أزمة تلو الأزمة تُدخل لبنان نحو النفق المظلم أكثر فأكثر، فبعد أزمة سعر صرف الدولار التي جعلت الحياة المعيشية في لبنان ثقيلة على كاهل الملايين من ذوي الدخل المحدود أو أبناء الطبقة المتوسطة، أتى «وباء كورونا» ليعّطل دورة الحياة المالية والاقتصادية خصوصاً في ظل حكومة عاجزة عن إدارة مؤسسة صغيرة فكيف بإمكانها إدارة بلد بأكمله في واقع نقدي وسياسي مرير.أزمة الدولاراليوم، هنالك أزمة جديدة تلوح في أفق الأزمات التي تعصف بلبنان تتمثل في القطاع الصحي، فلقد ألقت الأزمة المالية بظلالها على المستشفيات الخاصة المصنفة الأفضل في منطقة الشرق الأوسط، بعدما أصبحت تجد صعوبة في دفع رواتب موظفيها بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، مما جعلها تعاني من عبء الحفاظ على تقديمها الجودة العالية في نوعية الخدمة المقدمة لمرضاها خصوصاً في ظل الارتفاع الحاصل في معدلات الإصابة بفيروس «كورونا». وتسببت الأزمة المالية التي يشهدها لبنان في عدم قدرة الحكومة على توفير الوقود والكهرباء والخدمات الأساسية، وتسبب نقص الدولار في تراجع الواردات، بما في ذلك الإمدادات الطبية والأدوية، ومع ارتفاع الأسعار، ومعدلات البطالة إلى أكثر من 30 % يعيش الآن حوالي نصف السكان البالغ عددهم 5 ملايين شخص في فقر مدقع.المستلزمات الطبيةوحذرت المستشفيات الخاصة في لبنان من أنها قد تقفل أبوابها وتوقف استقبال المرضى بسبب الأزمة المالية وارتفاع سعر الدولار في الأسواق، وعدم قدرتها على تغطية تكاليف المستلزمات الطبية، موضحة أنها «تدق ناقوس الخطر وتهدد بالإقفال خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، ما لم تجد الحكومة حلولا جذرية لأزمتها المالية الناجمة عن ارتفاع سعر صرف الدولار، وعدم دفع الحكومة المستحقات المتوجبة عليها».بينما تعاني المستشفيات العامة من نقص التمويل في وقت تواجه أخطر جائحة في العالم مع زيادة تفشي فيروس كورونا، وحذر العديد من قادة الرأي والناشطون وأطباء ومسؤولون صحيون من خروج هذه المستشفيات من الخدمة تحت وطأة الأزمة التي يعاني منها البلد.وتعاني المستشفيات والأطباء في جميع أنحاء البلاد، من نقص في الإمدادات الطبية الحيوية مثل أدوية التخدير والخيوط الجراحية، في ظل انقطاع التيار الكهربائي لأغلب فترات اليوم، واضطرارها لضخ مزيد من الأموال لشراء وقود المولدات، ما اضطر الكثير من هذه المستشفيات إلى رفض استقبال الحالات غير الحرجة للحفاظ على الموارد.وأبلغت المستشفيات والأطباء عن «نقص في الإمدادات الطبية الحيوية مثل أدوية التخدير والخيوط الجراحية، في ظل انقطاع التيار الكهربائي لأغلب فترات اليوم، واضطرارها لضخ مزيد من الأموال لشراء وقود المولدات، ما اضطر الكثير من هذه المستشفيات إلى رفض استقبال الحالات غير الحرجة للحفاظ على الموارد»، فيما يشكو العاملون في هذا القطاع من «أنهم لم يعودوا قادرين على تأمين المستلزمات الطبية وإصلاح المعدات والأجهزة الطبية بسبب اعتماد المستورين على سعر صرف الدولار في السوق، وليس السعر المعلن رسميا».الجامعة الأمريكيةويعد إعلان المركز الطبي في الجامعة الأمريكية، والذي يعتبر أحد أقدم وأعرق المستشفيات الجامعية في لبنان، عن تسريح أكثر من 850 موظفا الأسبوع الماضي بسبب «الحالة الكارثية» للاقتصاد، بمثابة صدمة كبيرة للشعب اللبناني، مما أثار حالة من القلق، واضطرت عدة مرافق طبية إلى تسريح الممرضات والممرضين وخفض الرواتب، نتيجة لتراجع مواردها المالية وعدم قدرتها على تحصيل ملايين الدولارات المستحقة لها لدى الدولة.وقال مدير عام مستشفى رفيق الحريري الجامعي فراس أبيض: «لا يمكننا محاربة كورونا وفي نفس الوقت نضطر للتساؤل بشكل دائم لمعرفة ما إذا كنا نمتلك ما يكفي من الموارد المالية والمادية»، مشيراً إلى أن التمويل يجب أن يكون الأولوية. فالمولدات لن تعمل من تلقاء نفسها، بدون وقود ولا يمكن للمستشفيات العمل بدون تمويل.هجرة مرتفعةوقال رئيس نقابة الأطباء في شمال لبنان سليم أبي صالح: الوضع كارثي حقا ونتوقع انهيارا كاملا للمنظومة الصحية ما لم تضع الحكومة خطة إنقاذ، فيما ذكر مسؤول بنقابة الأطباء، أن ما يقرب من ثلث الأطباء اللبنانيين البالغ عددهم 15000 طبيب، أعلنوا عزمهم الهجرة أو تقدموا بالفعل للهجرة، وفقا لعدد الأطباء الذين تقدموا للحصول على الوثائق التي يمكنهم استخدامها في الخارج.وأصدرت نقابة أطباء لبنان في بيروت بيانا الجمعة حذرت فيه من الارتفاع المخيف في عدد الإصابات اليومية بفيروس كورونا، وعبرت عن خشيتها من خطورة انتشار الوباء ووصوله الى مرحلة الخطر.وناشدت المواطنين بضرورة التقيد بالإجراءات الاحترازية الوقائية، وخصوصا ارتداء الكمامات والتزام التباعد الاجتماعي، والبقاء في المنزل والحجر الطوعي قدر الإمكان.الصحة تحذروطالب البيان الحكومة ووزارة الصحة والهيئات الرسمية المعنية باتخاذ التدابير الضرورية والخطوات اللازمة، وخصوصا لناحية تجهيز المستشفيات الحكومية والخاصة بكل ما يلزم لحماية المرضى والأطباء على حد سواء، وتأمين سلامة الطاقم الطبي والاستشفائي بما يضمن عدم انتقال العدوى إلى أفراده، ودعم القطاع الصحي بما يمكنه من القيام بواجبه ومسؤولياته.وأكدت على ضرورة تطبيق القوانين والقرارات التي تمنع التجمعات أو على الأقل فرض التباعد الاجتماعي على مسافة متر ونصف المتر، وتغريم من لا يلتزم بارتداء الكمامة، بالإضافة إلى حث البلديات على القيام بدورها في مراقبة العزل والتتبع والحجر الصحي للمصابين والوافدين.
مشاركة :