دول مجهولة على الخرائط لكنها موجودة على أرض الواقع

  • 7/23/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لأسباب مختلفة ومعقّدة هناك دول غير موجودة بشكل رسمي، بل هي غير موجودة أصلاً على الخرائط الدولية، وغير معترف بها من الأسرة الدولية، لكن لديها حكوماتها وجوازات سفر مواطنيها وحتى عملاتها الخاصة بها في بعض الحالات. ولكن ذلك لم يمنع المؤلف البرازيلي غويلرمي كانيفر من زيارتها والتعرف إليها والاقتراب من مواطنيها، حيث سافر إلى 16 دولة غير معترف بها بين عامي 2009 و2014، وسرد تجاربه في كتابه الأخير «الأمم غير المعترف بها: السفر إلى دول لا وجود لها»، والذي صدر هذا الشهر. وعلى الرغم من أن تصنيف «دولة» يحتاج إلى متطلبات معينة، لكي تنال الاعتراف بموجب القانون الدولي، إلا أن المنطق يقتضي أيضاً ان يكون فيها سكان دائمون، وتقع داخل إقليم محدد ولها ضوابط حدودية، وقدرة على حكم نفسها بشكل مستقل، وإقامة علاقات مع البلدان الأخرى. وعلى الرغم من أن معظم هذه الدول تستوفي هذه الشروط، إلا أن الحصول على اعتراف من الأمم المتحدة يعتمد على دعم من قوى كبرى، تستطيع من خلاله هذه الدول من الحصول على فوائد مثل سهولة الوصول إلى الشبكات الاقتصادية. أما التي لم تنل اعتراف الأمم المتحدة فلا يتم الاعتراف بها رسمياً كدولة، حتى ولو اعترفت بها دول أخرى، ويمكن أن تواجه العديد من الصراعات نتيجة لذلك. أصبح كانيفر مفتوناً بهذه الدول المتنازع عليها بعد زيارته لأرض الصومال، وهي دولة طموحة تقع في القرن الإفريقي سعت إلى الاستقلال عن الصومال منذ عام 1991. معاناة أرض الصومال تحدّث كانيفر لوسائل إعلامية قائلاً: «كنت مسافراً عبر إفريقيا براً في عام 2009، وانتهى بي المطاف في أرض الصومال»، ويسترسل «لقد صُدمت عندما أدركت أنني لا أستطيع استخدام العملة الصومالية هناك، ثم أدركت أن هذه الدولة ذات مؤسسات وقوانين وعملة خاصة بها، ولكن لم تنل الاعتراف من أي دولة أخرى، وشعرت وكأنني في عالم موازٍ». وعلى الرغم من إعلانها الاستقلال من جانب واحد عن الصومال في عام 1991، ظلت أرض الصومالدولة غير موجودة على الخرائط الدولية على الرغم من أنها ذات سيادة. وهذا جعل الوضع الاقتصادي صعباً بالنسبة لها، حيث عانت الكثير من المشكلات على مر السنين. ويشرح كانيفر: «ظلت أرض الصومال تعيش بجهدها الخاص، وتكافح من أجل البقاء من دون حلفاء يساندونها. معدلات البطالة هنا مرتفعة للغاية وكذلك معدلات الأمية»، إلا أن كانيفر يبدي إعجابه بصبر السكان المحليين، ويقول: «تحدثوا إليَّ عن كفاحهم، ويعتمد الكثير منهم على الأموال التي يرسلها لهم ذووهم العاملون في الخارج، ونظراً لعدم الاعتراف بهم (كدولة)، فمن الصعب جداً إجراء تبادلات مع الدول الأخرى. من الصعب تصدير منتجاتهم، لهذا السبب يهاجر بعض المواطنين للخارج لكسب المال»، ويضيف «يعيشون وضعاً صعباً، لكنني أرى أنه يتحسن». ازدهار رغم عدم الاعتراف في السنوات التي أعقبت رحلته إلى أرض الصومال، بدأ كانيفر في البحث عن وجهات أخرى تعيش حالة مماثلة، وحصر خياراته على 10 أقاليم مستقلة تتمتع باعتراف دولي محدود، وست مناطق ذاتية الحكم كانت مستقلة في السابق أو ترغب في أن تكون كذلك. كانت كوسوفو، التي تقع في منطقة البلقان بأوروبا، واحدة من محطاته، فبينما عانت أرض الصومال عدم وجود حلفاء، استفادت كوسوفو من مؤيدين عديدين. ومنذ أن أعلنت استقلالها رسمياً عن صربيا في عام 2008 - وهو قرار عارضته بشدة صربيا، بدعم من روسيا - تم الاعتراف بها كدولة مستقلة من قبل أكثر من 100 دولة، ونالت أيضاً اعتراف اللجنة الأولمبية الدولية، لكن استعصى عليها الحصول على عضوية الأمم المتحدة. وعلى عكس بعض البلدان الأخرى المتنازع عليها، تجتذب كوسوفو عدداً كبيراً من السيّاح، ومعظم الزوار الأجانب يأتون من ألبانيا وتركيا وألمانيا. يقول كانيفر: «تحظى كوسوفو بدعم الكثير من الدول الغنية، والعديد من السياح يأتون إلى هنا». في عام 2018، زاد عدد الزوار الدوليين إلى الدولة المعترف بها جزئياً بنسبة 19٪ مقارنة بالعام السابق، ويضيف: «يمكننا أن نرى أنها تتطور، ولكن هناك الكثير من المشكلات الصغيرة التي لاتزال بحاجة إلى حل قبل أن تصبح مستقلة تماماً». قبرص انقسمت على نفسها خلال رحلته إلى قبرص، التي انقسمت منذ الغزو العسكري التركي في عام 1974، شهد كانيفر بشكل مباشر مستوى الألم الذي تسبب فيه هذا الانفصال المرير. ففي حين تعترف تركيا بالمنطقة التي تضم الجزء الشمالي الشرقي من الجزيرة المسماة بجمهورية شمال قبرص التركية، إلا أن هذه الدولة في نظر بقية العالم هي أراضٍ قبرصية تحتلها تركيا. يقول كانيفر عن رحلته إلى شمال قبرص: «يمكنك أن ترى الفرق بمجرد عبور الحدود»، ويضيف «أقمت مع رجل أخبرني أن والده ولد في تركيا ووالدته قبرصية تركية»، ويقول إن هذا الرجل لم يستطع العبور إلى الجزء الجنوبي من الجزيرة، لأنه يعتبر تركياً وليس قبرصياً تركياً، وكان الأمر صعباً بالنسبة له «يبدو أن الأمر أصبح صعباً للغاية بالنسبة للجيل الأصغر». لا تكترث بالاعتراف الدولي كانت أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، المنطقتان المتنازع عليهما في القوقاز، ضمن المناطق التي زارها كانيفر أيضاً. الأولى، وهي منطقة انفصالية في جورجيا لها علاقات قوية مع روسيا، تركت لديه انطباعاً قوياً بشكل خاص. يقول عن المنطقة التي يحدها أكثر من 200 كيلومتر من ساحل البحر الأسود: «أبخازيا مكان جميل بها الكثير من الأديرة الجميلة، وليس هذا ما تتوقعه من بلد غير معترف به، الكثير من الروس يذهبون إلى هناك خلال فصل الصيف للشواطئ، لديها صناعة سياحية رائجة»، لكنه يقول إن عملية الدخول الى هذه الدولة ذات السيادة المعلنة ذاتياً أبعد ما تكون عن البساطة، «عليك الاتصال بهم أولاً عن طريق البريد الإلكتروني للحصول على تصريح دخول، بعد ذلك يحددون لك يوماً محدداً يمكنك فيه الدخول للحصول على إذن»، ويسترسل «بمجرد دخولك البلاد، عليك الذهاب إلى وزارة الخارجية للحصول على تأشيرة رسمية». ويقول إن أهالي أبخازيا لا يبدون أي اكتراث بالنسبة للاعتراف بهم دولياً، ويوضح: «إنهم قوميون للغاية، وعاطفيون جداً عندما يتحدثون عن بلدهم، ويقولون إنه طالما تقدم لهم روسيا الدعم فليسوا بحاجة لاعتراف أوروبا أو الولايات المتحدة بهم». مكان هادئ في قلب الصراع في جنوب القوقاز تقع ناغورنو كاراباخ - المعروفة أيضاً باسم جمهورية آرتساخ. مثلها مثل العديد من البلدان الأخرى المتنازع عليها، تقع ناغورنو كاراباخ في مركز صراع طويل الأمد بين دولتين، ويدور في الوقت الحالي صراع عليها بين أرمينيا وأذربيجان. يقول كانيفر: «من السهل أن تذهب إلى ستيباناكيرت، عاصمة ناغورنو كاراباخ، من أرمينيا»، ويضيف «إنها مكان هادئ للغاية، مزينة بمربعات جميلة محاطة بالزهور، حيث يجلس الناس هناك ويتناولون المشروبات»، لكن خط النزاع يقع على بعد كيلومترات قليلة من وسط البلدة، وفي بعض الأحيان يحدث تبادل لإطلاق النار، لذلك يسودها الكثير من التوتر. المنطقة موطن لعدد من الكنائس والأديرة الجميلة، مثل دير غاندزاسار، وهناك أيضاً جبال جميلة والعديد من الأماكن التي يمكنك زيارتها بأمان. إلا أن أوسيتيا الجنوبية، وهي منطقة جبلية بين جورجيا وروسيا تعتبر جزءاً رسمياً من الأولى، أقل جذباً للسياح، يقول: «لا يذهب الكثير من الناس إلى هناك». كفاءة على الرغم من عدم الاعتراف زار كانيفر أيضاً ترانسنيستريا، الواقعة بين مولدوفا وأوكرانيا، والتي أعلنت استقلالها في عام 1990، قبل عام من سقوط الاتحاد السوفييتي. ولكن على الرغم من امتلاكها عملتها الخاصة بها وحدودها الواضحة إلا أنها لم تنل اعتراف الأمم المتحدة بعد، ويمكن الوصول الى هذه الدولة عبر مولدوفا، ويقول: «لكي تسافر إلى هناك ينبغي تحويل أموالك إلى الروبل الترانسنيستري»، موضحاً أنه كان في البداية يشك في مدى كفاءة الاجراءات هناك، لكنه اكتشف أن جميع مؤسساتها تعمل بكفاءة عالية، وضيف: «حاولت التحقق من مدى كفاءة المؤسسات، فاشتريت بطاقة بريدية وأرسلتها إلى أسرتي في موطني لمعرفة ما إذا كانت ستصل، وقد وصلت بالفعل». ويقول أيضاً: «من المثير للاهتمام للغاية أن نكتشف أن بعض هذه الدول لديها سيطرة كاملة على أراضيها». الاستقلال وحده لا يحل المشكلات على الرغم من أن جنوب السودان أصبح أحدث دولة معترف بها في العالم عام 2011، إلا أن هناك القليل ما يوحي بأن أياً من هذه الدول الطموحة الأخرى ستحصل على الامتياز نفسه في أي وقت قريب. وفي حين لا يدّعي المؤلف البرازيلي غويلرمي كانيفر بأنه خبير في النزاعات الحدودية، لكنه يقول إن تجاربه وأبحاثه المكثفة التي أجراها خلال تأليفه لهذا الكتاب بينت له أن إقامة حدود ودول جديدة ليست بالضرورة أفضل طريقة لحل مشكلات النزاع على المناطق. ويعتقد أن معظم هذه البلدان بدأت كأقليات عرقية وتواجه مشكلات وتريد أن تكون مستقلة، ولكن بمجرّد حصول هذه الأقليات على استقلالها، تصبح هي الأغلبية، وتبرز أقليات على أراضيها تصبح بحاجة إلى الحماية، لكل ذلك فإن رسم خطوط وحدود جديدة لن يساعد إذا لم تكن هناك ديمقراطية كاملة في مثل هذه المناطق. ودّ حقيقي وفضول خلال تنقّله حول العالم أقام المؤلف البرازيلي غويلرمي كانيفر مع أُسر في المناطق التي زارها، واستفاد من خدمة «الكاوتش سيرفينغ»، وهي عبارة مستحدثة تعني التنقل من منزل إلى آخر، والنوم في أي مكان، سواء كان على الأرض أو على الأريكة، ومن ثم الانتقال إلى منزل أو مكان آخر. وفعل ذلك من أجل التواصل مع السكان المحليين واكتساب فهم أعمق لما يرونه هم من وجهة نظرهم. ويقول: «أحد الأشياء التي أعجبتني كثيراً في السفر إلى هذه البلدان غير المعترف بها هو أن التفاعل مع السكان المحليين أمر مميز للغاية، حيث لا يبدو أنهم يقدمون خدمة للسائح، بل يصبح السائح بالفعل جزءاً من مجتمعهم، ويفتحون له منازلهم ويسمحون له بالمشاركة في الأنشطة الخاصة بهم». ويقول: «إذا كان المكان الذي ذهبت إليه لا يأتيه الكثير من السيّاح، فإنهم في بعض الأحيان يشعرون بالفضول ويريدون معرفة كيف يراهم بقية العالم» على الرغم من أن تصنيف «دولة» يحتاج إلى متطلبات معينة، لكي تنال الاعتراف بموجب القانون الدولي، إلا أن المنطق يقتضي أيضاً ان يكون فيها سكان دائمون، وتقع داخل إقليم محدد ولها ضوابط حدودية، وقدرة على حكم نفسها بشكل مستقل، وإقامة علاقات مع البلدان الأخرى تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App

مشاركة :