إيران وتحدي العباءة النجفية | خيرالله خيرالله | صحيفة العرب

  • 7/27/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لا يمكن تجاهل أهمّية إيران بالنسبة إلى العراق، وذلك بغض النظر عن كلّ سلبيات العلاقة بين البلدين في السنوات الستين الماضية، منذ الانقلاب العسكري الدموي الذي أطاح بالنظام الملكي في العراق في الرابع عشر من تمّوز – يوليو 1958. كان ذلك آخر يوم أبيض يشهده العراق منذ نشأته. هناك مصلحة مشتركة في قيام علاقات طبيعية، بل أكثر من طبيعية بين البلدين الجارين. الحاجة قبل كلّ شيء إلى علاقة متوازنة بين بلدين يتمتع المسؤولون فيهما بحدّ أدنى من النضج بعيدا عن الانفعالات والرغبة في الانتقام وتصفية الحسابات القديمة، بما في ذلك حرب السنوات الثماني. تتحمّل إيران المسؤولية الأكبر عن اندلاع تلك الحرب، على الرغم من أن العراق، في عهد صدّام حسين، كان المبادر إلى الهجوم. كان للاستفزازات الإيرانية دورها في جعل صدّام يقدم، كما عادته، على رد فعل يتسّم بالارتجال والانفعال والعشوائية والعنف بدل اللجوء إلى العقل وإلى معالجة سياسية لموضوع في غاية الخطورة، هو موضوع شعار “تصدير الثورة”. لا تزال إيران تعاني إلى الآن من عقدة “تصدير الثورة” التي نادى بها مؤسس “الجمهورية الإسلامية” آية الله الخميني الذي لم يدرك يوما أنّ ليس لدى إيران ما تصدّره باستثناء ميليشيات مذهبية وإثارة للغرائز. باتت إيران الدولة الأولى التي يزورها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بعد تشكيل حكومته. كان مفترضا أن يبدأ جولاته الخارجية بالسعودية، لولا اضطرار الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى دخول المستشفى فجأة لإجراء جراحة استئصال المرارة. ارتدت الزيارة أهمّية خاصة نظرا إلى أنّها ستكشف هل هناك في إيران من هو مستعدّ إلى الارتقاء إلى مستوى الأحداث الخطيرة التي تشهدها المنطقة والتعاطي معها بمزيد من التعقّل بدل تجاهل الواقع الجديد. يتمثّل هذا الواقع بالحاجة إلى استيعاب لمعنى أن هناك إدارة أميركية مختلفة اتخذت قرارا بفرض عقوبات على إيران. هذا القرار الأميركي بمواجهة إيران ومشروعها التوسّعي ليس قرارا مرتبطا بإدارة دونالد ترامب بمقدار ما أنّه مرتبط بسياسة أميركا والمؤسسة العسكرية والأمنية. هذه السياسة مستمرّة حتّى لو لم يعد ترامب إلى البيت الأبيض في ضوء نتائج انتخابات تشرين الثاني – نوفمبر المقبل. معنى ذلك، أن الرهان على تغيير ترامب ليس رهانا بمقدار ما أنّه وهم من الأوهام يشبه إلى حد كبير وهم “تصدير الثورة” الذي نادى به الخميني والذي أوصل إيران إلى العزلة التي وصلت إليها والتي جعلتها ترتمي أخيرا في الحضن الصيني. زادت أهمّية إيران بالنسبة إلى العراق منذ العام 2003 عندما اتخذت إدارة جورج بوش الابن، بسبب جهلها بالمنطقة أو ربّما لأسباب خاصة بها، تسليم العراق على صحن من فضّة إلى إيران. كانت تلك فرصة أتاحتها أميركا لإيران التي تصرّفت تصرّف الوصيّ على العراق. تجاهلت كلّيا أن العراقيين ليسوا مستعدين لأن يكون بلدهم مستعمرة إيرانية. ما يظهر واضحا في السنة 2020 أن إيران التي ما زالت تحلم بنجاح مشروعها التوسّعي ترفض إقامة علاقات متوازنة مع العراق، علاقات تأخذ في الاعتبار أن ذلك يصبّ في مصلحة البلدين اللذين يمرّان بظروف في غاية الصعوبة. تفرض هذه الظروف، أوّل ما تفرضه، نقلة نوعية في كيفية التفكير في طبيعة العلاقات العراقية –الإيرانية. يظهر من زيارة مصطفى الكاظمي لطهران ولقاءيه مع “المرشد” علي خامنئي ومع رئيس الجمهورية حسن روحاني أنّ “الجمهورية الإسلامية” لم تتخلّص بعد من كلّ أوهامها العراقية. كلّ ما حاول رئيس الوزراء العراقي عمله هو حمل “الجمهورية الإسلامية” على التصالح مع الواقع. أي أن تتصالح مع نفسها أوّلا ومع العراق ثانيا ومع موازين القوى في العالم ثالثا وأخيرا. كانت زيارة مصطفى الكاظمي تحدّيا بالنسبة إلى إيران، خصوصا أنّها أتت معها برموز كثيرة من بينها العباءة النجفية التي حملها رئيس الوزراء العراقي كهديّة إلى خامنئي. تحدّت العباءة إيران. من يسمع هشام داوود مستشار رئيس الوزراء العراقي يفسّر معنى تلك الهدية، يكتشف ذلك التوق العراقي إلى استعادة العراق. ففي حديث أدلى به إلى فضائية “الحرّة”، أعطى هشام داوود تفسيره لمعنى هدية اسمها العباءة النجفية. قال بكل بساطة أن من لديه مثل هذا العباءة لا يحتاج إلى عباءة أخرى. ما لم يقله أن العراق هو العراق وأنّه لا يحتاج إلى عباءة إيرانية من أيّ نوع. يبحث العراق عن تموضع جديد في المنطقة وإلى استثمارات خليجية عربيّة. يدرك أن وضعه الاقتصادي في غاية السوء وأنّ لديه أولوياته التي لا تتفق بالضرورة مع الأولويات الإيرانية. من الواضح أن لا عداء عراقيا لإيران، لكنّ لا رغبة في الوقت ذاته في الرضوخ لها. بين 2003 و2020، تغيّرت أمور كثيرة بين العراق وإيران. في النهاية، لا تزال لإيران أذرعها الكثيرة في العراق، لكنّ الذي تبيّن مع مرور الزمن أنّ من الأفضل لها التوقّف عند حدود معيّنة وأن تفكّر في أنّها لن تتمكن في يوم من الأيّام من وضع يدها على العراق. صار العراق بلدا فقيرا. إنّه بلد مدمّر يتكل على النفط ولا شيء آخر غير النفط. جرت منذ العام 2003 عملية نهب منظّمة لعائدات العراق من النفط. شاركت في هذه العملية أذرع إيران في العراق.. مع آخرين. لم يعد هناك الآن ما يمكن نهبه. تستطيع الدولة العراقية بالكاد دفع رواتب موظفيها. ليس لدى إيران ما تقدّمه إلى العراق وليس لدى العراق ما يعطيه إلى إيران. هذا عائد بكل بساطة إلى أنّ إيران فشلت في أن تكون قوّة اقتصادية، فيما فشل العراق في إقامة نظام قابل للحياة منذ سقوط نظام صدّام حسين. الأكيد أن نظام صدّام لم يكن من النوع الذي له علاقة بالعصر وما يدور في المنطقة، لكنّ المستغرب أن يكون الوضع العراقي ساء إلى درجة أنّه بات هناك من يترحّم عليه حاليا، خصوصا بعد انتشار الفساد بطريقة لا شبيه لها في أي بقعة من بقاع الأرض بعد العام 2003. هل ترتفع إيران إلى مستوى التحدي الذي جاءت به زيارة مصطفى الكاظمي والعباءة التي حملها كهديّة؟ مثل هذا الأمر لا يزال مستبعدا في غياب قدرة المتحكمين بـ”الجمهورية الإسلامية” على التصالح مع الواقع، مع الإيرانيين أوّلا ومع أنّ العراق هو العراق وإيران هي إيران.

مشاركة :