مع استمرار جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» في زعزعة استقرار الحياة والأعمال التجارية والاقتصادات في جميع أنحاء العالم، أثرت تبعات تلك الصدمة المدمرة بشكل كبير على الصحة النفسية لمجتمعات بأكملها في الوقت الذي يعاني فيه الناس من الخوف والاكتئاب والقلق والعزلة.ففي شهر مايو، حذرت الأمم المتحدة من أن الجائحة «تحمل في طياتها بذور أزمة صحية نفسية كبرى»، مشددةً على أن العزلة والخوف والاضطرابات الاقتصادية المحيطة بالوباء قد تؤدي إلى إحداث اضطرابات نفسية كبيرة.وقد حظيت الطواقم الطبية من الممرضين والممرضات والأطباء وغيرهم من العاملين في الخط الأمامي بإشادة كبيرة نظير تفانيهم في عملهم خلال الأزمة، ولكن من خلف الكواليس، يسعى اختصاصيو الصحة النفسية والمتطوعون أيضًا إلى ضمان حصول الأفراد الذين يعانون من خسائر عاطفية ناجمة عن التغيرات غير المسبوقة التي تطرأ على حياتهم اليومية، وفقدانهم الوظائف، والضغوط المالية، والانعزال عن أحبائهم الذين يلجأون إليهم في تلك الظروف للمساعدة المرجوة.يقدم خبراء الصحة النفسية شريان حياة حيويا لمن هم بحاجة إلى المساعدة من خلال توفير الرعاية الصحية عن بُعد، وكذلك تقديم المشورة عبر الإنترنت.وفي الإمارات العربية المتحدة، تطوّع خبراء علم النفس الاجتماعي بخدماتهم، ويرجع الفضل في ذلك إلى مبادرة اتخذها البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة في الإمارات العربية المتحدة، استهدفت الربط بين خبراء الصحة النفسية والأفراد الذين يعانون من الوحدة وغيرها من مشاكل الصحة النفسية خلال الجائحة.وكان من بين هؤلاء المتطوعين، ماري بيرن وهي مستشارة مهنية أيرلندية تعمل في دبي.«لأن الخوف والقلق والضغط – أو أي نوع من الإجهاد– يعتبر حقًا واحدًا من أكبر الآثار السلبية على جهاز المناعة لدينا، فمن الحيوي والضروري أن نساعد الأفراد على البقاء بصحة نفسية جيدة لحمايتهم من الفيروس». تقول ماري بيرن: «إن ما قدمه البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة كان مصدر إلهام لي، ويتمثل ذلك في مساعدته لهؤلاء الأفراد وتحسين مناعتهم وجودة حياتهم».أجرت ماري بيرن، التي تقدم الدعم عبر الإنترنت على موقع mariewellnessclinic.com، حلقات دراسية شبكية حول السلوك المعرفي لصالح البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة، حيث قامت بتدريس «استراتيجيات التأقلم» التي يمكن للأفراد ممارستها بأنفسهم إذا شعروا بموجات من القلق والإعياء النفسي.«يشعر الكثيرون الآن بالحزن لفقدان ما كانوا يخططون له مستقبلاً، وهذا أشبه بالحزن الشديد على نمط الحياة التي عاشوها. ومن المهم أن ننقل إليهم رسالة مفادها بأنهم غير مسؤولين عن هذا الوباء أو عن التغيرات التي طرأت على حياتهم، بل إنهم بحاجة فقط إلى وضع استراتيجيات للتأقلم مع هذا الوباء. وعندما يستطيع هؤلاء الأفراد التواصل والاتصال بغيرهم ممن هم في نفس الوضع، فإن هذا من شأنه أيضًا أن يقلل من شعورهم بالعزلة».تقول ماري بيرن: يتمثل «الجانب الإيجابي» لفيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» في تشجيع المزيد من الأفراد على التحدث علنًا عن الصحة النفسية. وفي هذا الشهر، خصص البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة خطًا ساخنًا وطنيًا في الإمارات العربية المتحدة لدعم الصحة النفسية للأشخاص المعرضين للخطر أثناء تفشي فيروس كورونا.ويمكن للأفراد المحتاجين الاتصال بخط الدعم المجاني، 800-4673 (أمل)، أو التواصل عبر تطبيق «واتساب» للتحدث مباشرةً مع المتخصصين.تنظيم حملات من أجل التغييركما نظم كريس هايل، وهو أب بريطاني يبلغ من العمر 53 عامًا ومقيم في دبي، حملة لتقديم خدمات دعم الصحة النفسية لمن يعانون من أزمات. ونظرًا الى معاناته من مشاكل الصحة النفسية والاكتئاب لما يقرب من 40 عامًا، حاول هايل الانتحار في الثاني من شهر يناير لولا تدخُل الشرطة.وبعد قضائه فترة وجيزة في المستشفى وتقديم الإرشاد النفسي له، سعى هايل إلى مساعدة الأفراد الذين يعانون من مشاعر القلق والاكتئاب في الحصول على المساعدة التي يحتاجون إليها.منذ أن شارك هايل روايته الصادقة عن معاناته مع الاكتئاب ونضاله ضده على وسائل التواصل الاجتماعي وذلك باستخدام هاشتاغ #justreachout، انهال عليه فيض من المكالمات.يوضح هايل ذلك قائلا: «في غضون ستة أسابيع تقريبًا، تلقيت نحو 250 اتصالاً من أشخاص يقولون، «نحن أيضًا لدينا مشاكل، لقد استطاعوا التحدث معي بسبب مشاركتي لمعاناتي. ربما كان التحدث إلى فرد عادي مثلي أسهل من التحدث إلى طبيبك أو شريكك أو زملائك أو مع شركتك».وعلى الرغم من اعتقاد هايل أن المشاكل المتعلقة بالصحة النفسية لن تتزايد إلا في أعقاب الوباء، فقد أسهم فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» في استحضار «روح دونكيرك» (الرواقية والعزيمة)، وأحاسيس الصداقة المتينة والرغبة في مساعدة المحتاجين.«إنه أمر مضحك لأنني لا أرى نفسي مفيدًا، فأنا لا أؤمن بمفهوم الإعراض عن الشيء والابتعاد عنه. وأعتقد أن الكثير من الأفراد يساعدون غيرهم. وهذا هو الجانب الإيجابي للوضع الحالي».
مشاركة :