أبوبكر الديب يكتب: في رحاب طبيب الغلابة

  • 7/28/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في الوقت الذي كان ومازال بعض زملاءه يبحثون عن المال والشهرة عبر مضاعفة أسعار الكشف الطبي أو ما يعرف بـ"الفيزيتا"، كان هو يبحث عن أمر آخر لا يعرفه العاشقين للدنيا، وهو مرضاة الله ومساعدة الفقراء وعلاج المساكين.. لم يكن مثلهم يتقاضي أجره يوميا لكنه سيتثاضي بإذن الله اليوم ما كان يدخره في جيوب الفقراء من مرضاه.مات اليوم الدكتور محمد مشالي "طبيب الغلابة" الذي نعته مصر كلها فقيرها وغنيها، جزاء لما قدم من خير في دنياه.رحل الطبيب الأشهر في مصر، رحل صاحب القلب الرقيق الرفيق بالضعفاء، رحل الذي كان يقول دائما "هعمل إيه أنا بالملايين... ساندوتش فول وطعمية بيكفوني... أنا فاتح العيادة تقربًا إلى الله... وتنفيذًا لوصية والدي.. مش هتنقل من عيادتي وهفضل فيها إلى أن يتوفاني الله.. والناس غلابة وانا نشأت فقير ووالدي وصاني بالغلابه.. أفضل أن أكون جنديا مجهولا لخدمة المريض الفقير.. من أراد بناء العمارات وركوب السيارات فليذهب ويعمل فى التجارة والاستيراد، أما رسالة الطب وخدمة الناس فبلا مقابل لذلك لا أنتظر شيئا ولا سعيت وراء جاه ولا مال وعكفت على خدمة الناس والفقراء.. الطب رسالة وأمانة وعلم يورث وليست تجارة رابحة ولم أفكر يوما فى المال ولا المكسب ولا الخسارة بقدر ما أفكر فى أن يوفقنى الله بشفاء المريض وخاصة الأطفال. ويضيف صاحب القلب الطيب والنظيف، "وصانى أبويا رحمة الله وصية وقال لى يوم أن أقسمت قسم الطبيب إياك أن تغلى "الفيزيتا" على الغلابة ومن يومها وأنا عامل حسابى إن الفلوس آخر شيء أفكر فيه ومش فارقة خالص والعيان الغلبان ببلاش، والتحليل كمان مجاني".كان شعاره الرضا بما قسمه الله له ومن به عليه وكان يردد أعطاني الله أكثر مما تمنيت وأكثر ما استحق.نشأ في بيئة متوسطة ووالده اصطحبه فور انتهاء مرحلة الدراسة الثانوية ليقدم له في كلية الطب ثم فوجئ بأن المصاريف مرتفعة، فأخبره بالبحث عن عمل آخر، وفي مساء ذلك اليوم، حسب روايته أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قراره بمجانية التعليم ما أتاح له أن يحظى بفرصة لاستكمال حلمه والالتحاق بكلية الطب.كانت له عيادتين في المناطق الشعبية لخدمة المرضي بأسعار رمزية، لماذا لانه كان يري أن المريض ابتلاه الله بالمرض، ولا يقدر على العلاج، ولذلك فإنه يستحق العطف، كما أن والده أوصاه بالفقراء.في قرية ظهر التمساح إحدى القرى التابعة لمركز إيتاى البارود، ولد الطبيب الراحل، لأب يعمل مدرس، وانتقل بعدها مع والده إلى محافظة الغربية وتوفي بمدينة طنطا عن عمر يناهز 76 عامًا، بعد حوالي 50 عاما قضاها في خدمة الغلابة والبسطاء، دون أجر يذكر، متاجرا مع الله وها هو اليوم نحسبه علي خير عند ربه لينال جزاء ما قدم من خير ومعروف. تخرج الراحل في كلية الطب قصر العيني، وتخصص في الأمراض الباطنة وأمراض الأطفال والحميات، وفي عام 1975، أفتتح عيادته الخاصة في طنطا، وظل لسنوات طويلة يخصص قيمة كشفه الطبي في عيادته بـ 5 جنيهات، وزادت إلى 10 جنيهات، وكثيرا ما يرفض تقاضي قيمة الكشف من المرضى الفقراء. يوما ما بكى حينما تذكر واقعة تعيينه فى إحدى الوحدات الصحية بمنطقة فقيرة، عنما جاءه طفل صغير مريض بالسكر وهو يبكى من الألم ويقول لوالدته أعطيني حقنة الأنسولين، فردت أم الطفل لو اشتريت حقنة الأنسولين لن نستطيع شراء الطعام لباقى أخواتك، ولا زالت أتذكر هذا المواقف الصعب، الذى جعلني أهب علمى للكشف على الفقراء.وحتي في نهاية حياته كان يتمني استكمال بناء مستشفى خيري لأطفال الفقراء.. ونصح الشعب المصري قبل رحيله بالحفاظ على سلامتهم من وباء فيروس كورونا وعدم التكدس والازدحام والاهتمام بالتغذية السليمة والصحية. اختارته نقابة الأطباء بالغربية للحصول على لقب الطبيب المثالي على مستوى الجمهورية، منذ 3 سنوات، ليحصل على تكريم وشهادة تقدير في يوم الطبيب العالمي.رحم الله طبيب الغلابة الدكتور محمد مشالي، وأسكنه فسيح جناته، فقد كان مثالا للمسئولية المجتمعية، ومثالا للانسانية وتحقيقا لأوامر الشرائع السماوية، تاجر مع الله وترك الدنيا وراء ظهره وأعد لآخرته فاللهم ارحمه رحمة واسعة وانفعنا به يا الله.

مشاركة :