هذا الصّيف... ليس وقت فراغ

  • 7/22/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هل إجازة الصيف وقت فراغ بالنسبة إلى طلابنا وشبابنا؟ ماذا سأفعل خلال الصيف؟ كيف أملأ وقت فراغي الطويل؟ أَهو للرّاحة من أعباء المسؤوليات والواجبات طيلة العام الدراسي؟ هل لدينا تصوّر دقيق وواضح لإجازة الصيف هذا العام لا سيّما مع الظروف الاستثنائية التي كبّلتنا؟. أسئلةٌ لطالما تكرّرت في نهاية كلّ عام دراسي، وفرضت نفسها على كل عائلة وكل طالب وطالبة بإلحاح، أسئلة تسخن وتسخن حتى تصبح حارقةً كما حرارة فصل الصيف، ثمّ تبرد مع نهايته ويعود الجميع إلى روتينهم وتبرد المشكلة لتتجدد في الصيف القابل... وهكذا قد يمضي العمر ولم يغتنم الشباب إجازات الصيف بشكل مفيد. وفي هذا الصيف بالذات صارت هذه الأسئلة تقضّ مضاجعنا بعد أن انحسرت الاختيارات وباتت محدودة جدًا.  وبغضّ النظر عن هذا الصيف الاستثنائيّ، فإنّ القضية وباختصار شديد تحتاج إلى تصحيح التصور لهذا الوقت، وذلك أولاً بالاستماع إلى الشباب وفهم نظرتهم إلى هذا الفترة المهمّة من السنة ومن حياة الشباب والإنسان عمومًا. إنّ الاعتقاد بأن أي برنامج صيفي هو حلٌ لملء الفراغ، أو لقتل وقت الفراغ كما يرى البعض، هو تصوّر خاطئ؛ لأنه بالأساس ليس لنا وقت فارغ. إنّ القول بوقت الفراغ يعني وجود وقت آخر مليء بالأعمال والأعباء، ولعلّه بقية العام وتحديدًا العام الدراسي، حيث يكون الشباب منهمكين في دراستهم لتحقيق النجاح. إن تصوّر المشكلة على حقيقتها جزء أساس من معالجتها؛ فلئن كانت فترة الصيف تختلف عن المواسم الأخرى من السنة من حيث مقدار الرغبة في العمل والإنتاج بحكم تأثير المناخ على نشاط الإنسان، فإنّه لا ينبغي أن يصل الأمر إلى إلغاء هذا الجزء من أعمارنا ليصبح صفرًا في حساب الزمن بالتفكير في «قتل وقت الفراغ»، فوقت الإجازة يشكّل نسبة من أعمارنا وهي ليست هيّنةً أو قصيرة حتى نفكّر في القضاء عليها وعدم استثمارها، فضلاً عن كوننا مسؤولين أمام الله عن عمرنا فيما أفنيناه.  إنّ اعتبار الإجازة من أعمارنا يحتاج تخطيطًا جيدًا يلبّي حاجات الشباب؛ فهم يشعرون بالنقص الشديد في مجالات عديدة من الحياة العملية اليومية، والعديد من الطلبة والشباب في حاجة إلى اكتساب الخبرات الضرورية في مهارات القراءة السريعة أو الكتابة السريعة أو مهارات فهرسة المعلومات ومهارات الكتابة على الحاسوب بمختلف اللغات أو مهارات تصنيف المكتبات أو مهارات تنظيم الرحلات والاستفادة منها، وكذلك مهارات العلاقات العامة والمقابلات الشخصية أو مهارات إعداد اللقاءات، فضلاً عن المهارات الرياضية، والاجتماعية ومهارات الحياة عمومًا. ولقد اعتدنا في البحرين تنظيم دورات تدريبية على غرار تلك التي تقوم بها مراكز الإبداع الشبابي والمراكز الشبابية النموذجية وغيرها من الجهات الخاصة والأهلية، دورات قصيرة من أسبوع إلى أسبوعين، يتمّ خلالها تقديم برامج مكثفة تركز فقط على المهارة، ويكون العدد محدودًا، ويمكن أن يعطى الشاب شهادة تفيده باجتياز هذه الدورة على أن تتاح الفرصة له للتسجيل في عددٍ من الدورات خلال الصيف، لعله بذلك يكتسب الخبرات التي لم تشملها المدرسة أو الجامعة في برامجها وأهدافها. وإلى جانب الدورات، فإنّ الدخول في الحياة العملية مع الوالدين أو الأقارب، أو المشاركة في الأعمال التطوعيّة، يوفّر للشباب فرصة كبيرة لتوسيع دائرة معارفه، وتطوير ذاته من خلال ما يكتسبه من مهارات متنوّعة ولا سيما في التعامل المباشر مع وضعيات حياتية واقعية. إنّه متى اقتنع بأهميّة خوض غمار الحياة، وبدأ الاستفادة من الدورات التي تمكّنهم من الخبرات الحياتية العملية اليومية، ومتى شعر الشباب بفائدتها والفروق الواضحة بين الخبرات المدرسية والمهارات الحياتية المكتسبة خلال الإجازة الصيفيّة، فإن النظرة إلى الإجازة سوف تتحوّل إلى شيء من الجدية النامية مع مرور الوقت. إنّ المشكلة الكبرى في مدى وعي الشباب بوضع أهداف لحياتهم عامةً، لا فقط لإجازة الصيف أو للعام الدراسي، فلو أن الدراسة انقضت ماذا سيفعل الشاب؟ نحن اليوم في أمس الحاجة إلى أن يصوغ شبابنا بالتشاور مع أهل الخبرة والتجربة، جملةً من الأهداف يسعى إلى تحقيقها طيلة الإجازة الصيفيّة، ولا يرضى لنفسه بعد اليوم أن يعيش من دون هدف، وألّا يرضى من الحياة أن يكون فيها صفرًا، وإنّما أن يحمل قول مصطفى صادق الرافعي شعارًا حيث قال في كلمة عظيمة له: «إذا لم تزد على الحياة شيئًا، كنت أنت زائدًا على الحياة».

مشاركة :