الحقيقة أن اختبارات فيروس «كورونا» داخل الولايات المتحدة أخفقت بكل الصور التي يمكن تخيلها. ومع هذا، ربما كان الإخفاق الأخير الأشد إثارة للفزع، ذلك أنه رغم توافر إمكانية إجراء الاختبارات عبر كثير من الأماكن التي تغطي مساحات واسعة، فإن النتائج غالباً ما تستغرق وقتاً طويلاً للغاية لتقديم النتائج، على نحو يجعل من إجراء الاختبار من الأساس مسألة غير ذات جدوى.وإذا كنا سنستغرق أسبوعين للتعرف على نتائج الاختبارات، فإننا بذلك لن نتمكن من رصد بؤر تفشي الوباء، والاستجابة لها بإجراءات الإغلاق المستهدفة. كما أن هذا يحول دون تنفيذنا إجراءات فاعلة لتعقب المخالطين. وليس من الواقعي أن نتوقع أن يبقى الناس في منازلهم، ويمتنعون عن الذهاب إلى العمل أو المدرسة خلال أسبوعين، بينما ينتظرون الاطلاع على نتيجة الاختبار. وإلى جانب ذلك، فإن هذا الوضع يحول دون توفيرنا العلاج والرعاية المبكرة لأولئك الذين تأتي نتائج اختباراتهم إيجابية، ومحاولة منع تفاقم إصابتهم وتحولها إلى مرض خطير. بالتأكيد، هذا وضع كارثي.جدير بالذكر في هذا الصدد أن كثيراً من الأطباء باستطاعتهم إجراء اختبار بكتيريا سريع لا يستغرق سوى نصف ساعة، بينما يستغرق الاختبار «البطيء» أياماً. تخيل أن يمر 12 يوماً كاملة قبل أن يتمكن الأطباء من تحديد ما إذا كان عليهم وصف مضادات حيوية لشخص ما مشتبه في إصابته. وجراء هذا الوضع، ينتهي بنا الحال إلى وجود مزيد من حالات الإصابة بالتهاب السحايا والالتهاب الرئوي والحمى الروماتيزمية. ومن المعروف أن البكتيريا بمقدورها الانتشار عبر أفراد العائلات والمدارس انتشار النار في الهشيم.ومن ناحية أخرى، فإن من بين قواعد الممارسة الطبية أنك تصدر الأمر بإجراء اختبار فقط عندما يكون بإمكانك العمل بناء على النتيجة. وفي ظل مسألة أن نتيجة اختبار فيروس «كورونا» تظهر في غضون أسبوع أو أسبوعين، فإن هذا يعني أن الأطباء ليس باستطاعتهم الاستفادة من النتيجة في شيء. ولذلك، فإن ما نحظى به اليوم في الغالب ليس اختبارات بالمعنى الحقيقي، وإنما مجرد مسرح اختبارات.واللافت في هذا الصدد أنه على مدار شهور، كانت الضجة وصيحات الغضب تدور في الجزء الأكبر منها حول عدم توافر الاختبارات على نطاق واسع، بل إن كثيراً من المرضى لم يتمكنوا من إجراء اختبارات. علاوة على ذلك، جاءت نتائج الاختبارات الأولى معيبة. وبعد ذلك، لم يجر توزيع معدات الاختبار الجيدة على البؤر الساخنة للفيروس. وأخيراً، وجدنا أنه لا تتوافر لدينا أعداد كافية من المسحات أو معدات الحماية الشخصية أو عناصر مثل الكواشف اللازمة لإجراء الاختبارات.وبعد كل هذه الإخفاقات، أصبحت الضغوط السياسية من أجل توفير اختبارات مجانية على نطاق واسع هائلة. وبقليل من العون من البيت الأبيض، تمكنت كثير من الولايات من تحقيق ذلك الأمر، أخيراً!ومع ذلك، نجد في المقابل أن الضغوط كانت أقل بكثير لضمان أن المعامل التي تتلقى المسحات تحظى بالقدرة على معالجة جميع العينات الموجودة لديها.والآن، نجد أنه داخل مدن مثل نيويورك وواشنطن ولوس أنجليس، هناك العشرات، إن لم يكن المئات، من العيادات الطبية التي يمكن لأي شخص يرغب في إجراء اختبار التوجه إليها. ومع أن القانون ينص على ضرورة إتاحة الاختبارات الطبية البسيطة «مجاناً» للمرضى، فإن تلك العيادات تفرض رسوماً ضخمة مقابل إجراء اختبار الفيروس، تتحملها شركات التأمين (أو الحكومة)، تصل في بعض الأحيان إلى مئات الدولارات. وبدوره، يمنح هذا الأمر للعيادات حافزاً لفتح أبوابها تماماً، وإجراء أكبر عدد ممكن من الاختبارات.ومن ناحية أخرى، باستطاعة بعض المستشفيات والعيادات والمدن تولي إدارة التعامل مع العينات بذاتها، أو تحويلها إلى مجموعة مختلفة من المعامل القادرة على طرح النتائج في وقت مناسب. جدير بالذكر في هذا الصدد أن المعامل الرسمية في تكساس، وهي التي تشهد تفشياً كبيراً للفيروس، أعلنت أن معدل الكشف عن النتائج لديها يتراوح بين يومين أو ثلاثة، لكن كثيراً من الاختبارات قد يستغرق الإعلان عن نتيجته أكثر من ذلك بكثير.ومن جهتهما، أقر «لا كورب» و«كويست»، أكبر معملين تجاريين، أنه في بعض الأحيان، تحدث تأخيرات طويلة الأمد في عملية معالجة الكميات الضخمة من الاختبارات. أما الحكام، فيشعرون بغضب عارم. على سبيل المثال، قال جاريد بوليس، حاكم كولورادو، إن الأيام التسعة التي يستغرقها في بعض الأحيان التعرف على نتيجة اختبار للفيروس تفقد الاختبار قيمته.خلاصة القول، إن اختبار فيروس «كورونا» لا يصبح اختباراً بالمعنى الحقيقي إذا ظهرت نتائجه في وقت متأخر للغاية لا يتيح للأطباء التصرف على أساسه. والأهم من ذلك أن تلك المراكز التي تعرض إجراء اختبارات مجانية يتعين عليها تحمل مسؤولية التعهد بالكشف عن النتيجة في غضون 48 ساعة، أو ربما 72 ساعة على أقصى تقدير؛ ويعني ذلك ضرورة التعاقد مع معامل قادرة على ضمان ألا تتجاوز فترة الإعلان عن النتيجة هذه المدة.وكثيراً ما نسمع عهوداً من عينة أن «كل شخص يرغب في إجراء اختبار سيتاح له ذلك»، وهذا أمر يبدو سياسياً رائعاً، لكنه لا يعود بأي فائدة حقيقية على أي شخص؛ إن الأشخاص المصابين بفيروس «كورونا» بحاجة لأن يدركوا إصابتهم، ومن يخالطونهم بحاجة لأن يعرفوا ذلك أيضاً. كما أنه سيحتاج آخرون لإجراء اختبارات كي يحصلوا على تصاريح لارتياد العمل أو المدرسة، أو القيام بزيارات عائلية لأقارب أكثر عرضة من غيرهم للتضرر بشدة حال إصابتهم بالفيروس. * خدمة «نيويورك تايمز»
مشاركة :