الكويت دائمًا على العهد وعند كل وعد تقطعه مع شقيقاتها من الدول العربية. الكويت لا تنتظر أن يستغاث بها، فهي سبَّاقة إلى عمل الواجب القومي تجاه الشعوب العربية وحكوماتها من دون أن يُطلب منها ذلك. هذا تاريح ممتد منذ الاستقلال لا ينكره إلا جاحد، والجحود، مع الأسف، صفة متأصلة عند بعض الأحزاب العربية، وخصوصًا منها الإسلاموية، التي شاءت عوامل متعددة من بينها التخلف أن تسيّر أمور السياسة في بعض الدول العربية مثل لبنان. وما ينطبق على الكويت نفسه ينطبق على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين وسلطنة عمان. هذه ثقافة ونهج قومي تأسس في إطار مجلس التعاون، ولم يحد عنه إلا شذاذ الآفاق من حكام قطر الذين رهنوا قرارهم بيد عصابة الإخوان المسلمين الإرهابية والأتراك الحالمين ببعث الإمبراطورية العثمانية من مقبرة التاريخ. ضمن هذا الإطار التضامني أبت الحكومة الكويتية أن يعود مبعوث الرئيس اللبناني الذي زار الكويت في الأسبوع الماضي إلى بلاده خالي الوفاض، فقد أبدت الحكومة استعدادها لتقديم مساعدات عينية للشقيقة لبنان تشمل أدوية ومستلزمات طبية ومواد غذائية، وردت الكويت على الطلب اللبناني تزويدها بالمشتقات النفطية بأن مجلس الوزراء الكويتي سيدرس الطلب. الكويت بهذا السلوك التضامني مررت رسالة للبنان مفادها أن لا سند لها في محنها القديمة منها والجديدة إلا مجموعة من الدول العربية المؤمنة بأن قدر الدول العربية أن تنهض معًا وأن تتعاون في معركة المصير التي تدور رحاها أيامنا هذه بأشكال مختلفة ليس الشكل العسكري إلا واحدًا من تجلياتها، الكويت كغيرها من الدول الرصينة العاقلة تؤمن أن عمقها الإستراتيجي بأبعاده الاتجاهية، شمالاً وجنوبًا، غربًا وشرقًا، واحد، ولذلك بادرت إلى مد يد العون إلى لبنان الجريح وسعت شأنها شأن الدول العربية والصديقة إلى إقناع حكومة لبنان بأن مهمة تطبيع العلاقات اللبنانية العربية لا تقع إلا على عاتق الحكومة اللبنانية. والشرط الأكبر لهذا التطبيع التزام لبنان بسياسة «النأي بالنفس» عن الصراعات الدائرة في المنطقة، وهذا الشرط فضلاً عن حيويته بالنسبة إلى المنطقة حتى لا تتحول لبنان إلى حديقة إيران الخلفية الساعية إلى الإفلات من العقوبات الأمريكية، وإلى ساحة أخرى لحرب بالوكالة تديرها الدول المتصارعة عن بعد ببيادق لبنانية وبكلفة لن يدفع ثمنها إلا اللبنانيون الذين لا يريد أحد لهم أن يعودوا إلى أيام الحرب الأهلية الصعبة. النأي بالنفس عن كل الصراعات، إذًا، هو الحد الأدنى الذي قبل به العرب خيارًا للبنان وذلك من أجل الشعب اللبناني فحسب. وعلى الرغم من أن سياسة النأي بالنفس لا تلبي طموح الإنسان العربي المؤمن بعروبته ووحدة مصيره بكسب لبنان إلى صفه واستعادة دوره لصوغ مستقبل الأمة، وهي سياسة جديدة لا تنسجم أبدًا مع بلد مؤسس لجامعة الدول العربية، إلا أنه ليس بمقدور الحكومة اللبنانية أن تجهر بهذه السياسة، فهذا أشبه بالمستحيل في ظل هيمنة «حزب الله» على القرار الحكومي. حكومة الرئيس حسان دياب لن تتخذ موقفًا يتعارض مع المواقف التي يعلنها حسن نصرالله. وليس هناك أوضح من موقف «حزب الله» من الاشتباك المستمر بين عرب الخليج وإيران منذ انتصار «ثورة» الخميني على الشاه في عام 1979، فهو موقف يعلن جهارًا اصطفافه مع إيران على حساب دول الخليج العربية! «حزب الله» يوقع اللبنانيين في مأزق قومي، انتمائي، إذ كيف لهم أن ينأوا بأنفسهم عندما ينشب خلاف بين عرب الخليج، مثلاً، وإيران أو تركيا. إنه خيار أيديولوجي فرضه فائض قوة سلاح «حزب الله» على الدولة اللبنانية. سياسة النأي بالنفس، التي قبلها «حزب الله» حينما كانت تصب في مصلحة تحالفات حزبه الناشئة إذّاك مع العونيين ويرفضها اليوم، أو «الحياد» إزاء قضايا عربية مصيرية وهي السياسة الشبيهة لها إنما هي سابقة تؤسس لانفراط عقد الجامعة العربية ولن يعود لها لزوم. والمرء إزاء ما تطرحه حكومة حسان دياب وتدعو له أحيانًا، ليتساءل أحقًا أن ما يجري في اليمن أو سوريا أو ليبيا أو العراق يتطلب من الدول العربية أن تنأى بنفسها، أو أن تقف على الحياد، وتترك الإيرانيين والأتراك يتناهبون أوطاننا؟! ونعود من حيث بدأنا، إلى استعداد الكويت لتقديم الدعم العيني للبنان ونطرح على الطبقة السياسية في لبنان هذا السؤال: هل كان من المفيد للكويت أن يلتزم العرب سياسة النأي بالنفس، أو الحياد، تجاه غزو قوات صدام حسين عام 1991؟ هل كان للكويت أن تتحرر وتعود دولة كاملة السيادة؟ وهل أن سياسة الحياد مقبولة لو أن المملكة العربية السعودية غضت الطرف عن الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران على الشرعية اليمنية؟ السؤال نفسه ينطبق على الوضع في سوريا وليبيا والعراق. النأي بالنفس خدعة دبلوماسية وسياسية مررها «حزب الله» وأقنع بها حلفاءه من الأحزاب اللبنانية، وينبغي أن ندرك بأن هذه الخدعة تصب في مصلحة إيران وباقي أعداء العرب؛ لأن الحياد بمنطق «حزب الله» تبعية مطلقة لإيران وخدمة أمينة لأجنداتها التخريبية في المنطقة.
مشاركة :