المسيرة الديمقراطية في العهد الزاهر ليست مستوردة ولها جذورها في تاريخ البحرينافتتح علي بن صالح الصالح رئيس مجلس الشورى الندوة الحوارية «مئوية الانتخابات في البحرين»، التي ينظمها مركز الوثائق التاريخية بمركز عيسى الثقافي عبر منصة زوم الإلكترونية، وذلك بمناسبة مرور مائة عام على إصدار أول نظام انتخابي في تاريخ البحرين والمنطقة، والذي يأتي في إطار احتفاء المركز بمئويات تأسيس مؤسسات الدولة البحرينية الحديثة.وأشاد، خلال كلمته الافتتاحية، بالجهد الذي يبذله مركز الوثائق التاريخية بمركز عيسى الثقافي برئاسة الدكتور الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة في تنظيم الندوة، وتقديمه لكتاب «مئوية الانتخابات في البحرين: قراءة في النظام الانتخابي من وثيقة قانون بلدية المنامة الأساسي الصادر في 20 يوليو 1920م» الذي يعتبر توثيقا تاريخيا ومرجعا لأحد أهم محطات بناء الديمقراطية في البحرين.وقال إن صدور «قانون بلدية المنامة الأساسي» شكّل النواة التاريخية للمشاركة الشعبية المبكرة والفاعلة في إدارة شؤون المجتمع ومصالحه، والقائمة على احترام التنوع السكاني والاجتماعي والديني، مشيرا إلى أن مجمل التطورات التي شهدتها مسيرة الانتخابات حققت للبحرين نجاحا واسعا في جميع محطات العمل الديمقراطي والذي توج بالمشروع الإصلاحي لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المفدى.وأوضح أن دعم صاحب الجلالة الملك المفدى للمسيرة الديمقراطية يعد امتدادا لنهج آبائه القائم على أسس استمرارية بناء وتطوير أجهزة الدولة بما يخدم تطلعات الشعب، وذلك في ظل جهود صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، ومساندة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء.وقد شارك في الندوة أربعة متحدثين تناولوا مئوية الانتخابات من منظور تاريخي وتحليلي، حيث بدأ الدكتور الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة بتقديم عرض لمئوية الانتخابات من خلال قراءته لوثيقة «قانون بلدية المنامة الأساسي الصادر في 20 يوليو 1920م»، والذي جاء في إصدار كتاب خاص يوثق هذه المسيرة، حيث تطرق أولاً إلى نشأة بلدية المنامة عام 1919 وإصدار القانون عام 1920، مبينا أن صدور القانون دشن المرحلة الحديثة في بناء الدولة، والقائم على التنظيم الإداري المؤسسي وسيادة القانون وإشراك المجتمع في إدارة مصالح الدولة، فضلاً عن ولادة أول نظام انتخابي في المنطقة لاختيار أعضاء المجلس البلدي الذي يجمع بين الانتخاب والتعيين.وقال الشيخ خالد إن القانون تضمن 71 مـادة مكتوبة باليد باللغة العربية موزعة في 13 صفحة، حيث أوضحت المواد شـكل مجلـس بلديـة المنامـة وأعضـائه، وظائـف المجلـس وصلاحياته، وآليـة انتخـاب أعضائـه، إلى جانب أمور تنظيمية أخرى. كما بين أن النظام الانتخابي نص على انتخاب 10 أشخاص من قبل أهالي المنامة فيما تعين الحكومة 10 آخرين من بين الأعيان والشخصيات المؤثرة؛ ودورة المجلس ثلاث سنوات، كما أشار إلى أن النظام ذكر أن تعيين رئيس المجلس يكون من قبل الحاكم من بين الأعضاء، فيما يختار الرئيس المعين نائبا له من الأعضاء.واستعرض خلال حديثة شروط مشاركة الأفراد في انتخاب الأعضاء وشروط الترشح للعضوية، فضلا عن الضوابط الإجرائية للدعوة للانتخابات، بما فيها تشكيل لجنة من المواطنين والمقيمين للإشراف على سير العملية الانتخابية وضمان شفافيتها ومصداقية نتائجها. كما بين الشيخ خالد صلاحيات المجلس الموسعة ونتائج أول انتخابات جرت عام 1924، والتي ضمنت، قانونا، تمثيل مختلف فئات وطوائف أهالي المنامة.وأكد الشيخ خالد أن القانون راعى التنوع الديني والاجتماعي في تشكيل المجلس، مستدلا بنص المادة 10 من القانون «يكـون لـكل طائفـة مـن الطوائـف الحـق أن تنتخـب لهـا عضـواً فـي مجلـس البلديـة..»، حيث ذكر فوز ممثل عن الجالية اليهودية وممثلَين عن الجالية الهندية في انتخابات 1938. مشددا على أن هذا القانون يعد «القاعدة الروحية للوائح التنظيمية والقانونية للمسيرة الديمقراطية المعول بها في عصرنا الحالي في عهد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وهو ما يثبت أن المسيرة الديمقراطية والانتخابية في العهد الزاهر ليست مستوردة ولها جذورها في تاريخ البحرين».من جانبه استعرض الباحث بإدارة مركز الوثائق التاريخية يوسف عقيل إسحاق مراحل تطور النظم والعملية الانتخابية في البحرين خلال الفترة عام 1924 حتى عام 1971، بالاستدلال على مجموعة من الوثائق والاعلانات الصادرة عن حكومة البحرين آنذاك، حيث أكد أن المرحلة الأولى (1924-1938) عالجت التمثيل العادل للطوائف وفئات المجتمع، إذ لم يتمكن أصحاب الجالية الهندية واليهودية بانتخاب ممثليهم للمجلس البلدي بسبب فقد الجاليتين بعض شروط الترشح في الدورات الأولى، وبعد استيفاء الشروط اللازمة تمكنت الجاليتان من انتخاب ممثليها في انتخابات 1938.وأضاف إسحاق أن المرحلة الثانية من تطوير النظام الانتخابي جاءت في عام 1944 بإقرار أول تعديلات على قانون بلدية المنامة الأساسي منذ صدوره، ومن تلك التعديلات السماح بترشح وانتخاب عضو المجلس البلدي مرة ثانية. مؤكدا أن المرحلة الثالثة من تطوير النظام في 1950-1951 تضمنت أهم التعديلات على النظام بالسماح للمرأة بالتصويت وإلغاء نظام (الكوتا) عبر تقسيم المنامة لدوائر انتخابية نتيجة للتوسع العمراني.ومن جانب آخر، أكد د.عبد العزيز أبل عضو مجلس الشورى في مقارناته بين الأنظمة الانتخابية لعام 1920 والأنظمة الانتخابية للأعوام 1971 و1973، أن الغاية الرئيسية من إصدار قانون الانتخاب لمجلس البلدية عام 1920 هو توسيع صلاحيات وتنظيم شئون بلدية المنامة، والتأسيس لانتخاب مجلس بلدية المنامة وتحديد سلطاته وتنظيم عمله، في حين أن الغاية من إنشاء المجلس التأسيسي في عام 1972 هي وضع دستور للبلاد، وأن والغاية من انشاء المجلس الوطني في عام 1972 هي تأسيس السلطة التشريعية للبلاد.وأشار أبل الى أنه تم تكريس آلية «الاقتراع المباشر» في كل التجارب الانتخابية منذ 1920 وحتى 1973، وأن الجنسية البحرينية والمواطنة لم تؤخذ كشرط مأخوذ في 1920 نظرا الى طبيعة الشأن البلدي والمتعلق بالخدمات العامة ويمس كل المقيمين في المنطقة، بينما تغير الوضع عند تنظيم انتخابات المجلس التأسيسي وانتخابات المجلس الوطني، مضيفا أن المدى التنظيمي للانتخاب كان مقصورا على مستوى منطقة البلدية، في حين أن المجلسين التأسيسي والوطني كان على نطاق كل مناطق البحرين، وهو ما ينعكس على تقسيم الدوائر الانتخابية في كلتا الحالتين.وبين أبل مقارنات في سن الانتخاب وشروط الانتخاب وشروط الترشح لكل الأنظمة الانتخابية، مؤكدا أن حق المرأة في التصويت كان مغيبا فترة المجلسين التأسيسي والوطني، حيث أشاد بدور جلالة الملك المفدى في عهده الإصلاحي التطويري في إعادة إحياء كل الحقوق السياسية للمرأة البحرينية بما فيها حق التصويت والترشيح لعضوية البرلمان، الأمر الذي شكل نقلة نوعية للحياة السياسية على المستويين المحلي والخارجي. هذا وقد اختتمت الندوة بمحور الفترة المعاصرة للنظام الانتخابي في عهد صاحب الجلالة الملك المفدى، حيث أكدت النائب الثاني لرئيس مجلس الشورى الأستاذة جميلة علي سلمان أن الانتخابات في مملكة البحرين أصبحت ركيزةً أساسية ومكسباً ديمقراطياً مهماً للتعبير عن الإرادة الشعبية، مضيفة أن مملكة البحرين حرصت على حماية العملية الانتخابية بعد عودة الحياة النيابية عام 2002، إذ تم وضع العديد من الضوابط الدستورية والقانونية والإجرائية على النظام الانتخابي لضمان نزاهة العملية وممارسة المواطنين لحقوقهم السياسية في إطار من الشفافية.وأشارت إلى أن استمرار الدورات الانتخابية بصورة منتظمة دليل على ثبات النظام الانتخابي، إذ أقيمت في مواعيدها الدستورية المحددة. كما بينت حرص مجلسي الشورى والنواب على إشراك العديد من الجهات الحكومية والخاصة والأهلية عند دراسة المشروعات أو الاقتراحات بقوانين أو المراسيم بقوانين مما يعزز الديمقراطية في اتخاذ القرار.وقالت النائب الثاني لرئيس مجلس الشورى أن المرأة البحرينية كان لها دور كبير في تفعيل العمل الديمقراطي في عهد جلالة الملك المفدى من خلال مشاركة ست سيدات في لجنة إعداد ميثاق العمل الوطني عام 2000، ومشاركة سيدتان في لجنة تفعيل هذا الميثاق، وتعيين ست سيدات في أول مجلس للشورى بعد إقرار الميثاق، كما تم تفعيل ممارسة حقها في الانتخاب والترشيح للمجلس النيابي والمجالس البلدية منذ عام 2002، مؤكدةً أن المرأة البحرينية في عهد جلالة الملك وصلت إلى عضوية البرلمان والمجالس البلدية عن طريق الانتخاب المباشر في وقت لم تستطع المرأة في دول أخرى الوصول إلا من خلال التعيين أو نظام الكوتا.
مشاركة :