها الرقابية وبقضاء نزيه ضد هدر المال العام»، كاشفاً عن «خلايا لـ «داعش» داخل منظومة الدولة والحكومة تنخر الاقتصاد العراقي والمال العام». وأَضاف: «مثلما نواجه اليوم قوة عسكرية للإرهاب على جبهات القتال، فهناك قوى لـ «داعش» داخل منظومة الدولة والحكومة، تنخر الاقتصاد العراقي والمال العام تحت عناوين شتى من سرقة ورشوة وهدايا وتجارة غير نظيفة». يذكر أن موازنات العراق الفيديرالية بدأت منذ العام 2005، أي بعد تشكيل أول حكومة منتخبة، بـ30 بليون دولار، وارتفعت عام 2006 إلى 33.7 بليون دولار، وتجاوزت 41 بليوناً عام 2007، ليقرّ البرلمان عام 2008 موازنة قيمتها 48 بليون دولار. أما عام 2009 فبلغت الموازنة 58 بليون دولار، لترتفع عام 2013 إلى أكثر من 118 بليوناً. ولم تتمكن الحكومة أو مجلس النواب من إقرار موازنة عام 2014 وسط اتهامات بضياع 123 بليون دولار من خزينة الدولة.
مشاركة :