إذا لم يهتم العرب بالثقافة ستتحقق فيهم نبوءة جورج أورويل | محمد الحمامصي | صحيفة العرب

  • 7/21/2020
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

ألقت جائحة كورونا والإجراءات الوقائية المتخذة لمقاومة انتشار الفايروس بظلالهما على قطاع الثقافة والفكر والفنون، ففي أشد لحظات البشرية ريبة وارتباكا كان للفلاسفة والمفكرين والكتاب الدور الكبير في مقاربة الأزمة وتفكيكها وإرشاد الناس إلى حقيقة الوضع، لكن من ناحية أخرى فإن الأزمة شلت القطاع الثقافي بشكل كلي من سينما ونشر كتب ومسارح وحفلات ومعارض وغيرها، معرّضةً القطاع الثقافي لأخطر أزماته. في خضم الصراع في مواجهة جائحة كورونا ذهبت كافة الرؤى والأفكار والدراسات إلى الاقتصاد والسياسة وأبعاد وملامح التأثير الذي ستخلفه الجائحة عليهما، وذلك باعتبارهما القوتين المحركتين للعالم في الوقت الراهن، فيما تم إسقاط أي دور للثقافة فـ"سحبت الدول والمؤسسات، وخصوصا في عالمنا العربي، أيديها من دعم المشاريع الثقافية" وفقا للدكتور هيثم الزبيدي في مقال له نشر بجريدة "العرب" أخيرا، وهو الأمر الذي يعني الكثير. الثقافة على اختلاف مفاهيمها ومنتجاتها بنى تشكل مرتكزات حماية المجتمعات ليس من مجرد جائحة ولكن مما هو أخطر كالأفكار الظلامية الهدامة. من هنا كان لا بد من التوجه إلى المثقفين للتعرف على آرائهم وأفكار حول تساؤلات مثل: كيف يمكن أن نقيّم أولا نتائج سحب الدعم عن الثقافة وما يترتب على ذلك؟ وثانيا هل فقدت الدول في عالمنا العربي الثقة في دور الثقافة والمثقفين أم أن مردودات الاقتصاد أهم من الثقافة ودورها؟ بداية يؤكد الأكاديمي نبيل بهجت، أستاذ علوم المسرح، أن الوطن العربي يعاني أزمة في مفاهيم الإدارة الثقافية، ويقول “هناك قصور تام في إدارة المؤسسات الثقافية وتدريس علوم الإدارة وكيفية تقديم الدعم، فغالبا ما يذهب الدعم إلى غير مستحقيه بأشكال مختلفة، وبرأيي الأهم من مسألة الدعم هو السياق والمناخ، فهل تم إعفاء المنتج الثقافي من الضرائب مثلا أو الاستقطاعات أو الرسوم؟ وهل هناك مناخ يحتمل منتجا ثقافيا حرا ومستقلا؟ وهل لدينا سوق ثقافية؟ فالثقافة منتج اقتصادي وإذا لم نتعامل معها بهذا المفهوم سنخسر المنتج والسوق، وستسيطر على أسواقنا نماذج وأفكار مستوردة تسيطر بالفعل؟”. ويضيف “أما عن ثقة الدولة فأنا دائما أفرق بين مفهوم الدولة والحكومة، الدول باقية والحكومات متغيرة، الدول تعاني من سوء إدارة الحكومات أو يرتفع شأنها بها، ومعظم الحكومات لها أصواتها وكتابها وفنانوها منذ ثورة 1919، لكن الذين يبقون هم فنانو الدول، من أجل هذا نقول سيد درويش فنان الشعب، بيرم التونسي شاعر الشعب، أظن أنه لو انتبهت الحكومات لمفهوم الكفاءة وليس الولاء في المنتج الفني ودعمت السوق ورفعت الضرائب والاستقطاعات لكانت هناك مردودات فنية كبيرة”. ويرى الناقد محمود الضبع أنه عبر التاريخ كانت نهضة الأمم تنطلق من رؤية إستراتيجية واضحة ومحددة المعالم، تدعمها ثلاث ركائز أساسية هي “قوة اقتصادية وعسكرية، وسياسة داخلية وخارجية، وتنمية قوامها التعليم والثقافة والوعي. ولم يشهد التاريخ على نهضة أي مجتمع أغفل واحدة من الثلاث، بل تدل التجربة على أن إعلاء الاهتمام بالتعليم والثقافة والوعي والفنون يتزايد في مراحل نشأة الدول، أو عقب انهيارها ورغبتها في النهوض، أو عند رغبتها في الانطلاق نحو بناء حضارة”. ويقول “يشهد العالم الآن هذه العناية بعد المرور بأزمة كورونا العالمية، وهو التوجه الصائب والسليم، أما أن تقوم بعض البلدان العربية بالتراجع في دعمها للثقافة، فإن خطورته ستتكشف في القريب العاجل، وبخاصة في إطار حركات الغزو الثقافي الكبرى التي يشهدها العالم، وبخاصة عن طريق الإعلام البديل والسوشيال ميديا. أما عن فقدان الثقة في دور المثقف والمثقفين، فهذا من باب انحراف المفاهيم عن مسارها، وهو من الملامح السلبية السائدة في الوعي العربي الآن، حيث تم تضييق مفهوم الثقافة واختزاله إلى أبعد الحدود، واعتبارها مجموعة من الأنشطة التي تدخل في إطار الرفاهية، وهذا غير صحيح”. ويشدد الضبع على أن مواجهة القضايا الكبرى الراهنة التي تواجهها الأمة العربية لن يمكن حلها إلا من خلال الثقافة، وبخاصة التطرف والإرهاب والتفكك الأسري وانهيار منظومات القيم والأخلاق، وسيادة الرديء على حساب الجيد والأجود. أما عن كيف يتم ذلك؟ فهو من خلال العودة إلى المنهجية العلمية السليمة التي تتبنى سياسات ثقافية وليس مجرد مجموعة من الأنشطة العشوائية. دعم الثقافة ينطلق الشاعر والأكاديمي اللبناني كامل فرحان صالح من الإشارة إلى أن الحراك الثقافي العربي، لم يكن على انسجام وتوافق مع السلطة العربية، وإن بدا وجود تقاطع في محطات ما، لكن هذا التقاطع لا يصح أن يبنى عليه، وأن يعد قاعدة ثابتة. ويضيف “لا أجد تأثيرا عميقا لسحب السلطة العربية دعمها للثقافة ورهانها على الاقتصاد في زمن كورونا، لأن مكونات هذه الثقافة العربية هي في جزء أساسي منها، جاءت نتيجة ردود أفعال رافضة للسلطة في وجوهها كافة. إن المعيار في ذلك، ينطلق من قاعدة سلطة الثقافة التي تسعى باستمرار إلى بلورة صورتها وتنقيتها وتطوير نفسها بنفسها، مقابل السلطة السياسية والعسكرية والمخابراتية والقمعية التي تمظهرت في أشكال مختلفة على مساحة عالمنا العربي منذ عشرات السنوات”. ويتابع “بالتالي لا أجد مبررا للقلق من مواقف السلطة العربية في دعم المسار الثقافي، بل على العكس، أبدو قلقا إذا حدث العكس، لأن هذه السلطة إن دعمت الثقافة فهي تدعمها بهدف تجميل صورتها وقمعها وتسلطها. إن الثقافة مكون متمرد، والسياسة مكون لزج، متحور، مهادن. فلا نقلق، لأن التاريخ الإنساني يثبت لنا باستمرار أن السياق الثقافي يجد في اللحظات الحرجة جدا، خلاصا ما ليستمر ويكمل الطريق، أما السياق السلطوي فسياقه معروف: إما الانقلاب، أو الإعدام، أو دس السم، أو الأخ يقتل أخاه.. لينتهي دائما، نهاية مفجعة وسوداوية ودموية”. ويرى الروائي ناصر عراق أن العالم العربي سيكابد معاناة شديدة على المستوى الثقافي، ذلك أن الثقافة بشكل عام لا تلقى الاهتمام الذي يليق بها في الأزمنة العادية، فما بالك بعد أن توغل الفايروس القاتل في أحشاء المجتمع، فعطل الاقتصاد وشيطن الأسعار وأربك السياسة فأثار الذعر في النفوس. ويضيف “إن رفع الدعم عن الثقافة في معظم الدول العربية سينعكس بالسلب على وجدان الملايين وعقولهم، لأن الثقافة تبني العقول وترتقي بها، في الوقت الذي تهذب فيه الوجدان وتسمو بالمشاعر، ليتحرر الإنسان قدر طاقته من إرثه الحيواني، فيصعد إلى ذرى أخرى أكثر رفعة وجمالا. ومن الأسف أن يتخيل الكثير من الدول العربية أن الثقافة نشاط ترفيهي يجوز الاستغناء عنه، إذا لزم الأمر، وهو تخيل مغلوط وبائس، فالأمم التي لا تنفق بسخاء على الثقافة بمعناها الشامل ستنتج أجيالا محرومة من نعمة الوعي، غليظة المشاعر، ضيقة التفكير، الأمر الذي سيؤدي إلى ظهور الأفكار المتطرفة التي لا تتورع عن قتل الآخرين إذا اختلفوا معها”. ويتابع “ليت أولي الأمر في معظم الدول العربية ينتبهون إلى الدور المؤثر للثقافة في تطوير الشعوب، وها هي المملكة المتحدة تخصص مليارين من الدولارات لتعزيز النشاط الثقافي بعد الانكماش الذي أحدثه الظهور المباغت لكورونا المجرم. أقول.. ليتنا نعي أهمية الثقافة لننقذ بلادنا من الشقاء المقيم والعذاب القادم”. وتشير الروائية زينب عفيفي إلى أن الثقافة أضحت إحدى ضحايا جائحة كورونا وليس الإنسان وحده بعدما ضربت اقتصاد العالم وعزلته اجتماعيا وسياسيا وجغرافيا، ومن الخطأ الاعتقاد بأن الثقافة ليست في أهمية الشؤون الصحية والاقتصادية والتعليمية بل إنها أكثر أهمية كونها القادرة على تغيير سلوكيات البشر وتوعيتهم وتنمية علاقاتهم الاجتماعية والإنسانية، وإنتاج آليات تفكير تشكل حماية ووقاية من تأثيرات الجائحة الآن ومستقبلا. وتشدد عفيفي على ضرورة دعم الثقافة ومساندتها ماديا وتخصيص ميزانيات لتخفيف خسائرها، ووضع إستراتيجيات جديدة تلائم الوضع المستجد في العالم من حولنا، الذي أجبر الجميع على التعايش عن بعد، وأصبح الاعتماد علي الحياة الإلكترونية أمرا واقعا، حيث صار من الضروري البحث عن البدائل التقنية المناسبة لتتيح للمجتمعات متابعة الحراك الثقافي، وتفعيل استخدام الفضاء الإلكتروني لتعزيز التبادل الثقافي، لكن للأسف الحياة الثقافية ما زال يُنظر إليها بمنظور الترفيه والمهرجانات دون النظر إلى جوهرها في تغيير السلوكيات بما يتلاءم مع الأوضاع المستجدة في العالم والتي حتما سوف يشملها التغيير. ويلفت الكاتب المسرحي المغربي عبداللطيف فردوس إلى أن العالم العربي ليس وحدة متجانسة. فهو متعدد بخصوصياته وبالظروف التي تعيشها كل دولة. ويضيف أن “جائحة كورونا لا تزال حدثا مستمرا في الحاضر، وأي تقييم يرتبط بها وبالتعامل معها سيكون متسرعا وقابلا بنسبة كبيرة للخطأ وسوء التقدير.. صحيح أن أغلبية الدول تضررت اقتصاديا من الجائحة بسبب سياسة العزل والحجر، فتقلصت التجارة العالمية إلى أدنى مستوى لها في تاريخها المعاصر، وأفلست الشركات العالمية إحدى أعمدة الاقتصاد. كما تضررت على الصعيد الداخلي أنشطة السكان المعيشية، سواء منها المهيكلة أو غير المهيكلة، فكان من الطبيعي أن تسعى الدول إلى البحث عن حلول اقتصادية لإعادة العجلة الاقتصادية إلى الدوران، لأن توقف هذه العجلة كان له انعكاس خطير على المجالات الأخرى بما فيها الثقافة”. ويتابع فردوس “أما في ما يتعلق بالثقة فلا أرى أن الدول العربية فقدت الثقة في الثقافة وسحبت الدعم عنها بسبب الجائحة، لأنني أميل إلى التحليل الذي يرى أن الثقافة أصلا، تحتل عند مجموعة من الدول العربية أهمية ثانوية، ولا تخصص لها إلا نسبا قليلة في ميزانياتها، فجاءت الجائحة وعرت الوضعية الهشة للمشتغلين بالثقافة وللمنتجين الثقافيين، ولا أقول المثقف لأن هذا التوصيف يحتاج إلى نقاش. وللتذكير، فإن أغلبية الدول الكبرى أصبحت الثقافة فيها تحت سيطرة المصالح التجارية، وتحولت إلى سلعة تقاس قيمتها وأهميتها بقانون السوق. وصار الاستثمار في الثقافة مرتبطا بهاجس الربح المادي”. يشير الشاعر والمترجم عبدالوهاب الشيخ إلى أن بعض الدول الصغيرة في ستينات القرن الماضي وسبعيناته وما تلاهما تضاعف حضورها من خلال أنشطة بسيطة كمجلة ثقافية جيدة المواد والطباعة زهيدة السعر. فرنسا نفسها قاومت بعد سقوط باريس تحت الاحتلال النازي بفضل العمق الثقافي والحضاري والذي تمثل في أشعار إيلوار وأراغون ولوحات ماتيس. ويقول “إن الاقتصاد دون بعد ثقافي سيحول البشر إلى آلات وتروس تعمل في ماكينته وسيعيدنا إلى ديستوبيا جورج أورويل في روايته ‘1984’. لذا نجد حرص الدول الأكثر تقدما على رصد ميزانيات كبيرة للفعاليات الثقافية مقارنة بما توفره الدول الأقل تقدما للنشاط الثقافي. إن وجود المثقف المستقل في المجتمعات الغربية كنعوم نشومسكي -مثلا- هو ما يمنح ثقلا لدور المثقف. إن تبعية المثقف عموما، سواء لنظام حاكم أو لجهات الدعم والمنح التي تتمثل في مؤسسات بعينها تابعة غالبا لأفراد في مجتمعاتنا العربية وتتبنى سياسات ثقافية محددة، هي ما يهبط بدور الثقافة والمثقف وبالتالي قيمتهما”. ويأسف الشيخ لحال النظم التعليمية وسياسات الدول العربية الثقافية مضيفا “لا يعمل أي منها على خلق هذا المثقف المستقل، وإن وجدت فهي تعمل باستمرار على ضغطه ثم احتوائه، قد يكون طه حسين أفضل مثال على ذلك المثقف الذي يمثل ثقلا حضاريا يمكنه أن يؤثر في حياة الشعوب ولا يقتصر دوره على مجرد تعاطي الرؤى والأفكار، وما تعرض له بداية من أزمة كتابه ‘في الشعر الجاهلي’ معروف. إن دور الثقافة لن يوازي في حياة الشعوب دور كل من السياسة والاقتصاد حتى تستقل الثقافة عن كليهما، وهذا ما لا تحرص دولنا العربية عليه”. ويطرح الروائي شريف صالح رؤية مغايرة حيث يقول إنه في الدول الكبرى يكون التقدم التكنولوجي تعبيرًا عن ازدهار الوعي. فالقطار أو ألعاب الفيديو جيم أو الهاتف المحمول، كلها ثمرة فكرة مبتكرة لعقل لامع. وإنشاء المتاحف والجسور والمدن والمستشفيات، يكون لخدمة الإنسان. فقدان الثقة في دور المثقف والمثقفين انحراف بالمفاهيم وهو من الملامح السلبية السائدة في الوعي العربي الآن وفي الحالتين، فإن الصلة بين الإنسان والآلة، وبين الإنسان والمستشفى، تقيمها الثقافة. فالثقافة هي أبجدية كل الأبجديات. وبالتالي لا يمكن إخراجها حين نتحدث عن الاقتصاد أو السياسة أو الدين وليس فقط عند الكلام في الآداب والفنون. من ثم يعي ساسة الدول المتقدمة أن أهمية دعم السينما والمسارح والمكتبات والمتاحف، لا تقل عن أهمية شراء سلاح أو بناء جسر. لكن في العالم العربي -وبغض النظر عن مأساة وتداعيات كورونا- يُنظر إلى الثقافة نظرة ارتياب. ويضيف صالح “على الأرجح تتأسس تلك النظرة المهمشة (بكسر الميم) من النظرة الدونية للإنسان. وكأنه مجرد كائن بيولوجي مطلوب فقط توفير الأكل والمأوى له. وتجهد الحكومات العربية نفسها في بناء الطرق، وضبط أسعار المطاعم. لكنها عندما تشيد مكتبة لا تقوم بذلك لتصنع منها بؤرة إشعاع معرفي -لا سمح الله- بل فقط للتباهي بها في سجل المنجزات، لكنها تفضل أن تبقى المكتبة مغلقة، وألا يُفتح غلاف كتاب فيها”. ويخلص صالح للقول إن “من أي زاوية نظرنا فيها إلى أحوال الثقافة العربية، سنجد الإحصاءات مؤلمة. ربما لأن السلطات نفسها، تخشى من أي وعي محتمل إذا باتت الثقافة في الصدارة، وعلى سلم الأولويات. فنحن شعوب تكره وتحارب الإبداع، والأفكار. بينما أوروبا تقدمت نتيجة لهذه الأفكار، ولإبداعات الإنسان الذي توفرت له أفضل البيئات الثقافية”. وفي تحليلها تلفت الباحثة ناهد راحيل إلى ضرورة الاعتراف بأن المخاطر الاقتصادية للأوبئة ليست بسيطة، خاصة في المجتمعات التي لا تمتلك من السياسات ما يؤهلها لإدارة المخاطر أو تقليص احتمالات وقوعها، أو على الأقل تمهيد طرق التعامل معها حال وقوعها، ولكون تلك التداعيات غير موزعة بشكل متكافئ على جميع القطاعات؛ فهناك قطاعات قد تستفيد من الأزمة كشركات الأدوية والمستلزمات الطبية، وقطاعات أخرى كدور النشر والمؤسسات الثقافية، تعاني منها بسبب الإجراءات الاحترازية التي فرضت سياسات التباعد المكاني والاجتماعي مما عطل المسيرة الإنتاجية وأوقف الأنشطة الاقتصادية بالتبعية؛ ومن هنا يكون الاهتمام بهذا الجانب على حساب جوانب أخرى هو الشرط الحاكم للمرحلة الحالية. وترى أن الاستجابة الثقافية تأتي في الأغلب في مرحلة تالية لفترة الأزمات، وهو طرح أقرب إلى التصور الماركسي الخاص بقانون العصور الطويلة، والذي يوضح علاقة الواقع الثقافي بتدهور المستويات الاقتصادية والاجتماعية أو العكس، ويرى أن العلاقة بين الأبنية الاقتصادية من ناحية والأبنية الثقافية والإبداعية من ناحية أخرى ليست مباشرة، إنما يتحكم بها ما يعرف برد الفعل المتأخر أو البطيء، فالعملية الإبداعية تحتاج من الوقت ما يمكنها من استيعاب الأزمة وتمثلها والتفاعل معها لتنشط في الوقت الذي تزول فيه دواعي النشاط، لذلك على مؤسسات الدولة أن تبدأ في بناء الإستراتيجيات التي تمكنها من إنعاش الثقافة بعد انتهاء أزمة كورونا وأن تكون بكامل جاهزيتها للتعاطي مع الوضع الثقافي والنتاج الإبداعي المتوقع، فمثلما كان “الموت الأسود” أو الطاعون من أسباب النهضة، فربما تصبح جائحة كورونا سببا في نهضة ثقافية محتملة.

مشاركة :