عزيزي القارئ ما زال الحديث مع شيخي رحمه الله تعالى عن أسرار مملكة الإنسان في الجسد، وهي العقل والقلب والنفس والروح، وكيف تلتقي هذه الرباعية في وحدة واحدة حتى يصح توحيد العبد لله تعالى ويرتقي العبد من إيمان الإعتقاد إلى إيمان الشهود.وكنا قد توقفنا في اللقاء السابق عند الحديث عن النفس، ونستكمل حديث الشيخ، قال: أما عن النفس البشرية فهي جوهر ذات الإنسان وهي أعلى مظهر في عالم الخلق وهي الجامعة لكل الأضداد والقابلة للسمو والارتقاء فوق الملائكة إذا تزكت واهتدت واستنارت على أثر الإستقامة على منهج الله تعالى وهدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وخالف هواها، وفي نفس الوقت قابلة للانحطاط والتدني عن درجة البهائم، يقول سبحانه: (كالأنعام بل هم أضل سبيلا.). وذكرنا من قبل أن للنفس البشرية عللا وأمراضا باطنة أي مبطونة فيها، منها الأنانية والكبر والعظمة والغرور والتعالي والرياء والطمع والحرص والحقد والحسد والجشع والبخل والشح والعجب وحب الجاه والسلطة والنفوذ والشهرة وحب المدح والثناء وغيرها الكثير لا يعلمها الكثير من الناس، وللشفاء منها لابد من وجود طبيب حاذق ناصح صادق خبير بعلل النفس عليم بالأدوية صاحب حكمة ونور بصيرة وهو الشيخ المربي الكامل.وهو الذي أشار إليه سبحانه بقوله: (الرحمن فأسأل به خبيرا)، وقوله تعالى: (ولا ينبئك مثل خبير)، هذا وعندما تطيب النفس وتتزكي تلحق بركب القلب والعقل فيكن العبد صاحب عقل مستنير رشيد خالٍ من الأهواء، وقلب سليم خالٍ من العلائق والأغيار، ونفس زكية مزكاة تخلت عن النقائص والرزائل والأهواء والشهوات، هنا يلتقى نور القلب بنور العقل ونور النفس. هذا وأما عن الروح فهي نفخة الرحمن في جسد الإنسان وفيها سر الله وبها يحيا الإنسان وبها تكمن قيمته، وليس للروح أي عليقة بعالم المادة والأرض ولا يقع عليها أي حكم من أحكام الزمان والمكان وليس لها أي حظوظ سوى التعلق بالله تعالى نافخها ومانحها سبحانه وأصل مصدرها.هذا وعندما يلتقي القلب بعد التصفية والنفس بعد التزكية والعقل بعد استنارته تقبل عليهم الروح وتشرق بأنوارها وتقود الركب إلى حضرة بارئها سبحانه وتصبح هذه الرباعية وحدة واحدة متحققة بحقيقة التوحيد هنا ينطق اللسان بكلمة التوحيد من مناط الشهود وليس من مناط الاعتقاد في وجود الله تعالى الغيبي.ولا يصل إلى هذا المقام وهو مقام شهود الوحدانية إلا السادة الأنبياء والأولياء والأصفياء الأتقياء والأنقياء من أهل محبة الله تعالى الذين وصفهم الله عز وجل في قرآنه بالرجال وبأهل الصدق وأصحاب الهمم العالية في الإقبال عليه تعالى وأهل الاستقامة والطاعة والذكر والاتباع والمحبة والإخلاص وأهل الخوف والرجاء في مواطن كثيرة منها قوله: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)، وقوله تعالى: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار)، ويقول سبحانه: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كل بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون)، ويقول سبحانه: (يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون).هذا وقد خصهم الله تعالى بالفضل والخصوصية في العطاء، حيث يقول تعالى: (فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)، هنا توجهت إلى شيخي وسألته، هناك من يعترض على منهج التصوف وسلوك طريق الله تعالى، فماذا عن التصوف وما هو سر الإنكار وماذا عن الطريق إلى الله وكيفية سلوكه ومن أين يبدأ المريد السلوك، هذا ما سوف نتحدث عنه في اللقاءات القادمة بمشيئة الله تعالى، رحم الله شيخي فقد كان بحرا زاخرا بالعلوم والمعارف، ونفعنا الله تعالى بعلمه.
مشاركة :