شكّل تأجيل دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في طوكيو من العام 2020 إلى السنة المقبلة بسبب تفشي فيروس «كورونا» المستجد، تحديا غير مسبوق للمنظمين وطرح أسئلة بشأن التكاليف، والرعاة والحماية الصحية وغيرها. قبل عام من الموعد الجديد المحدد لانطلاق الدورة 23 يوليو (تموز) 2021، لا تزال العديد من الأسئلة المطروحة من دون أجوبة، بينما تشير استطلاعات الرأي إلى بدء تقبل سكان العاصمة اليابانية رغم قلق العديدين، فكرة استضافة دورة رياضية كبرى في خضم جائحة عالمية. باختصار، الجواب هو «أبسط»، وهي الكلمة التي يرددها المسؤولون الأولمبيون منذ الإعلان عن تأجيل الألعاب في مارس (آذار) الماضي. شرح رئيس اللجنة المنظمة لطوكيو 2020 يوشيرو موري ذلك بأفضل طريقة عندما قال إن الأولمبياد «كان يقام بطريقة فخمة وعظيمة وبهية. ولكن في ظل مواجهة (كوفيد - 19) هل سيتم القبول بألعاب كهذه؟». في وقت يفقد مئات الملايين وظائفهم حول العالم ويشهد الاقتصاد العالمي أزمة لم يعرفها منذ عقود، يجد المسؤولون أنفسهم مضطرين للتخفيف قدر الإمكان من فخامة الدورة. وقال رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الألماني توماس باخ لوكالة الصحافة الفرنسية الشهر الماضي: «نبحث مع شركائنا وأصدقائنا اليابانيين عن طرق لتبسيط تنظيم الألعاب، لكي نرى كيف يمكننا تقليل تعقيداتها وتكلفتها». لكن خطة تحقيق ذلك لا تزال غير واضحة، وسط حديث من اللجنة المحلية المنظمة عن مناقشة 200 إجراء يمكن اتخاذها لخفض التكاليف، لكن دون كشف أي تفاصيل أو أمثلة بهذا الشأن. وبحسب التقارير، تشمل الاقتراحات خفض عدد المشجعين وأعداد المشاركين في حفلي الافتتاح والختام. ووفقا لآخر ميزانية، كان من المقرر أن يتكلف الأولمبياد 12.6 مليار دولار، على أن تتقاسمها اللجنة المنظمة والحكومة اليابانية ومدينة طوكيو. لكن التأجيل فرض تكاليف إضافية كإعادة حجز المنشآت والفنادق والإبقاء على الموظفين لعام إضافي. وأعلنت اللجنة الأولمبية الدولية من جانبها في مايو (أيار) أنها أفرجت عن 800 مليون دولار لمساعدة المنظمين والاتحادات الرياضية لمواجهة «كوفيد - 19» وتغطية التكاليف الإضافية، منها 650 مليون دولار مخصصة للأولمبياد. لم يقدم منظمو طوكيو 2020 (ستحتفظ الدورة باسمها) تقديرا للتكاليف الإضافية المرتبطة بتأجيل الحدث، وأشاروا إلى أنهم بحاجة إلى إنجاز التنظيم قبل الإفصاح عن الأرقام. سيحتاج كل جانب من الألعاب الأولمبية إلى إعادة نظرة ودراسة، بعد سبع سنوات من التحضيرات. وقبل عام من الموعد المقرر للألعاب، أعلنت اللجنة المنظمة أنها ضمنت بنسبة مائة في المائة توفر المنشآت والمواقع المقررة لاستضافة الأولمبياد لصيف 2021، ولم تدخل الكثير من التعديلات على جدول المنافسات. لكن تكلفة إعادة حجز المنشآت لا تزال غير واضحة، بما فيها المبالغ التي تكبدتها لدفع الأموال والتعويضات لمنظمات ومؤسسات أخرى سبق لها أن حجزت هذه المنشآت للعام 2021. معضلة أساسية أخرى تتعلق بالقرية الأولمبية التي سيقيم فيها نحو 11 ألف رياضي خلال الدورة، ومن المقرر أن تتحول إلى مجمع سكني بعدها، وسبق أن تم بيع العديد من شققها، مع موعد تسليم كان مقررا بعد صيف 2020. وبحسب الصحف المحلية، عرضت 940 شقة للبيع منذ صيف 2019 وتم شراء معظمها. ويتعين على شركة التطوير التي شيدت هذا المشروع، إقناع المالكين الجدد بتأجيل انتقالهم للسكن في الشقق التي اشتروها. كما أن التأجيل وعدم اليقين المحيط بالألعاب يثيران قلق الجهات الراعية، التي كانت ستساهم بمبلغ 3.3 مليار دولار، أي نصف إيرادات الأولمبياد. وكشف استطلاع نشرته القناة التلفزيونية العامة اليابانية «إن إتش كاي» أن نحو 65 في المائة من الشركات الراعية للدورة الأولمبية غير واثقة من قدرتها على الوفاء بالتزاماتها، لا سيما أن «كوفيد - 19» انعكس سلبا أيضا على الوضع المالي للعديد من الشركات العالمية الكبرى. وأقر المسؤولون اليابانيون بأن تأجيل الأولمبياد لمرة ثانية سيكون شبه مستحيل، ويجب إلغاء الألعاب في حال عدم التمكن من إقامتها في صيف 2021. وأقر باخ من جهته بتفهمه لوجهة النظر اليابانية بأن عام 2021 سيكون «الخيار الأخير» للألعاب، مؤكدا أن التأجيل لا يمكن أن يستمر. وهي المرة الأولى في التاريخ الحديث للألعاب، يتم تأجيل دورة أولمبية في زمن السلم. حتى أشد المتفائلين يدركون أنه لا يمكن التنبؤ بما سيكون عليه الحال الوبائي عالميا بعد 12 شهرا، وما إذا سيسمح بإقامة الألعاب. ويقول أستاذ الأمراض المعدية في جامعة كوبي اليابانية كنتارو إيواتا: «بصراحة، لا أعتقد أن الأولمبياد سيقام العام المقبل». وتابع: «قد تكون اليابان قادرة على السيطرة على الفيروس مع حلول الصيف المقبل، آمل ذلك، لكن لا أعتقد أن الحال سيكون مماثلا في كل العالم، لذا أنا متشائم جدا». وكانت عمدة مدينة طوكيو يوريكو كويكي قد قالت الشهر الماضي إنها ستبذل جهدا بنسبة 120 في المائة لضمان إقامة الأولمبياد وسلامة الجميع، فيما تعهد المنظمون بحث الإجراءات الصحية «اعتبارا من هذا الخريف». لكن جون كوتس، أحد كبار المسؤولين في اللجنة الأولمبية الدولية والمسؤول عن العمل مع لجنة طوكيو 2020 تحدث بصراحة عن حجم التحدي، وقال: «هل نضع القرية الأولمبية في الحجر الصحي؟ هل سيوضع جميع الرياضيين عندما يصلون في الحجر؟ هل نقيد وجود المشجعين؟ هل نفصل الرياضيين عن المنطقة المختلطة حيث يوجد ممثلو وسائل الإعلام؟» وتابع: «لدينا مشاكل حقيقية لأن لدينا رياضيين سيأتون من 206 دول، سيكون هناك عدد ضخم من الأشخاص».
مشاركة :