فوضى في البرلمان التونسي تزيد من عزلة حركة النهضة | الجمعي قاسمي | صحيفة العرب

  • 7/22/2020
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

تونس – تواصلت مظاهر الفوضى داخل البرلمان التونسي، وفي محيطه، وسط مؤشرات على مرحلة جديدة بتوازنات مُغايرة لحسابات حركة النهضة الإسلامية التي تعمقت عزلتها، واتسعت بتزايد متاعب رئيسها راشد الغنوشي في رئاسة البرلمان. وتكشف الصور التي يعكسها هذا المشهد على مستوى البرلمان، وتلك التي بعث بها اجتماع الرئيس قيس سعيد مع راشد الغنوشي، عن أزمة مُتعددة الجوانب أصبحت تُحيط بهذه الحركة المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، جعلتها تبحث عن مخرج يمكّنها من الالتفاف على عزلتها عبر محاولات مستميتة للتضليل والمراوغة. وبدا واضحا أن تلك المُحاولات لا تأخذ بعين الاعتبار حسابات الواقع السياسي المُتغير، وما يلحق بها من توازنات تتداخل فيها الكثير من العوامل السياسية والحزبية، حيث تتالت المشاهد التي تُؤكد فشل وعجز راشد الغنوشي عن إدارة شؤون البرلمان الذي تعطلت أعماله لليوم الثالث على التوالي، إلى جانب إدخال المسار الحكومي في نفق التعطيل. ولم يتردد النائب وليد جلاد في تحميل راشد الغنوشي مسؤولية تردي الأوضاع داخل البرلمان، قائلا في مداخلة له خلال جلسة برلمانية عامة، إن “الوضع الراهن الذي يتسم بالفوضى هو نتيجة عجز وسوء إدارة راشد الغنوشي للبرلمان”، وذلك في الوقت الذي اعتبر فيه نورالدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام للشغل، أن “كل ما يجري في مجلس النواب هو أكبر إشارة إلى سقوط الدولة”. وقال الطبوبي في كلمة له خلال لقاء حول “واقع المساجد بين منابر الاعتدال والكراهية”، إن “ما حدث في مجلس النواب يجعلنا نقول تبا للديمقراطية إذا كانت تؤدي إلى الغوغائية”. وفقد الغنوشي ثقة أطراف كثيرة كانت داعمة له، خاصة من داخل التحالف الحكومي، حيث حمّل التيار الديمقراطي الذي يرأسه محمد عبو رئيس البرلمان مسؤولية الفوضى في البرلمان بسبب ما أسماه “الخرق الممنهج للنظام الداخلي”، وتحويل وجهة البرلمان نحو “صراع غير مسؤول مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة دون مراعاة التحديات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها البلاد”. وجاءت ردود نواب حركة النهضة الإسلامية على هذه الاتهامات بخطاب يتسم في الكثير من جوانبه بتصعيد واضح، عبر التلويح بعبارات خادعة تخللتها تهديدات مباشرة، وأخرى ضمنية للنواب، إلى جانب اتهامات مجانية أطلقها نورالدين البحيري، رئيس الكتلة النيابية للنهضة على رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي تتهمها بـ”التبعية والولاء للأجنبي”. وأثارت تلك الاتهامات التي تتالت بمفردات عكست مدى تردي خطاب حركة النهضة، استهجان مختلف الأوساط السياسية والعديد من المراقبين، منهم اللواء المُتقاعد، أحمد شابير الذي كتب في تدوينة له “أدعو من يحاول تبرير فشله بتآمر دول أجنبية على أمن تونس بتعلة خشيتها من نجاح التجربة التونسية وتأثيرها المحتمل على شعوبها، أدعوه أن يكف عن استبلاه الناس”. وتواصلت الثلاثاء مظاهر الفوضى في البرلمان، حيث تم تسجيل حالات من التشنج العنيف بين نواب الحزب الدستوري الحر برئاسة عبير موسي، وحركة النهضة، نتجت عنها إصابة النائب مجدي بوذينة (الحزب الدستوري الحر) بكسر على مستوى ساقه بعد تدافع مع النائب سيد فرجاني (حركة النهضة) الذي أعلن هو الآخر تعرضه لأضرار على مستوى الكتف. وترافقت هذه الحالة مع احتقان سياسي شمل المسار الحكومي قبل نحو 24 ساعة من غلق باب تقديم الاقتراحات إلى الرئيس قيس سعيد، بخصوص الشخصية الجديدة لتكليفها بتشكيل الحكومة خلفا لإلياس الفخفاخ، حيث كثف مسؤولو حركة النهضة من خطابهم التصعيدي، وذلك على صلة بالأوراق التي يعتقدون أنها فاعلة أو لمصلحتهم، في محاولة قلب موازين القوى. ورغم أنه لا يُعرف إلى غاية الآن الاتجاه الذي سيسلكه الرئيس سعيد في اختياره للشخصية الجديدة التي ستُكلف بتشكيل الحكومة القادمة، فإن مسؤولي حركة النهضة لا يتوقفون عن تحركاتهم في مسعى لدفع بعض الكتل البرلمانية إلى الامتثال لرغباتهم. ويتضح ذلك من خلال السعي إلى تشكيل “جبهة برلمانية” تضم بالأساس كتلة حركة النهضة، وكتلتي ائتلاف الكرامة، وحزب قلب تونس الذي تحول إلى ما يُشبه بيضة القبان التي يُريد كل طرف الحصول عليها، وذلك للضغط على الرئيس سعيد، ودفعه إلى الأخذ بعين الاعتبار التوازنات داخل البرلمان، علَّ حركة النهضة بذلك تُبقي على قدر من النفوذ الذي يُمكّنها من إعادة صياغة علاقاتها مع بقية الأحزاب. بيد أن التجاذبات الحادة التي تعترض مسالك تشكيل الحكومة الناتجة عن مُمارسات حركة النهضة، جعلت زهير المغزاوي، الأمين العام لحركة الشعب، يقول إن “أي حكومة قادمة لن تنجح ما دامت فيها حركة النهضة التي لا تتعامل مع من معها في الحكم كشركاء وإنما تريد أن تتعامل معهم كتابعين لها”.

مشاركة :