قبل أيام فجعت المملكة والأوساط السياسية بوفاة الأمير السياسي والممتلئ ثقافة دبلوماسية سعود الفيصل بن عبدالعزيز، الذي كان مثالا نابضا للحيوية السياسية منذ عقود كان خلالها الشخصية البارزة في الأحداث العربية والإسلامية بل العالمية ذات الصلة بسياسات المملكة؛ حيث كان الصوت الواضح القوي الذي يستمد مواقفه السياسية من خط سياسي واضح لا لبس فيه، ذلك الخط الذي رسمه مؤسس هذا الكيان الكبير الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، ومن بعده ابناؤه الملوك الذين ساروا على نهجه الواضح بعدم التدخل في شؤون الغير والعمل من أجل السلام الدائم الكفيل بحفظ حقوق الوطن والعالم العربي وفي مقدمتها حقوق الشعب الفلسطيني، سارت ولازالت تلك السياسة مع مواكبتها للمتغيرات الزمنية وما يجدّ وما يتوجب ملاحقته بوضوح تام لإحقاق الحق والسلام، وكان وزير الخارجة الشاب النشط منذ توليه المسائل السياسية في المملكة محط أنظار العالم لما يتسم به من دراية وحنكة سياسية تمثلت في كاريزما تلقفتها وتابعتها وسائل الإعلام العالمية، ومراكز الدراسات والبحوث الدبلوماسية في أنحاء العالم لكونه يمثل دولة مركزية لها ثقلها الروحاني والاقتصادي في العالم، ولها تأثيرها في الأحداث التي تتوالى على المنطقة، وكان المتحرك دائما على رأس القائمة سعود الفيصل، وحديثه دائما ما يتسم بالصراحة وصلابة الموقف وعدم التراجع عما هو حق مشروع، ومهما قوبل به من محاولات ومناورات سياسية يكون فيها دائما الصوت المنتصر الواضح إن لم يكن في آنهِ فإنه بعد برهة يكون، وكثيرا ما كانت مثل هذه الوقائع تحصل ثم يشار إلى مصداقية السياسة التي حملت آراءه بعد تدارسها في الأوساط العالمية المعنية بالقضايا الساخنة والتي تعمل من أجل التوجه للسلام، والمساواة، والعدل، فالأمير سعود الفيصل طوال مدة ممارسته عمله الدبلوماسي كان المثال الذي يحتذى به في مواجهة المواقف الصعبة والمتعسرة، وكذلك المتيسرة، حيث يعطي بمكيال واحد للقضية وبما تقتضيه الحاجة من تجسيد وتجسيم للحلول التي تكفل القناعة لدى الأطراف، وقد واجه قضايا خارجية، وعربية وتعامل معها بحنكته المعهودة، واسلوبه المقنع القائم على الأخذ والعطاء دون غمط أو إضاعة لحق مستحق للطرف الذي يعنيه، فكان في رحلاته المكوكية من اقصى الأرض إلى اقصاها لا يقر ولا يستقر، فمن مهمة إلى أخرى متنقلا ينبض حيوة باعثا في من يقابله التفاؤل والأمل في حل القضايا التي يناقشها، والتي جمعته بالآخرين للتحاور فيها ورسم معالمها نحو الطرق السليمة التي يرضاها ومحافظتها على الكيان الذي يمثله، ومقدرة للمواجهة في عملية لها أبعادها ومراميها ومؤثراتها على مسار السياسة العامة الكفيلة بإيضاح مكانة المملكة ومدى تأثيرها في القضايا الإنسانية، وقد مثل سياسة المملكة خير تمثيل، وأوضح مواقفها لدى المنابر العالمية في مجلس الأمن والأمم المتحدة، والمؤتمرات السياسية التي تشارك فيها المملكة بفعالية تامة. لقد كان الدبلوماسي المحنك الواعي المثقف والمستوعب للأحداث في العالم، وكان يعطي بمقدار الموضوع، ويعالج القضايا بقدرة متفهمة وواعية بدراسة الحدث، وقد تمسك به ملوك المملكة وزيرا للخارجية حتى هذا العهد النابض الزاهر، ولكن ملاحقة المرض له واشتداده عليه حتم عليه أن يطلب الإعفاء من منصبه ليستريح ولم يبتعد بل بقي في رأس القائمة الدبلوماسية للبلاد عاملا وفاعلا ومشيرا إلى أن رحل عن دنيانا، وبقيت أعماله مسطرة ومحفوظة في سجل تاريخ الأمم وألبوم الأحداث تشير إلى شخصية هضمت الدبلوماسية بالدراسة والمعايشة الطويلة حتى كونت مدرسة في كيان شامخ سيظل سائراً على النهج السياسي القويم، وفي ذكراه أمير الدبلوماسية الأكاديمي سعود الفيصل خريج مدرسة الفيصل يرحمهما الله.
مشاركة :