عاشت الأسر التونسية في الآونة الأخيرة على وقع نتائج اختبارات القبول بالمدارس النموذجية المخصصة للالتحاق بالمدارس النموذجية، وتخلف هذه النتائج التي لا يتفوق فيها إلا نسبة قليلة من التلاميذ مشاعر الخيبة والإحباط لدى الآباء والأمهات والأبناء على حد السواء. تونس – تدفع الكثير من الأسر بأبنائها لاجتياز اختبارات القبول بالمدارس النموذجية غير الإجبارية المخصصة للالتحاق بالمدارس النموذجية التي تتطلب الحصول على معدل لا يقل عن 15 من عشرين، وتفرض هذه الاختبارات ضغوطا نفسية كبيرة على الأهل والأبناء قبل اجتيازها وخلالها، وتكون النتائج المحبطة آخر مراحلها التي تسبب الأذى النفسي للجميع. وقالت الأم لبنى سلايمي إن معلمة ابنها في السنة السادسة أساسي طلبت منها عدم تسجيل ابنها في مناظرة ختم التعليم الأساسي لدخول المدارس النموذجية نظرا إلى ضعف مستواه وخوفا من تأثير نتائج المناظرة التي ترى أنها حتما سوف تكون ضعيفة النفسي عليه. وقالت الأم إنها شعرت بالإحباط آنذاك إلا أن هذا الكلام من المربية لم يثنها عن تسجيله في المناظرة، وكانت بالفعل النتائج سلبية وامتزج شعور الأم بالحرج من أسئلة الأصدقاء والمقربين عن نتائج ابنها مع شعورها بالإحباط وما عاشته من ضغوط نفسية في انتظار النتيجة، وعندما اطلعت على النتيجة التي جاءت مخيبة للآمال فكرت في كيفية إخبار ابنها بهذه النتيجة المحبطة ومدى تأثيرها على نفسيته وعلى مسيرته الدراسية. ولبنى واحدة من الآلاف من الأمهات اللاتي يعشن هذه الحالة وينتظرن على أحر من الجمر نتائج أبنائهن وقد تكون نتيجة طفلها متوقعة إلا أن الآلاف من الأطفال تكون نتائجهم متميزة خلال السنة الدراسية ويبني الآباء والأمهات آمالا كبيرة في حصول أبنائهم على معدل مرتفع إلا أن القليلين جدا من يحافظون على تفوقهم خلال هذه الاختبارات. وعاشت الأم أحلام بن يونس لحظات مرهقة وهي تنتظر الرسالة الإلكترونية لتطلع على نتيجة ابنها الذي كان متفوقا خلال السنة الدراسية، لحظات عاشت خلالها الكثير من الضغوط والخوف، وجاءت النتيجة أيضا مخيبة للآمال حتى أنها لم تشأ أن تفصح عن أعداده وعانت ضغطا نفسيا كبيرا إذ كيف ستخبر ابنها بهذه النتائج وكيف سيكون وقعها عليه وماذا عن والده، وانهالت عليها الكثير من المكالمات الهاتفية التي فاقمت معاناتها النفسية فالجميع يسأل هل نجح في الالتحاق بإحدى المدارس النموذجية؟ وعن الأعداد والمعدل. وأكد أخصائيو علم النفس والتربية أن فشل الأطفال في اختبارات القبول بالمدارس النموذجية المخصصة للالتحاق بالمعاهد النموذجية له انعكاسات كبيرة على نفسية الأهل والأبناء. لجوء الأطفال إلى الانعزال ورفضهم مقابلة الأهل والأصدقاء بعد فشلهم في هذه الاختبارات دليل على معاناتهم النفسية ودعا المختص في علم النفس التربوي يوسف المرواني، الأولياء إلى مساعدة الأطفال الذين لم ينجحوا في اختبارات القبول بالمدارس النموذجية على تخطي هذه المرحلة حتى لا تهتز ثقتهم بأنفسهم. وينتاب الآباء والأبناء الخجل وعدم الرغبة في مواجهة المحيطين بهم الذين يولون هذه النتائج أهمية بالغة ويحرصون على الاتصال للاطمئنان على النتائج التي تحصل عليها الأبناء في هذه الاختبارات مما يسبب حرجا كبيرا للآباء والأمهات. وأشار المختص في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء إلى أن لجوء فئة من الأطفال إلى الانعزال ورفضهم الخروج ومقابلة الأهل والأصدقاء بعد فشلهم في هذه الاختبارات دليل على معاناتهم النفسية بسبب عدم تهيئتهم من طرف الأولياء على قبول الفشل والتعامل معه، محذرا من تحول هذه الأزمة إلى نقطة سوداء تلاحق الطفل طيلة مساره الدراسي فتجعله غير قادر على مواجهة بقية الامتحانات بسبب افتقاده للثقة في نفسه. وأكد أن الطفل قادر على قراءة الإحساس بالخيبة والخذلان في أعين والديه حتى ولو كانت كلماتهما تنطق بغير ذلك، داعيا الأولياء بدورهم إلى تقبل وضعيات الفشل والتكيف معها حتى تكون مواساتهم لأبنائهم وتشجيعهم لهم صادقة بالقدر الذي يجعلها “بلسما لجراحهم”، وفق تعبيره. وشدد المختص النفسي على ضرورة أن ينسق الوالدان مواقفهما إزاء فشل الأبناء في الامتحانات مهما كانت طبيعتها، فقد تكون الأم كثيرة الحرص إلى حد خلق ضغط كبير على الطفل أو المراهق ويكون الأب متسامحا جدا إلى حد اللامبالاة، ومثل هذا السلوك يعطي إشارات سلبية للابن الذي ينتظر من الاثنين شحنة من التشجيع والتفهم والحب والاحترام. وأكد المختصون أن فشل الطفل في هذه الاختبارات يجعله ضحية الاضطرابات النفسية والسلوكية ويدخله في دائرة الإحباط والتشتت وفقدان الثقة في النفس، مشيرين إلى أن هذه التأثيرات النفسية يعيشها الأبناء والأهل على حد السواء، مشيرين إلى أن ضيق الأهل يشتد عند فشل الأبناء في إحدى الاختبارات للقبول بالمدارس النموذجية ويشعرون بألم معنوي كبير ويحاولون البحث عن الأسباب التي جعلت الأبناء يفشلون وخاصة عندما يكون الفارق بين نتيجة المناظرة ونتائج الامتحانات شاسع جدا وهذا ما يحدث في أغلب الأحيان. ويرى البعض أن الولي نادرا ما يتقبل فكرة عدم نجاح ابنه ويذهب في اعتقاد بعض الأولياء أن فشل الأبناء في الدراسة عار عليهم ومدعاة لسخرية وشماتة الآخرين لذلك يعمد الأولياء إلى تحميل أبنائهم وأنفسهم ما لا طاقة لهم به، ويحاولون إخفاء هذا الفشل قدر المستطاع وقد يضطرون في بعض الأحيان إلى الكذب بشأن النتيجة لتجنب نظرات وأقاويل المحيطين بهم. وأكد المختص في العلاج النفسي والسلوكي منذر جعفر أن الكثير من الأولياء يسقطون في فخ سباق الأوائل فيحولون حياة أطفالهم إلى ما يشبه المباراة الطويلة من أجل إحراز المرتبة الأولى، وكل هذا يقع على حساب قدرة الطفل النفسية والذهنية، فحرص الولي على نجاح ابنه وحصوله على معدل جيد يجعل التلميذ مشتتا ومنهكا وغير قادر على مواصلة المشوار بفعل الضغط النفسي الذي يقع تحت طائلته. ونبه إلى أن المدرسة ليست ساحة للسباق وإنما هي قطاع للتعلّم وأن مراحل التعليم هي فرصة أمام التلاميذ للإبحار في تحصيل العلم وتفجير مواهبهم المختلفة في شتى المجالات. ولفت المختصون إلى أن الرسوب يعرض الطفل إلى صدمات لا مرد لها ويسبب له الأذى النفسي وحتى الجسدي في بعض الأحيان مبينين أن المشاعر المصاحبة للصدمة تؤثر في تفكير الإنسان وقدرته على القيام بوظائفه، وتختلف طريقة كل شخص في التعبير عن مشاعره تجاه الصدمة، وقدرته على ضبطها وفقا لمستوى النضج الانفعالي لديه وتجربته في الحياة ومدى صحته النفسية ودرجة تقديره لذاته، والضغوط التي يعيشها. وأشاروا إلى أن النتائج المدرسية للأطفال تحولت إلى هاجس يصيب أغلب الأولياء وخاصة منهم الأمهات حيث أصبحن يلهثن وراء تفوق أبنائهن في المدارس وإحرازهم لأعلى العلامات بل ويتنافسن في ذلك في ما بينهن. وتحولت المدارس من فضاء تعليمي وتربوي إلى ساحات للمصارعة على المرتبة الأولى. ووصف المعالج السلوكي المختص في علم النفس التربوي مجد بن جبالية، هذه الظاهرة بأنها من أسوأ الممارسات التي تُسلّط على الطفل وتجعله يعيش حالة كبيرة من الضغط النفسي والشدّ العصبي، خاصة إذا كان ذا إمكانات معرفيّة محدودة، وهكذا يكون الضحيّة الوحيدة في ظلّ هذه الحرب المحمومة. ونبّه بن جبالية إلى أنّ تركيز الأولياء المبالغ فيه على تفوق الطفل، يمثّل خللا كبيرا في تكوينه الدراسي في المستقبل إذ يتمّ التركيز على النتيجة وإهمال التكوين المعرفي الصحيح الذي يؤدي حتما إلى تلك النتيجة، مؤكدا أن نجاح الطفل لا يتمثل في إحرازه على معدلات عالية مقارنة بزملائه، بل إن النجاح الحقيقي هو تكوين طفل متزّن قادر على البحث والتفكير المنطقي والتحليل.
مشاركة :