فرض الله الحج على المستطيع بدنيًا وماليًا، وورد في فضله أحاديث كثيرة، منها ما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضِي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من حجَّ فلم يرفثْ ولم يفسُق رجع كيوم ولدته أمُّه»؛ أي: غُفرت ذنوبه فلم يبق عليه منها شيءٌ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضِي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «العُمرة إلى العُمرة كفَّارة لما بينهما، والحجُّ المبرور ليس له جَزاءٌ إلا الجنَّة»، وقد دلَّنا النبي صلى الله عليه وسلم، على بعض الأعمال الصالحة التي يمكن أدائها طوال أيام العام، لحصد الكثير من الحسنات، وفي الوقت ذاته يعدل أجرها وثوابها الحج والعمرة، وهذا من حيث الأجر والثواب لا من حيث الإجزاء، فهذه الأعمال لا تسقط حج الفريضة إذا بلغ حد الاستطاعة، ومن الأعمال التي تعادل الحج والعمرة في الثواب والأجر ما يلي:1- النية الصادقة والعزم على الحج والعمرة متى تيسر ذلك: عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: «.. إِنَّما الدنيا لأربعة نفر، عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل رحمه ويعمل لله فيه حقًّا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالًا ولم يرزقه علمًا، فهو يخبط في ماله بغير علمٍ لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأَسوإِ المنازل عند الله، ورجلٌ لم يؤته الله مالًا ولا علمًا فهو يقول: لو أنَّ لي مالًا لعملت بعمل فلانٍ، فهو بنيته وهما في الوزر سواء» (أخرجه الترمذي بسند صحيح)، والمعنى: أن العبد بنيته الصادقة يحصل ثواب العبادة التي لم يستطع أداءها، أو حبسه عذر، أو حال بينه وبين أدائها حائل؛ فنية العبد خيرٌ من عمله، فقد يحج ولا يقبل منه لسوء نيته، وقد لا يحج ويكتب له أجر حجة تامة لصدق نيته.٢- جلسة الضُّحى بعد صلاة الفجر في جماعة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: «من صلَّى الْغداة في جماعةٍ، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجةٍ، وَعمرةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ» (أخرجه الترمذي)، بيَّن النبي ﷺ ثواب جلسة الذِّكر والقرآن بعد صلاة الفجر في جماعة، إلى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتين، وأخبر أن ثوابها كثواب الحج والعمرة.٣- التسبيح والتحميد والتكبير بعد الصلوات: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء الفقراء إلى النبي ﷺ فقالوا: ذَهب أهل الدثور (جمع دَثـر، وهو الكثير من كل شيء ) من الأموال بالدرجات العلا، والنعيم المقيم يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموالٍ يحجون بها، ويعتمرون، ويجاهدون، وَيتصدقون، قال: «ألا أحدثكم إن أخذتم أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله، تسبحون وتحْمدون وتكبرون خلف كل صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين» (أخرجه البخاري)؛ ففي الحديث عندما رأي النبي ﷺ تأسف أصحابه الفقراء وحزنهم على ما فاتهم من إنفاق إخوانهم الأغنياء أموالهم في سبيل الله تقرباً إليه وابتغاء لمرضاته؛ فطيب قلوبهم ودلهم على عمل يسير يدركون به من سبقهم، ولا يلحقهم معه أحد بعدهم إلا من عمل مثل عملهم وهو الذكر عقب الصلوات المفروضات.٤- أداء الصلاة المكتوبة في المسجد: عن أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: «من خرج من بيتِه متطهرًا إلى صلاةٍ مكتوبةٍ فأجره كأجر الحاج المحرم ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر وصلاة على أَثر صلاةٍ لا لغو بينهما كتابٌ في عِلِّيِّين» (أخرجه أبو داود)؛ فهذا الحديث يرشد إلى ثواب من يحرص على صلاة الجماعة في المسجد، سيزيد ثوابه إلى ثواب حجة كاملة.٥- بر الوالدين: عن أنس بن مالك، قال : أتى رجل رسول الله ﷺ، فقال: إني أشتهي الجهاد، وإني لا أقدر عليه، فقال: «هل بقي أحدٌ من والديك؟» قال: أمي، قال: «فاتق الله فيها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر، ومجاهد، فإِذا دعتك أمك فاتق الله وبرها» (أخرجه البيهقي في شُعب الإيمان)؛ ففي هذا الحديث حث على بر الوالدين وفضل أجرها التي يعدل أجر الحج والعمرة. وختامًا.. إذا كان الحج قد فاتك فإن أفعال الخير لا تفوتك فتلحق بركب الحجيج، وما أجمل ما قاله إبن رجب: "من فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم لله بحقه الذي عَرَفَه، ومن عجز عن المبيت بمزدلفة، فليُبيِّت عزمه على طاعة الله وقد قرَّبه وأزلفه، ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هنا وقد بلغ المُنى، من لم يصلْ إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت فإنه أقرب إلى من دعاه من حبل الوريد" (لطائف المعارف).اللهم ارزقنا حج بيتك الحرام بصحبة من نحب ونشتاق، وبلغنا الوقوف والدعاء بعرفات.
مشاركة :