بدأت الأربعاء مناسك الحج في مكة المكرّمة في ظل ظروف استثنائية وإجراءات وقائية غير مسبوقة يخيّم عليها شبح فايروس كورونا المستجد والمستمر في التفشي حول العالم حاصدا مئات الآلاف من الأرواح، حيث يؤدي الحجّاج المسلمون هذه الفريضة متقيدين بارتداء الكمامات الواقية واحترام إجراءات التباعد الاجتماعي. وقام الحجاج وهم يحملون مظلات ملوّنة تقيهم حرّ الشمس، بالطواف في حركة متناسقة حول الكعبة بالمسجد الحرام في بداية الشعائر مع إبقاء مسافة محددة بشعارات على الأرض البيضاء، في مشهد تاريخي غير مألوف في أقدس أماكن المسلمين. وبدا المشهد مختلفا جدا عما كان عليه في السنوات الماضية حين كان يحتشد مئات الآلاف من الحجاج قرب الكعبة ويطوفون حولها وهم يتسابقون ويتدافعون أحيانا للاقتراب من البناء المكسوّ بقماش أسود مطرّز بالذهب للمسه، وهو أمر ممنوع هذا العام. وأكّد قائد القوة الخاصة لأمن المسجد الحرام يحيى العقيل لقناة محلية حكومية “تم تطبيق عملية التباعد (…) المعتمدة من قبل وزارة الصحة”، مضيفا “بدأت عملية الطواف حتى اكتملت في وقت قياسي جدا وبكل سهولة”. وأعلنت السلطات، الأربعاء، تسجيل 1759 إصابة جديدة بالفايروس و27 حالة وفاة، دون أن يتم تسجيل أي إصابة في المشاعر المقدّسة، أي في المسجد الحرام ومواقع الحج. وقال مدير الأمن العام الفريق أول ركن خالد بن قرار الحربي، في تصريح إعلامي، “ليس لدينا أي هاجس أمني”، مضيفا “الخطر الوحيد الذي نعمل على منعه هذا العام هو خطر الجائحة”. وسرعان ما اكتملت مناسك الطواف والسعي في يوم التروية، ونُقل الحجاج على دفعات إلى مساكنهم المعقّمة في منى، قبل أن يباشروا السير إلى جبل عرفات على بعد عشرة كيلومترات للوقوف على صعيد عرفات الخميس، وهو ركن الحج الأعظم. وقال المصري محمد إبراهيم (43 عاما) “الحمد لله شعور لا يوصف، وكأنه حلم”. وأعلنت السلطات أنّ ألف شخص فقط يشاركون في المناسك، لكنّ وسائل الإعلام المحلية ذكرت أنّ الأعداد قد تصل إلى نحو عشرة آلاف حاج، مقارنة بنحو 2.5 مليون مسلم شاركوا في الحج العام الماضي وقدموا من كل أنحاء العالم. وقامت السلطات بعملية اختيار وفق معايير صارمة وإن لم ترق للبعض واعتبروها غير واضحة. وعادة ما يكون الحج حدثا إعلاميا عالميا ضخما، تقبل عليه وسائل الإعلام الأجنبية بكثافة. لكن هذا العام، شددت الحكومة إجراءات الوصول إلى مدينة مكة المكرّمة ووضعت قيودا صحيّة صارمة لمنع تفشي الفايروس أثناء تأدية المناسك. ويقول محللون إن الحكومة قلّصت من عدد الحجيج لأنه قد يكون مصدرا رئيسيا لانتشار فايروس كورونا المستجد، إلّا أنّ هذه الخطوة ستعمّق الركود الاقتصادي في المملكة النفطية الثرية. وظهر الحجّاج في بث تلفزيوني مباشر وهم يسيرون في صفوف منظمة داخل المسجد الحرام متّجهين نحو الكعبة قبل بدء الطواف وقد وضعوا كمّامات وتركت مسافة أمان بين الحاج والآخر، بينما كان الدليل يتقدمهم. ثم طافوا حول الكعبة تحت أنظار شرطيين ومسؤولين في المكان. وجاءت الإجراءات الوقائية المشددة من قبل الحكومة السعودية على اعتبار أن الحج من أكبر التجمعات البشرية السنوية في العالم، وذلك لتجنب أن يشكل هذا الحدث بؤرة رئيسية محتملة لانتشار الأمراض ومن بينها وباء كورونا. ويمثّل تنظيم الحج في العادة تحدّيا لوجستيا كبيرا، إذ يتدفّق ملايين الحجاج من دول عديدة على المواقع الدينية المزدحمة. وأودت جائحة كورونا بحياة أكثر من 654 ألف شخص في العالم منذ أن أبلغ مكتب منظمة الصحة العالمية في الصين عن ظهور المرض في نهاية ديسمبر الماضي، بينهم أكثر من 2700 في السعودية حيث سجلت نحو 270 ألف إصابة. وتم تزويد الحجّاج بمجموعة من الأدوات والمستلزمات من بينها لباس إحرام طبي ومعقّم وحصى الجمرات وكمّامات وسجّادة ومظلّة، بحسب كتيّب “رحلة الحجاج” الصادر عن السلطات، بينما ذكر حجّاج أنه طلب منهم وضع سوار إلكتروني لتحديد تحرّكاتهم. وخضع الحجاج لفحص بهدف الكشف عن فايروس كورونا المستجد قبل وصولهم إلى مكة، وسيتعين عليهم عزل أنفسهم بعد الحج. وقالت وزارة الحج والعمرة إنها أقامت العديد من المرافق الصحية والعيادات المتنقلة وجهّزت سيارات الإسعاف لتلبية احتياجات الحجاج الذين سيُطلب منهم الالتزام بالتباعد الاجتماعي. وشوهد عمّال وهم يعقّمون المنطقة المحيطة بالكعبة وسط المسجد الحرام، عشية بدء المناسك. وتحدّدت نسبة غير السعوديين من المقيمين داخل المملكة بـ 70 في المئة من إجمالي حجاج هذا العام، ونسبة السعوديين 30 في المئة فقط، وهم من “الموظفين الصحيين ورجال الأمن المتعافين من فايروس كورونا المستجد”. وغالبا ما كان يعاني الحجاج لدى عودتهم إلى ديارهم بعد نهاية الحج من أمراض تنفسية عدّة بسبب الازدحام الشديد، الأمر الذي كان يتسبب كذلك في حوادث تدافع.
مشاركة :