لماذا فشلت الاحتجاجات في إيران عام 2019 في إسقاط نظام الملالي؟

  • 7/22/2020
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تعامل نظام الملالي في إيران مع موجة احتجاجات 2019 (بوحشية) مطلقة، حيث تم استخدام الذخيرة الحية والعنف المفرط، وقد تحدثت التقارير الأممية عن أن القنابل المسيلة للدموع التي تستخدمها قوات الحرس الثوري الإيراني من نوع خاص، يخترق جماجم المتظاهرين.ووفقاً لموقع (نيتبلوكس) الذي يراقب حركة الانترنت حول العالم، فقد حجب النظام شبكة الانترنت بشكل شبه كامل، كما عطل خطوط الهواتف حيث صعّب الحصول على معلومات عن حقيقة ما يحدث، وخاصة أن هذه المظاهرات قد شملت جميع أنحاء البلاد، بينما المظاهرات التي خرجت في عامي 2017 و2018 تركزت في العاصمة طهران وما حولها.تسعى هذه الدراسة الى معرفة أسباب فشل مظاهرات 2019 وهي الأقوى، في إسقاط النظام، وما هي الآليات التي اتبعها النظام للقضاء عليها.. لكن قبل البدء لا بد من الإشارة الى ان السبب المباشر لقيام هذه المظاهرات هو الزيادة الكبيرة والمفاجئة في أسعار الوقود، بنسبة مئتين في المئة خلال ليلة واحدة، والتي تلقاها الشارع بصدمة كبيرة والكثير من الغضب، أما السبب الرئيسي فهو الفساد وعدم النجاعة الاقتصادية لحكومة الولي الفقيه.من الذي شارك في المظاهرات؟بدأت الاحتجاجات مساء يوم 15 نوفمبر 2019 في الأحواز المحتلة، ثم انتشرت لتشمل جميع أنحاء البلاد، وشارك فيها إيرانيون من خلفيات اجتماعية وعرقية مختلفة، إلا ان الأغلبية كانت من الطبقة العاملة والأفقر في المجتمع، كما أظهرت تسجيلات الفيديو طلاب الجامعات وغيرهم من الطبقة الوسطى وهم يحملون شعارات تطالب بإسقاط النظام، وشارك بها العديد من النشطاء المدنيين والحقوقيين والنقابيين.كيف تعامل النظام مع المظاهرات؟‭{‬ الإنترنت والإعلام:قامت السلطات الإيرانية بحجب كامل لشبكة الانترنت مدة أسبوع تلاه حجب شبه كامل، وهو ما يشير الى أن النظام الإيراني قد تطور تكنولوجياً. على الصعيد ذاته قامت السلطات بمنع تطبيقات مثل (انستجرام - تيليجرام) منذ احتجاجات عامي 2017 و2018، في محاولة لتعطيل الاتصالات وتبادل الأفكار بين المتظاهرين.وصحيح أن البعض لجأ إلى الشبكات الخاصة الافتراضية (في بي إن) لتفادي الحجب من أجل تبادل البيانات بحرية، إلا أن هذا الطريق كان صعبا هو الآخر إذ إن منظمة تكنولوجيا المعلومات قامت بعمل لائحة تحتوي على المواقع التي توافق عليها الحكومة.والأمر يدعونا هنا الى التساؤل كيف استطاعت إيران قطع الانترنت عن 80 مليون مواطن؟من أجل فهم أوضح لهذا الأمر لجأت إلى موقع (وايرد) المختص بالتكنولوجيا للتعرف على الطريقة التي استطاعت بها ايران قطع الانترنت، التحليل موجود على الرابط https://www.wired.com/story/iran- internet-shutoff/ تحت عنوان How the lranian Government Shut Off the lnternet.يقول الموقع ان الحكومات القمعية مثل حكومة إيران تعمل بشكل متزايد على تحديث شبكاتها التقليدية الخاصة واللامركزية، بتحديثات تقنية أو اتفاقيات شراكة، لإعطاء المسؤولين قدرة أكبر على التحكم بها.وركز نظام الملالي بحسب (وايرد) على مدار العقد الماضي على بناء شبكة انترنت وطنية مركزية، تتيح له تزويد المواطنين بخدمات الويب مع مراقبة جميع المحتويات على الشبكة والحد من المعلومات من مصادر خارجية.وخلال عملية إنشاء هذه الشبكة الداخلية، سيطر النظام الإيراني أكثر فأكثر على كل من الاتصال العام والخاص، بحجة حماية الأمن الوطني.وتعتمد عملية حظر اتصال الانترنت في دولة بأكملها على إعدادات مزود الخدمة، ففي الأماكن ذات الانتشار المحدود للإنترنت، عادة ما يكون هناك مزود خدمة انترنت واحد تسيطر عليه الحكومة، الى جانب بعض المزودين الخواص الأصغر حجما.لكن جميع المزودين عادة ما يحصلون على إمكانية الوصول من خط واحد تحت البحر، أو شبكة دولية، مما يخلق نقاط الاختناق (الأولية) التي يمكن استخدامها لمنع اتصال أي بلد بشكل أساسي من مصدره، وفقا لـ(وايرد)، وفعلاً استطاعت حكومة الملالي منع حركة الانترنت الداخلية والخارجية في البلاد تماما خلال حوالي 24 ساعة.من جهة أخرى فإن تباطؤ الانترنت في إيران في الفترة التي سبقت الانقطاع الكامل هو نتيجة لعمل شركات الاتصالات بأوامر من الحكومة، وذلك لتعطيل أساسيات أنظمة الحماية التي وضعتها الشركات نفسها.تتطلب عملية إغلاق الانترنت عن أي دولة الكثير من الاستعدادات، وبحسب تحليل (وايدر) فإن الحديث هنا يكون عن طبقات البرمجيات والأجهزة، بالإضافة الى الأطر التنظيمية، هذا بالإضافة الى انه كلما زاد عدد الشبكات والاتصالات في أي بلد زادت صعوبة قطع الانترنت.وسائل الإعلام الإيرانية:تقع كل وسائل الاعلام الإيرانية، من صحف وقنوات تلفزيونية وإذاعية ووكالات أخبار، تحت سيطرة الحكومة، كما أن الأخبار والمعلومات يتم تزييفها لتتناسب مع رؤية النظام، وتركز على أحداث دون أخرى.واتضح أن عددا كبيرا من الصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت أثناء الاحتجاجات تعود إلى عام 2017، بيد أن بعض المقاطع أخذت من احتجاجات وقعت سابقاً في العراق.‭{‬ استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين:وصل قتلى المظاهرات إلى 1500، كما أفاد عدد من النشطاء الإيرانيين لوسائل الاعلام، وقد أظهرت مقاطع الفيديو التي تم نشرها علنا بعد عودة الانترنت كيف أطلقت قوات الأمن النار على المتظاهرين من مسافة قريبة أو ضربتهم بالهراوات، وقد قامت منظمة العفو الدولية بتحليل العديد من مقاطع الفيديو وتوصلت الى ان قوات الحرس الثوري استخدمت القوة بشكل غير مناسب ضد المتظاهرين.وتظهر بعض اللقطات غير الواضحة أشخاصا ينزفون وهم ملقون على الأرض ويصرخون بفزع بينما يهرع آخرون لمساعدتهم. وتسمع أيضا أصوات حشود تطلق شعارات ضد نظام الملالي وتعبر عن إحباطها بسبب التضخم والبطالة.ونفذت السلطات اعتقالات عشوائية، وقامت باستدعاء للنشطاء المدنيين والحقوقيين والنقابيين في محاولة للحد من توسع الاحتجاجات.وهناك تخوف أممي من أن تقوم السلطات بإعدام الكثير من النشطاء، حيث نفذت إيران 507 حالات عام 2018 متصدرة بذلك القائمة السوداء عالميا في الاعدامات، وإيران لا تزال مستمرة في تنفيذ تلك الأحكام بكثرة غير مكترثة بالإدانات الدولية.‭{‬ حيل وزارة المخابرات الإيرانية في التعامل مع المظاهرات:قامت المخابرات الإيرانية بحيل كثيرة للقضاء على الاحتجاجات، ففور خروجها تم إعلان مؤامرة من العدو، وقامت بدس عناصرها بين المتظاهرين، وبحسب نائب في البرلمان الإيراني فإنه تم اعتقال أكثر من سبعة آلاف شخص، اتهموا بتلقي تدريب على أيدي قوى أجنبية وأعداء لإيران، وروج لصور رموز وطنية مزيفة وهي تتخابر مع المخابرات الأجنبية ليزرع الشك في صفوف المتظاهرين، وتم توجيه التهم الى الولايات المتحدة الأمريكية، وحركة مجاهدي خلق، وقالت الوزارة انها اعتقلت ثمانية (من عملاء وكالة الاستخبارات الأمريكية) أثناء المظاهرات في مناطق متفرقة من دون أن تظهر حتى صورة واحدة أو تأتي بأي دليل، والمعتقلون بحسب علي عشتري رئيس قسم مقاومة التجسس في الوزارة، كانوا يحاولون جمع معلومات عن الاحتجاجات، وإرسالها إلى قوى خارجية!‭{‬ إغلاق الحدود مع العراق:قامت السلطات الإيرانية فور اندلاع الاحتجاجات بإغلاق المنافذ الحدودية مع العراق، وبحسب بيان لهيئة المنافذ الحدودية العراقية، فإنها أغلقت منفذ الشيب الحدودي أمام حركة المسافرين بناء على طلب حكومة الملالي، ونص البيان على:- الإبقاء على حركة التبادل التجاري.- توقف حركة المسافرين مع العراق باتجاه إيران.‭{‬ العراقيون باستطاعتهم الرجوع إلى العراق.- لا يسمح للإيرانيين بدخول العراق.‭{‬ الخلاصة والتوصيات:توصلت من خلال البحث الى أن النظام الإيراني فشل في محاربة الفساد في الداخل وإنهاء البيروقراطية والروتين والفساد المالي والإداري، حيث إن هذه الاحتجاجات ليست هي الأولى من نوعها، فالشعب الإيراني يقوم بثورات تطالب بتنحي الملالي منذ وصولهم إلى الحكم عام 1979، ولعل الحديث هنا يدعونا الى طرح هذا التساؤل: كيف يمكن لنظام أن يستمر وهو لا يحظى بقبول أغلبية الشعب، كذلك محيطه الإقليمي يرفضه، والعالم بأكمله يدينه لعدم صلاحيته ويتهمه بالسعي الى امتلاك قنبلة ذرية؟وفي الوقت نفسه نرى أن الاحتجاجات لم تدعم من الدول المحيطة بإيران ولا حتى الدول الكبرى، وتركوا الشعب الإيراني في مواجهة الآلة القمعية لنظام الملالي.الواقع هو أن النظام الإيراني يتجاهل الأسباب الحقيقية للاحتجاجات، إذ سارع مسؤولوه إلى الحديث عما سمّوه التخريب الموجه من الخارج لتبريرها.أرى انه بالرغم من أن الشعب الإيراني لم ينجح هذه المرة في إسقاط النظام، فإنه سينجح غدا أو بعد غد، كذلك لن يكون لهذا النظام مستقبل أبدا فهو غير صالح للحياة، وستستمر الاحتجاجات حتى يسقط بالرغم من الآلة القمعية الرهيبة التي يمتلكها.وأوصي بإعداد خطة جاهزة من الدول المختلفة مع إيران لمساندة الثوار في حال قامت ثورة اخرى بهذا الحجم.‭{‬ باحث أكاديمي متخصص في الشأن الإيراني

مشاركة :