الخلافات المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة، والتي تشمل مستقبل هونغ كونغ وعملاق الاتصالات هواوي وبحر الصين الجنوبي وغيرها، ستكون أحد أبرز المحاور التي يركز عليها المرشحان للانتخابات الرئاسية الأميركية المزمع إجراؤها في نوفمبر المقبل حيث سيمثل الموقف من بكين أحد أهم عناصر الحسم في هذا السباق. واشنطن - مع بدء العد العكسي لاستحقاق نوفمبر المقبل في الولايات المتحدة، تتكثف التكهنات بأن يحتل الموقف من الصين مكانة مهمة في حملة المرشحين دونالد ترامب والديمقراطي جو بايدن. وصار المشهد مؤخرا بين الأميركيين والصينيين أشبه بحرب باردة جديدة في ظل تصاعد منسوب التوتر بينهما يوماً تلو آخر، وسط توقع أن يبقى خطر مواجهة واسعة النطاق ماثلاً إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المزمع إجراؤها في الثالث من نوفمبر. وقال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة رنمين الصينية تشي يينهونغ “من الصعب توقع المدى الذي سيبلغه تدهور العلاقات”، مبدياً اعتقاده أنّ الخصمين “شرعا في الانتقال إلى حرب باردة جديدة”. وشهدت الأسابيع الماضية فرض سلسلة من العقوبات والردود والردود المضادة بين بكين وواشنطن. وتعكس الملفات الشائكة مدى الخلافات، إذ إنّها تشتمل على مستقبل هونغ كونغ ودور عملاق الاتصالات هواوي في تكنولوجيا الجيل الخامس، إلى التبت وبحر الصين الجنوبي ومسألة مسلمي الأويغور. كل هذه القضايا ستجعل من الصين حاضرة وبقوة في السباق إلى البيت الأبيض حيث يصف الرئيس الجمهوري ترامب خصمه جو بايدن بالضعيف إزاء بكين. والمشهد شبيه بما حصل في انتخابات 2016، حين تعهد المرشح الجمهوري بخفض العجز التجاري مع الصين، ما شكّل واحداً من أسباب فوزه. ولكن، المواقف المتشددة للرئيس الأميركي في ولايته الأولى إزاء الصين، جاءت على خلفية حرب تجارية جرى التوصل خلالها إلى اتفاق ينقسم على عدة مراحل. وفي ما عدا ذلك، لم يكن الجمهوري، رجل الأعمال السابق، يبخل على نظيره الصيني شي جينبينغ بالثناء. ووفق مستشاره السابق لشؤون الأمن القومي جون بولتون، فإنّ ترامب كان يبحث عن قوة دفع انتخابية تأتي من الصين عبر زيادة مشترياتها من المنتجات الزراعية الأميركية، بغية إرضاء قاعدته الانتخابية الريفية. غير أن نشوب أزمة فايروس كورونا المستجد الذي كشف عنه للمرة الأولى في مدينة ووهان الصينية في نهاية 2019، ألقى الضوء على أزمة أكثر عمقاً بين الطرفين. فبعدما “شكر” ترامب بحرارة في نهاية يناير جينبينغ “لجهوده” في “احتواء” الفايروس، بدّل الرئيس الـ45 للولايات المتحدة خطابه جذرياً، ليحمّل الصين مسؤولية الأزمة الصحية والاقتصادية العالمية. وتبنى عملياً استراتيجية المواجهة المباشرة التي ينتهجها وزير خارجيته مايك بومبيو. ووفق ستيفان والت، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة هارفرد، فإنّ أكبر قوتين اقتصاديتين عالميتين دخلتا في “تنافس أمني طويل الأمد.. تفاقمه رؤى استراتيجية متضاربة”. وقال إنّ “الأمر يشبه الحرب الباردة في بعض أوجهه”، ولكنّه شدد على أنّ التنافس الحالي “ليس بخطورة” ما جرى بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. ورغم أنّ الخصومة كانت ماثلة منذ ما قبل عهد ترامب، فإنّ “السبب الرئيس خلف التدهور الحالي، يتوجب البحث عنه في تنامي الطموحات الدولية للصين”، خصوصا لناحية رغبتها في الهيمنة في آسيا. وبعد 70 عاما من نشوئها، تؤكد الصين الشيوعية أكثر من أي وقت موقعها كقوة كبرى تنافس الولايات المتحدة وتوسع يوميا في نفوذها. وأما في واشنطن، فإنّ الطبقة السياسية تخطت الأمل القديم بأن يؤدي مسار العولمة إلى إدخال تغييرات على النظام الحاكم في الصين عبر توفير المزيد من الديمقراطية والحريات توازياً مع الازدهار الاقتصادي. وفي أثناء ذلك، لم يعد مايك بومبيو يرفض الإحالة على الحرب الباردة، وذلك بعدما كان في 2018 يعترض على أي مقارنة. وإذ يشير إلى مدى “التشابك البالغ” بين الاقتصادين الأميركي والصيني مقارنة بما كان عليه الحال بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، فإنّه يرمي بذلك إلى تبرير ضرورة سعي الدول الغربية إلى استعادة سيادتها الصناعية والتكنولوجية والتوقف عن الاعتماد على الصين. وفي استعارة لمصطلح عسكري، حذّر وزير العدل الأميركي بيل بار عمالقة هوليوود وسيليكون فالي من “حرب اقتصادية خاطفة” من الصين بغية “تجاوز الولايات المتحدة بصفتها القوة العظمى الأولى عالمياً”. وبهدف بث الروح مجدداً في فكرة كتلة في مواجهة أخرى، ترغب إدارة ترامب في ضمّ الاتحاد الأوروبي إلى صفوفها. وتدعو من أجل ذلك إلى الدفاع عن “الحرية” في وجه “الطغيان”. ولكن، الباحثة في مركز “أميريكان انتربرايز انستيتيوت” للأبحاث أوريانا سكيلار ماسترو، توضح أنّ هذا التصوّر عن الصين على أنّها “تهديد أيديولوجي” خاطئ. وتفضّل عدم الحديث عن “حرب باردة جديدة”، إذ إنّ ذلك سيقود باتجاه اعتماد “تدابير استراتيجية غير مجدية”. وبالرغم من ذلك، فإنّها تحذر من أنّ “ثمة احتمالا واقعيا لحرب ساخنة بين الطرفين، على مستويات لم تبلغها المواجهة مع الاتحاد السوفييتي البتة”. وتقول إنّ “الولايات المتحدة تتفاعل مع تراجع قدراتها عبر زيادة الضغط مهما يكن ما تفعله بكين” التي ترفض من جانبها مثلاً سحب أسلحتها من بحر الصين الجنوبي من دون إدراكها “دوافع السياسة الأميركية”. وتؤكد نتيجة ذلك، أنّ “رفض الصين طمأنة الولايات المتحدة من شأنه أن يقود نحو الحرب”.
مشاركة :