أصبح الرئيس فلاديمير بوتين يتمتع الآن بالحق القانونى في البقاء على رأس السلطة حتى عام ٢٠٣٦، وذلك بعدما صوتت أغلبية كبيرة من الروس لصالح الإصلاحات الدستورية المدعومة من جانب الكرملين، خلال استفتاء استمر لمدة أسبوع؛ حيث صوت الروس على حزمة من التعديلات الدستورية التى تضمنت بندًا لإعادة تعيين حدود ولاية الرئيس الروسى بوتين، والتى ستسمح له بالبقاء فترتين إضافيتين لمدة ست سنوات بعد انتهاء فترة رئاسته الحالية في عام ٢٠٢٤، وقد استمر الرئيس الروسى منذ عام ٢٠٠٠ في السلطة باستثناء الفترة بين عامى ٢٠٠٨ و٢٠١٢ التى شغل خلالها منصب رئيس الوزراء في ظل خليفته الذى اختاره دميترى ميدفيديف.تعديلات متعددةإلى جانب التعديلات الخاصة بفترة الرئاسة في روسيا فقد شملت التعديلات البارزة الأخرى حظر كبار المسئولين الذين يحملون الجنسية الأجنبية من الترشح للانتخابات، وحظر مصادرة الأراضى الروسية، وتعديل آخر يعرف الزواج بأنه بين رجل وامرأة. كما كرس الدستور الجديد الحقوق الاجتماعية مثل الضمانات بأن الحد الأدنى للأجور سيتجاوز الحد الأدنى من الدخل المعيشى وتعديل المعاشات للتضخم، وقد أعلنت لجنة الانتخابات المركزية الروسية أن ٧٧.٩ في المائة من الناخبين أيدوا التعديلات المقترحة، بينما عارضها ٢١.٣ في المائة. ووصلت نسبة إقبال الناخبين ٦٥٪.مستقبل بوتينبعد الفوز الذى حققه الكرملين الذى كان يرعى بصورة مباشرة هذا الاستفتاء، تتجه الأنظار إلى المستقبل السياسى للرئيس بوتين في ظل إفادة بعض التقارير بأن الرئيس بوتين سيترشح لفترة أخرى، بيد أنه ومن جهة ثانية فإنه وعلى الرغم من أن بوتين لديه الآن الحق القانونى في الترشح لفترتين إضافيتين، إلا أن بعض التقارير السياسيية والخبراء الروس ليسوا مقتنعين تمامًا بأنه سيختار القيام بذلك.وضمن السياق ذاته قال أليكسى تشيسناكوف، المحلل السياسى الذى عمل سابقًا كمساعد للكرملين للمصلحة الوطنية بأن خطط بوتين المستقبلية لا تزال بعيدة عن الوضوح، ومن المرجح أن هذه هى الطريقة التى يرغب الرئيس الروسى في الاحتفاظ بها. وقال تشيسناكوف: «لدى الصينيين مفهوم يعرف باسم «التنين في الضباب»، والتى تعنى وجود لاعب قوى في مساحة غير محددة يمكنه من خلالها ضرب منافسيه في أى لحظة من زاوية غير متوقعة، وهذه الصورة تقوم بعمل جيد في تفسير المنطق وراء سلوك بوتين بأنه يريد أن يبقى تنينًا في الضباب حتى نهاية رئاسته.وضمن هذا الإطار فأن بوتين لا يريد أن تقضى النخبة السياسية الروسية السنوات العديدة القادمة في محاولة الحصول على القبول الشعبى في هذه المرحلة كبديل عن العمل من أجل تحقيق الاستقرار الداخلى خاصة وأن هذه التعديلات الجديدة يمكن أن تساعد في مواجهة هذه التجاذبات الداخلية، بالإضافة إلى إن عملية تغيير البنود الخاصة بفترة الرئاسة سوف يرسل إشارة إلى القادة صانعى القرار في الغرب بأن بوتين يشعر بالثقة بشأن قدرته على البقاء على رأس روسيا لمدة العقد المقبل على الأقل.ولكن هناك سبب آخر محتمل وراء قرار الرئيس بوتين بالدفع باتجاه دستور جديد ويتمثل في الرغبة في تأمين إرثه، فلا شك في أن بوتين أراد ليس فقط منح نفسه فرصة للترشح مرة أخرى، ولكن أيضًا لإجراء تغييرات من شأنها تثبيت خطابه الأيديولوجى والسياسى في النظام السياسى الروسي.صلاحيات ممتدةفي حال اعتزام الرئيس بوتين العودة إلى الكرملين في عام ٢٠٢٤، فسيكون قادرًا على ممارسة سلطة أكبر كرئيس خاصة بعدما عززت التعديلات الدستورية التى تم اعتمادها من نفوذ الرئيس على السلطة القضائية، على سبيل المثال، فلم يعد الرئيس بحاجة إلى الحصول على موافقة مجلس الاتحاد- مجلس الشيوخ في البرلمان الروسى- في تعيين أو إقالة المدعى العام، كما يتمتع الرئيس أيضًا بالقدرة على أن يقيل مجلس اتحاد كبار القضاة، في حين أنه بموجب الدستور القديم، يمكن فقط للقضاة الآخرين تقديم هذه التوصية.وفى الوقت نفسه يحق للرئيس الآن تعيين ما يصل إلى ثلاثين عضوًا في مجلس الاتحاد بما في ذلك سبعة منهم يتم تعيينهم مدى الحياه وكان يُسمح للرئيس سابقًا بتعيين ما يصل إلى سبعة عشر عضوًا في مجلس الشيوخ ولم يكن أى منهم تعيينات مدى الحياة بالإضافة إلى ذلك وعند مغادرة الرئيس منصبه يحق له أن يصبح عضوًا في مجلس الشيوخ مدى الحياة.كما اكتسب البرلمان سلطات جديدة مجلس النواب في البرلمان الروسى- مجلس الدوما- لديه الآن القدرة على تأكيد أو رفض المرشحين لرئاسة الوزراء وغيرها من المناصب الوزارية الرئيسية ومع ذلك يجادل بعض الخبراء السياسيين بأن هذه التغييرات ليست كبيرة في الواقع العملى.تفاعلات متداخلةبالنظر إلى جوهر هذه التعديلات التى أقرها الروس فإن مؤسسة الرئاسة ستصبح السلطة المهمينة في بنية النظام السياسى الروسى، بالإضافة إلى أن السلطات الجديدة الممنوحة للبرلمان أصبحت هامشية ولا يتوافر لديها أى نفوذ، وهو الأمر الذى يوضحه عدم قدرة مجلس النواب على طرح الثقة في الحكومة لمدة ٣ مرات فإن الرئيس بموجب التعديلات الجديدة له الحق في تعينهم بنفسه.الجدير بالذكر أنه كان من المقرر إجراء الاستفتاء في ٢٢ أبريل ٢٠٢٠، لكن جائحة الفيروس التاجى أجبر الكرملين على تأجيل التصويت على الرغم من أن روسيا نجحت في البداية في احتواء انتشار المرض، إلا أنها ظهرت لاحقًا كنقطة ساخنة عالمية لفيروس التاجى، مع ٦٦١،١٦٥ إصابة مؤكدة وفقًا لقاعدة بيانات جامعة جونز هوبكنز، وبالمثل وجه الفيروس التاجى ضربة إلى الإستراتيجية الاقتصادية لروسيا وضمن السياق ذاته حذر أليكسى كودرين رئيس غرفة الحسابات الروسية من أن عدد العاطلين عن العمل من الروس قد يتضاعف ثلاث مرات بحلول نهاية هذا العام من ٢.٥ مليون إلى ٨ ملايين.
مشاركة :