أنقرة/بغداد (رويترز) - تنقل تركيا صراعها المستمر منذ عقود مع المسلحين الأكراد إلى حدود أبعد في عمق الأراضي العراقية في الشمال، وتقيم قواعد عسكرية وتنشر طائرات مسيرة مدججة بالسلاح ضد المقاتلين المتحصنين بمعاقلهم في الجبال. تجتذب حملة أنقرة العابرة للحدود قدرا أقل من الاهتمام مقارنة بتوغلاتها في سوريا المجاورة. ويرجع السبب في ذلك جزئيا إلى أن القوات التركية موجودة أصلا في العراق منذ فترة طويلة، لكن ذلك الوجود جزء من استراتيجية هدفها دفع خطوط القتال لما وراء الحدود بعد سنوات من الصراع وإراقة الدماء في الداخل. وتحارب تركيا تمردا يشنه حزب العمال الكردستاني في جنوبها الشرقي الذي يغلب عليه الأكراد وقٌتل فيه 40 ألف شخص منذ الثمانينيات وكان يٌدار إلى حد كبير من داخل العراق. وبعد انهيار جهود السلام في 2015، اندلع القتال الشرس مجددا في تركيا. ومنذ ذلك الحين، تسعى حكومة الرئيس طيب أردوغان إلى معالجة ما تقول إنها جذور الأزمة. وقال مسؤول تركي لرويترز إن ”النهج الجديد يهدف إلى تدمير التهديد من المكان الذي ينطلق منه“. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه إن هجوما بريا بدأ في 17 يونيو حزيران أطلق عليه اسم ”عملية مخلب النمر“ شهد تقدم القوات التركية لمسافة 40 كيلومترا داخل العراق وإقامة أكثر من 30 قاعدة مؤقتة. ويهدف الهجوم لحرمان مقاتلي حزب العمال الكردستاني من أي ملاذ آمن قرب الحدود، وقطع خطوط الإمداد التي تغذيهم بين العراق وسوريا، وتهيئة الأجواء لهجوم محتمل على معقل حزب العمال الكردستاني الرئيسي حول جبال قنديل، داخل العراق على الحدود الإيرانية. ومن الصعب التحقق من المزاعم التركية المتكررة حول تحقيق مكاسب عسكرية في صراع يدور بعيدا عن الأضواء، لكن محللين ومسؤولا كرديا عراقيا يقولون إن الهجمات الجوية والبرية تتجاوز في مداها العمليات المعتادة التي تقوم بها أنقرة. واستدعت بغداد السفير التركي الشهر الماضي لتقديم شكوى رسمية لكن سلطة الحكومة المركزية محدودة في المنطقة شبه المستقلة، فيما تلزم حكومة إقليم كردستان بشمال العراق الحذر خشية استعداء تركيا صاحبة ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي. وقال مسؤول في حكومة إقليم كردستان إن ”بغداد تتحلى بالهدوء الشديد ونحن مضطرون لأن نكون هادئين للغاية، وإلا فسنخاطر بالتصعيد مع تركيا“. *قوة الطائرات المسيرة وتأتي العملية العراقية بعد أن شنت تركيا ثلاث عمليات توغل في شمال سوريا في ثلاث سنوات لإبعاد مقاتلي حزب العمال الكردستاني والدولة الإسلامية من حدودها، ثم نشرت قوات لها في محافظة إدلب لوقف هجوم الحكومة السورية المدعوم من روسيا ضد المعارضة السورية المسلحة. كما استعرضت تركيا قوتها في شرق البحر المتوسط، وحولت مسار الصراع في ليبيا عبر المساعدة في صد هجوم على طرابلس، وأقامت قواعد عسكرية في الخليج والقرن الأفريقي. وأثارت التدخلات التركية في عهد أردوغان قلق الخصمين الإقليميين مصر والإمارات، وأشعلت اتهامات المعارضة في الداخل بأنها تسعى لصرف الاهتمام عن أزمة اقتصادية ونكسات سياسية بعد 17 عاما في السلطة. ولعبت الطائرات المسيرة المدججة بالسلاح التي يتم تصنيعها محليا دروا كبيرا في تعزيز القدرات العسكرية التي تستعرضها تركيا. وجعل ذلك تركيا قادرة في العراق على مهاجمة المسلحين في مناطق كان يستعصي عليها الوصول إليها في السابق. وقالت مجموعة الأزمات الدولية إن عدد القتلى في صفوف حزب العمال الكردستاني في العراق زاد في العام الماضي، مع زيادة أعداد المقاتلين المخضرمين الذين لاقوا حتفهم في ضربات محددة الأهداف. وقال محلل الشؤون التركية في مجموعة الأزمات الدولية بيركاي مانديراكي ”يبدو أن استخدام تكنولوجيا الطائرات المسيرة غير موازين القوى على الأرض بشكل كبير، وسمح للقوات التركية بملاحقة المسلحين في المناطق التي كان من الصعب اختراقها في السابق“. وتقول المجموعة إن 5000 شخص قتلوا في الصراع على النطاق الأوسع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني منذ انهيار وقف إطلاق النار في عام 2015، عشرة في المئة منهم في شمال العراق. وحتى هذه اللحظة من هذا العام، قفز نصيب العراق من قتلى حزب العمال الكردستاني إلى 70 في المئة. ويقول مسؤولون أتراك إن أحدث جولة من القتال تستهدف بضع مناطق حدودية بينها حفتانين ومتينا بالقرب من سوريا غربا، ومناطق أقرب إلى إيران بما في ذلك أفاسين وهاكورك، وهي نقطة انطلاق محتملة إلى قنديل جنوبا. وقال مسؤول تركي ثان إن ”عملية العراق هدفها تأمين حدود تركيا، ومنع عبور (مقاتلي حزب العمال الكردستاني) إلى سوريا، والتسلل من هناك إلى تركيا.. في الوقت المناسب سيجري تقييم (لاستهداف) قنديل“. وبشكل أساسي قد يكون التقدم المحرز على الأرض هو الذي يقود تركيا ويوجهها بشكل لا يرقى إليه أي رد من بغداد. وتعاني الحكومة العراقية تحت وطأة التناحر السياسي والأزمة الاقتصادية واحتمال اندلاع مزيد من الاضطرابات الشعبية، وكانت علاقاتها مع الأكراد في غالب الأحوال مشحونة بالتوترات، خاصة بعد أن منعت قواتها محاولة كردية للاستقلال في عام 2017. وقال بلال وهاب من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ”من المنظور الخاص لبغداد... التوغل (التركي) موجه إلى حكومة إقليم كردستان، ولا ضير في ذلك“. وأضاف وهاب ”في نهاية المطاف تتطلب هذه الأمور (إبداء) قدر من الاحترام لسيادة العراق ووجود نوع ما من السلطة.. في كلتا الحالتين، أصبح العراق ضعيفا لدرجة أنه بات من الصعب عليه مطالبة أحد بإبداء مثل هذا الاحترام“.
مشاركة :