كفّوا عن التكلّف والتصنّع والتقليد وعظّموا كلام الله

  • 7/15/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

حض الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس الأئمة على أن تخلو قراءتهم من التكلف والتصنع والتقليد، ناصحا جميع الأئمة بالكف عن المحاكاة والتقليد في كلام رب العالمين فكلام الله أجل وأعظم من أن يجلب له القارئ ما لم يطلب منه شرعا، زائدا على تحسين الصوت حسب وسعه، لا حسب قدرته على التقليد والمحاكاة. وقال في الجزء الثاني من حواره مع «عكاظ» أن سرعة بعض الأئمة المفرطة لا يتأتى معه تدبر القرآن وقد يصل ذلك إلى التحريم إذا كان فيه إخلال باللفظ، لأنه تغيير للقرآن، فإن كانت السرعة ليس فيها إخلال باللفظ بإسقاط بعض الحروف أو إدغام ما لا يصح إدغامه ، فلا بأس بها ، لأن من الناس من يسهل على لسانه لفظ القرآن. وشدد على ضرورة أن يجعل المسلم من مناسبة العيد فرصة طيبة للتصالح مع نفسه والآخرين وخصوصا الأقارب وأخص من ذلك الوالدين، مؤكدا أن العيد فرصةٌ لكلّ مسلمٍ ليتطهَّر من درن الأخطاء، فلا يبقى في قلبِه إلا بياضُ الألفة ونور الإيمان، لتشرق الدنيا من حوله في اقترابٍ من إخوانه ومحبِّيه ومعارفِه .. فإلى التفاصيل: ● إمامتكم المصلين في صلاة التراويح بالمسجد الحرام ، ماذا تعني لكم؟ ●● إن للإمامة منزلة رفيعة، ومرتبة جليلة، يكفي في فضيلتها أن عباد الرحمن يدعون ربهم - جل وعلا – فيقولون (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما، وقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم- للإمام فقال (اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين) وجاء عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة - وذكر منهم -: ورجلا أم قوما وهم به راضون)، فالذي يتأتى على الإمام - وخاصة الراتب - استحضار النية الصالحة، واحتساب الأجر عند توليه إمامة الناس، والصلاة بهم ، ففي حديث عمر موقوفا: «احتسبوا أيها الناس أعمالكم، فإن من احتسب عمله كتب له أجر عمله، وأجر حسبته". وصلاة التراويح في المسجد الحرام الذي تهوي إلية الأفئدة ويقصده المعتمرون لأداء مناسك العمرة وقضاء ليالي رمضان في أداء الصلوات المفروضة وصلاتي التراويح والتهجد وختم القرآن تضيف على الإمام في محراب المسجد الحرام مسؤولية كبرى ومهمة عظمى نسأل الله عز وجل دوام توفيقه وعونه. التوفيق بين المهام ● كيف وفقتم بين مهام مسؤولياتكم وإمامتكم المصلين في شهر رمضان؟ ●● لا يوجد تعارض ولله الحمد بينهما و بعون الله وتوفيقه وتسديده ثم بهمة زملائنا في العمل الإداري والميداني تسير دفة العمل .وفي الرئاسة يسير العمل بشكل مؤسسي منظم من خلال تحديد المسؤولية وتفويض الصلاحيات ،مع الإشراف والتوجيه والمراقبة والمحاسبة، والإمامة في الحرمين الشريفين كذلك. صلاة القيام ● ما التوجيه المناسب لأئمة المساجد وخصوصا في صلاة القيام؟ ●● أن تكون قراءته سمحة لا تكلف فيها ولا تصنع ولا تقليد، وأنصح كل مسلم قارئ لكتاب الله تعالى وبخاصة أئمة المساجد أن يكفوا عن المحاكاة والتقليد في كلام رب العالمين ، فكلام الله أجل ، وأعظم من أن يجلب له القارئ ما لم يطلب منه شرعا ، زائدا على تحسين الصوت حسب وسعه ، لا حسب قدرته على التقليد والمحاكاة. وقد قال الله عز وجل عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم (وما أنا من المتكلفين)وليجتهد العبد في حضور القلب وإصلاح النية، ولا بأس بقراءة الحدر ، وهي إدراج القراءة مع مراعاة أحكامها ، وسرعتها بما يوافق طبع القارئ ويخف عليه. أما السرعة المفرطة ، أو هذ القرآن كهذ الشعر ، فإنه لا يتأتى معه تدبر بحال ، وقد يصل ذلك إلى التحريم إذا كان فيه إخلال باللفظ ، لأنه تغيير للقرآن، فإن كانت السرعة ليس فيها إخلال باللفظ بإسقاط بعض الحروف أو إدغام ما لا يصح إدغامه ، فلا بأس بها ، لأن من الناس من يسهل على لسانه لفظ القرآن ولقد أثنى الله تعالى على أهل الخشوع عند تلاوة كتابه ، فقال تعالى: (ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) فبكاء الخوف والخشية مطلوب بلا تكلف ، وهو لا يكون إلا بعد الخشوع ، والخشوع: هو التذلل ، وهو يكون في القلب أو في البصر أو الصوت، قال النووي البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين. أما ما كان مستدعى متكلفا فهو التباكي ، والمحمود منه ما استجلب لرقة القلب ، وخشية الله تعالى لا لقصد الرياء والسمعة ، وعلامة المحمود في الغالب صلاح القلب، واستقامة الجوارح على الطاعة، وينبغي للإمام مغالبة نفسه بحيث لا يسمع له صوت ، ولا يرى له دمع ، لا أن يفرح بذلك بقصد إظهاره للناس ، ونحن نحسن الظن بالأئمة ، وحسب المسلم الأسوة بالرسول صلى الله عليه فعن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء» البكاء من خشية الله لا شك أنه دليل على خشوع وخضوع، والخشوع لب الصلاة، ودليل على استحضار لهذا العمل العظيم، وما يذكر فيه من أذكار وتلاوة، وما أشبه ذلك، فلا شك أنه كمال. الحفظ والضبط ● وكيف يمكن إتقان الأئمة للحفظ والضبط؟ ●● الطريق إلى حفظه هو أن يواظب الإنسان على حفظه ومراجعته، وألا يتجاوز شيئا حتى يكون قد أتقنه لئلا يبني على غير أساس ، وينبغي أن يستعيد ما حفظه كل يوم، فإذا عرف أنه قد أجاد ما حفظه أخذ درسا جديدا .و لابد من ملازمة القراء المجيدين لأحكام القرآن وتلاوته. ضوابط القنوت ● هل هناك ضوابط معينة في دعاء القنوت في صلاة التراويح؟ ●● المشروع للداعي الإتيان بجوامع الدعاء وعدم الاعتداء فيه، ولذا فينبغي للداعي الحرص على الأدعية القرآنية والنبوية وما يتبع ذلك من جوامع الدعاء والأدعية المأثورة والأصل في الدعاء أن يكون متذللا خاشعا لا تكلف فيه ولا تصنع. العشر الأواخر ● ما أبرز ما يوصى به المسلم فيما تبقى من العشر الأواخر من رمضان؟ ●● بداية، رمضان من أجل المناسبات وأعظمها قدرا وأبعدها أثرا وهو ما تعيشه الأمة الإسلامية في هذا الشهر الكريم لذا فأبرز ما يوصى به المسلم أن يتحسس قلبه فيغسله بالتوبة النصوح وينقيه من كل ما يشغل من حطام الدنيا فيصقل بذلك إيمانه ويحيى مشاعرة الطاهرة ثم يقبل على الطاعات في صفاء وبر ونقاء ورغبه في الخير لنفسه وللمسلمين فيرتشف من شهر الحسنات المضاعفة والرحمة الغامرة. ثم إن المسلمين لمحتاجون لفترات من الراحة والصفاء لتجديد معالم الإيمان، وإصلاح ما فسد من أحوال، وعلاج ما جد من أدواء، وشهر رمضان المبارك هو الفترة الروحية التي تجد فيها هذه الأمة فرصة لاستجلاء تاريخها، وإعادة أمجادها، وإصلاح أوضاعها. إنه محطة لتعبئة القوى الروحية والخلقية التي تحتاج إليها الأمة، بل يتطلع إليها كل فرد في المجتمع، إنه مدرسة لتجديد الإيمان، وتهذيب الأخلاق، وتقوية الأرواح، وإصلاح النفوس، وضبط الغرائز وكبح جماح الشهوات، إنه مضمار يتنافس فيه المتنافسون للوصول إلى قمم الفضائل، ومعالي الشمائل، وبه تتجلى وحدة الأمة الإسلامية. الصيام مدرسة للبذل والجود والبر والصلة، هو حقا معين الأخلاق ورافد الرحمة، ومنهل عذب لأعمال الخير في الأمة، فما أجدر الأمة الإسلامية وهي تستقبل شهرها أن تقوم بدورها وتحاسب نفسها وتراجع حساباتها وتعيد النظر في مواقفها. ما أحوجها إلى استلهام حكم الصيام، والاستفادة من معطياته، والنهل من معين ثمراته ونمير خيراته، ومنهم من لا يرى فيه إلا جوعا لا تتحمله البطون، وعطشا لا تقوى عليه العروق. ومنهم من يرى فيه موسما سنويا للموائد الزاخرة باللذيذ المستطاب من الطعام والشراب، وفرصة سانحة للسمر والسهر واللهو إلى هجيع من الليل، بل إلى بزوغ الفجر، ممتطين صهوة الفضائيات، وما تقذف به شتى القنوات، وما تعج به شبكات المعلومات، يتبع ذلك استغراق في نوم عميق نهارا، فإذا كان من ذوي الأعمال تبرم بعمله، وإذا كان من أصحاب المعاملات ساءت معاملاته وضاق صدره وإذا كان موظفا ثقل عليه الالتزام بأداء مسؤولياته، وقل إنتاجه وعطاؤه، وغالب هذا الصنف هم من يملأ الأسواق هذه الأيام تبضعا وتخزينا للمواد الغذائية المتنوعة. وإن الواجب علينا شكر نعمة الله على ما نعيشه من أمن وأمان، وأن نقدم لإخواننا المسلمين المضطهدين في دينهم في كل مكان، ما نستطيعه من دعاء وبذل وعطاء لا سيما من ذوي المال واليسار، والغنى والاقتدار، في تلمس احتياجات إخوانهم الذين تربطهم بهم عقيدة الإسلام، كيف لا وقد حل فينا شهر الخير والبركة، وهو شهر الجود والبذل والعطاء، فلنتحسس إخواننا المحتاجين من قريب وبعيد، فنمد لهم يد العون والمساعدة، وهذا من واجب الأخوة الإسلامية. تهذيب النفس ● وكيف يهذب المسلم نفسه في هذه الأيام بما ينعكس على ما بعدها؟ ●● يجب أن نعيش هذه المواسم الفاضلة بالحمد والشكر لله جل وعلا، والفرح والاغتباط بها، (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون )، فينيب المسلم إلى الله ويتوب من جميع الذنوب والمعاصي، كما يجب الخروج من المظالم، وأداء الحقوق إلى أصحابها، وفتح باب المحاسبة الجادة للنفوس، والمراجعة الدقيقة للمواقف، والعمل على الاستفادة من أيامه ولياليه صلاحا وإصلاحا، بهذا الشعور والإحساس يتحقق الأمل المنشود، وتسعد الأفراد والمجتمعات بإذن الله. بعض الناس يرى دخول هذه المواسم بالنسبة له تقليدا موروثا وأعمالا صورية محدودة الأثر ضعيفة العطاء، بل لعل بعضهم أن يزداد سوءا وانحرافا والعياذ بالله، فذلك انهزام نفسي، وعبث شيطاني، له عواقبه الوخيمة على الفرد والمجتمع، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري و مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). عيد الفطر ● ما هي قراءتكم لمناسبة عيد الفطر المبارك، وأثرها على المسلمين، وماذا ينبغي على كل مسلم فيه؟ ●● لاشك أن أثرها كبير جدا، ففي العيد تتصافى القلوب، وتتصافَح الأيدي، ويتبادَل الجميعُ التهانيَ. وإذا كان في القلوب رواسبُ خصامٍ أو أحقاد فإنها في العيد تُسلُّ فتزول، وإن كان في الوجوه العبوسُ فإنَّ العيدَ يدخل البهجةَ إلى الأرواح والبسمةَ إلى الوجوه والشِّفاه، كأنَّما العيد فرصةٌ لكلّ مسلمٍ ليتطهَّر من درن الأخطاء، فلا يبقى في قلبِه إلا بياضُ الألفة ونور الإيمان، لتشرق الدنيا من حوله في اقترابٍ من إخوانه ومحبِّيه ومعارفِه وأقاربِه وجيرانه. إذَا التقى المسلمان في يوم العيد وقد باعدت بينهما الخلافاتُ أو قعدت بهما الحزازات فأعظمُهما أجرًا البادئ أخاه بالسلام. في هذا اليوم ينبغي أن ينسلخَ كلّ إنسان عن كبريائه، وينسلخَ عن تفاخرِه وتباهيه، بحيث لا يفكّر بأنّه أغنى أو أثرى أو أفضل من الآخرين، وبحيث لا يتخيّل الغنيّ مهما كثُر مالُه أنّه أفضلُ من الفقير. الخصومات والعيد ● هناك خصومات للأسف في بعض البيوت، كيف يمكن أن يستغل العيد كفرصة لتآلف القلوب وإنهاء الخصومات؟ ●● إن من أعظم التشاحن والتدابر أن يعق الولد أو البنت والديه أو أحدهما، فذلك ذنب عظيم لعن الله فاعله في القرآن: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم)، وأي رحم أقرب من الوالدين؟ فأقول لكل عاق وعاقة، اعلما أن رضاء الله في رضاء الوالدين، قرن طاعتهما بعبادته، فالحذر الحذر من العقوق، وإن من العقوق رفع الصوت عليهما وإحداد النظر اليهما والتأخر عن قضاء حوائجهما حتى يتضجرا. ولكل من عق والديه، سارع الآن باسترضائهما، واطلب التحلل منهما، وقبل رأسيهما صباح مساء، وأكثر من الدعاء لهما، وسترى من الله ما تقر به عينك وينشرح به صدرك. إسعاد الفقراء ● وماذا ينبغي علينا تجاه الفقراء في هذه المناسبة السعيدة؟ ●● أقول للجميع، لا تنسوا فقراءكم فهم إخوانكم، أدخلوا البهجة والسرور عليهم، وآتوهم من مال الله الذي آتاكم، فإدخال السرور عليهم قربة من القربات، ادعوهم إلى ولائمكم، فخير طعام الولائم وليمة يدعى إليها الفقراء، وشر الولائم وليمة يمنع منها الفقراء، أعينوهم بما أنعم الله عليكم، فكثير من الكماليات عندنا هي من الضروريات عندهم، فكم من فقير يكتم حاجته بسبب جلباب الحياء والعفة، وكم من فقير غلبت فاقته صمته فأظهرها من طرف خفي، فمعونة الفقراء من أسباب الرزق والنصر. وكذلك فهي رسالة إلى الجميع بخصوص المرضى، أقول لهم: لا تنسوا مرضاكم، أشركوهم في عيدكم، واجعلوا لهم حظا من زياراتكم، ففرحة العيد ليست موقوفة على الأصحاء، بل للمرضى فيها نصيب، زوروهم واتصلوا بهم، وهنئوهم بالعيد وأوصوهم بالاحتساب والصبر، فهم بحاجة ماسة إلى ذلك، واحمدوا الله الذي عافاكم مما ابتلاهم به.

مشاركة :