حرب الجيش المصري ممتدة من سيناء شرقا إلى ليبيا غربا | محمد أبوالفضل | صحيفة العرب

  • 7/23/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

عقد رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي الأربعاء اجتماعا مهمّا في مدينة العلمين الجديدة، الواقعة شمال غرب مصر، بحضور جميع الوزراء، أكد فيه أن الحكومة تقدم كافة صور الدعم والمساندة للقوات المسلحة في مواجهة التكفيريين والعناصر الإرهابية، واعترف أن بلاده لم يسبق أن واجهت هذا الحجم من التحديات على مدار تاريخها وعلى جبهات مختلفة، مشددا على أن الدولة قادرة على التصدي لجميع الصعاب خاصة الأمنية في ظل مساعي الجماعات الإرهابية استغلال انشغال القاهرة بالملف الليبي لإرباكها داخليا. القاهرة- أفشل الجيش المصري واحدة من العمليات الإرهابية الكبيرة في منطقة بئر العبد بسيناء الثلاثاء، كانت تستهدف إظهاره في شكل غير القادر على مواجهة المتطرفين في الداخل، فكيف يستطيع مواجهتهم في ليبيا؟ وجاء إحباط العملية عقب يوم واحد من تفويض البرلمان المصري للجيش بالتدخل في ليبيا، وإرسال عناصر منه لمطاردة المرتزقة والإرهابيين المنضمين للقتال مع حكومة الوفاق في طرابلس ووضع حد للتدخل التركي الذي يمثل تهديدا قويا للأمن القومي المصري. وأعلن الجيش المصري أنّه قتل 18 مسلّحا إسلاميا في عملية جوية وبرية في منطقة بئر العبد في شمال سيناء ضمن معركته المستمرة مع إرهابيين يختبئون هناك، ويريدون هز أركان الدولة ومنع استقرارها، واستشهد في العملية جنديان مصريان وجرح أربعة آخرون، وتم تدمير أربع عربات بينها ثلاث مفخّخة تابعة للإرهابيين. استبق الإعلام الإخواني الموالي للإرهابيين في كل من تركيا وقطر بث صور وتقارير مفبركة تشير إلى تدمير وحدة عسكرية مصرية، وحاول الإيحاء بأن الجيش تكبد أمام العناصر التكفيرية خسائر باهظة، وأن العملية نجحت في كسر “غرور” المؤسسة التي تتفاخر بجاهزية أفرادها معداتها، بغرض تخفيض سقف التوقعات التي راهنت على قدرتها مواجهة المرتزقة في ليبيا، وخفض الروح المعنوية بين صفوف الجيش وثنيه عن التدخل في ليبيا من خلال تسخين جبهة سيناء. تسخين هنا وتبريد هناك لدى العناصر المتطرفة تصورات تقوم على أن تخفيف الضغط على سيناء يسمح بتسخين الجبهة الغربية مع ليبيا بسهولة، وعندما تتجه الأنظار نحو الثانية (ليبيا) يجب تسخين الأولى (سيناء)، وهكذا، يتجاهل هذا المنطق أن الجيش المصري وضع خططا للحرب على أكثر من الجبهة، فلم تحل العمليات الإرهابية المتتالية في سيناء دون مطاردة التكفيريين في درنة وضرب معاقل رئيسية لهم في عمق الأراضي الليبية. ومع أن عملية بئر العبد كانت كبيرة والغرض منها جذب التركيز مرة أخرى على سيناء عقب هدوئها نسبيا، غير أن تفشيلها أكد أن ما يدور في الشرق على علاقة وثيقة بما يجري في الغرب، وأسهم في دعم التصورات المصرية التي تشدد على خطورة تداعيات تمركز المرتزقة والإرهابيين في ليبيا على الأمن الإقليمي. وكشفت العملية أن من يتحكمون في ترمومتر الإرهاب في كل من سيناء وليبيا يقبعون في محور واحد، يرعى المتطرفين ويقدم لهم دعما سخيا، ويسعى بكل الطرق لمنع الجيش المصري من التدخل في ليبيا، ويضع المطبات في طريقه. ويعد تقليل هذا المحور من تفويض الجيش المصري بالتدخل في ليبيا من الملامح الرئيسية للخطاب الذي تتبناه عناصره، وتستخدم كل المفردات لثنيه عن القيام بهذه الخطوة التي تضع تركيا في زاوية حرجة. ولم تتمخض الاتفاقيات الأمنية التي أبرمتها أنقرة مع حكومة الوفاق في طرابلس سوى عن إرسال مرتزقة وخبراء ومعدات عسكرية متطورة، وفي حالة التدخل المصري سيفرض عليها تغيير حساباتها، وربما التدخل مباشرة أو التسليم بعدم استكمال مهمتها، لذلك من المفيد أن تعيد تركيا التي اعترف رئيسها رجب طيب أردوغان منذ حوالي عامين بأن هناك عناصر من المتطرفين السوريين توجهوا إلى سيناء. وربط هؤلاء بما قام بشحنهم مؤخرا إلى ليبيا يبيّن طبيعة العلاقة بين الجبهتين. ويقول خبراء عسكريون إن الأجهزة الأمنية المصرية اكتسبت خبرة كبيرة الفترة الماضية في التعامل مع الإرهابيين على كل الجبهات، وسد الكثير من المنافذ التي يتسربون منها، لكن تظل الإشكالية الرئيسية في تعمدهم التمركز وسط مناطق سكنية في سيناء، وهو ما يقلل من خشونة التعامل معهم، حرصا على حياة المواطنين. ويضيف هؤلاء لـ”العرب” أن الخارطة باتت أكثر وضوحا من ذي قبل بعد إدخال الكثير من العناصر التقنية في الحرب على الإرهاب، ومراقبة الجيوب التي تتخفى فيها عناصره المختلفة، وهو ما ساعد على إحباط عمليات متعددة مؤخرا لم يتم الإعلان عنها، وتم الحصول على معلومات مفيدة ممن جرى إلقاء القبض عليهم. تقتنع الأجهزة الأمنية في مصر أن ليبيا هي المورد الرئيسي للإرهابيين في مصر، فبعد هدوء الجبهة الجنوبية منذ سقوط نظام عمر البشير في السودان، وغلق الأنفاق الواصلة بين غزة وسيناء بإحكام وعقد تفاهمات أمنية مع حماس التي تتحكم في غزة، أصبحت الجبهة الغربية الواقعة بين مصر وليبيا هي مصدر دخول العناصر الإرهابية والمعدات العسكرية التي يتزودون بها، ومن المهم غلقها سريعا. تخلص الجيش المصري من غالبية العناصر الإرهابية في سيناء خلال الأشهر الماضية، ومنذ انطلاق العملية الشاملة سيناء 2018، باتت العمليات الإرهابية محدودة، ولم تصل إلى العمق المصري، ما عزز التقديرات بتجفيف منابع البؤر الأساسية هناك، ويتبقى غلق الفجوات التي تتسرب منها بعض العناصر، وهو ما جعل اهتمام الأجهزة الأمنية يتجه نحو المنطقة الغربية المحاذية لليبيا، وتدشين العملية حسم 2020، في إشارة أخرى إلى الربط بين ليبيا وسيناء 2018. وتمكنت القاهرة من نشر الكثير من قوات الجيش على طول الجبهة مع ليبيا، والتي تبلغ نحو 1200 كيلومتر، لكن يمكن أن تتسرب عناصر إرهابية من وقت لآخر، خاصة إذا زاد عدد الإرهابيين في ليبيا، وحاولوا التمدد نحو الشرق الليبي. ورسم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خط سرت – الجفرة في 20 يونيو الماضي كنقطة حمراء من يتجاوزها سيتعرض حتما للقصف مباشرة، وبصورة لا تمكنه من الزحف على الشرق أو العودة إلى الغرب مرة أخرى، كدليل على قوة النيران التي ستقابل بها الأرتال التي قد تتجرأ على خرق هذا الخط، والتأكيد على الأهمية التي يمثلها هذا المحور للأمن القومي المصري الذي أصبح مرتبطا بما يجري في ليبيا. وتخشى تركيا تشجيع القوات التابعة لحكومة الوفاق على خرق الخط الأحمر في هذه الأجواء خوفا من خسارة الجلد والسقط، وتنتظر حدوث متغيرات على أي من الجبهات الاستراتيجية المصرية الأخرى، في الشرق أو الجنوب، كي تسمح للمرتزقة بالتقدم نحو منطقة الهلال النفطي بعد السيطرة على سرت والجفرة، ولذلك تعد أنقرة من أكبر المستفيدين من تصاعد حدة التوترات في سيناء ومع إثيوبيا بشأن سد النهضة. لدى العناصر المتطرفة تصورات تقوم على أن تخفيف الضغط على سيناء يسمح بتسخين الجبهة الغربية مع ليبيا بسهولة وتتحرك مصر على جبهات متباينة تواجه تحديات عظمى عليها، بشكل متوازن، وتدير الصراعات بطريقة لا تسمح بطغيان إحداها على الأخرى، ويفسر الإجهاز السريع على من أرادوا تنفيذ عملية بئر العبد رسالة قوية بهذا المعنى. كما أن التأكد من فشل نتائج اجتماعات سد النهضة لم يغير من تكتيكات المفاوضات المصرية، بحيث يضطر إلى التصعيد مع إثيوبيا، وحتى لو لجأ إلى هذا الخيار، فمن الصعوبة أن يلجأ لتبريد الجبهة الغربية. ويمثل احتواء هذه الجبهة باسترداد عملية التسوية السياسية عافيتها أو بالقضاء على العناصر الإرهابية هدفا مركزيا في التوجهات المصرية، لأنها مرتبطة بسيناء من ناحية، وتمنح القاهرة فرصة لمزيد من التفرغ للتعامل مع إثيوبيا من ناحية أخرى، لأن السخونة التي تعتري كل الجبهات تضاعف من صعوبة الانتصار فيها جميعا في وقت واحد. وهذا لا يعني العجز عن التصرف، فلكل جبهة إدارة مسؤولة عنها، وما تتطلبه من ضباط وجنود ومعدات، وفي النهاية تصب في بوتقة القيادة المركزية للجيش التي جعلت أذرعه تمتد من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، في معادلة تأبى حدوث خلل في جبهة يفضي إلى حدوث خلل في الجبهات الأخرى.

مشاركة :