رفع وصاية الأسرة عن ضحية الاغتصاب بداية الثأر لشرفها | أميرة فكري | صحيفة العرب

  • 7/30/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

أسدل القضاء المصري الستار على أكثر واقعة اغتصاب شغلت الرأي العام لشهور طويلة، وهي القضية المعروفة بـ”فتاة فرشوط”، بمحافظة قنا، الواقعة جنوب البلاد، وحُكم بإحالة أوراق المتهمين إلى مفتي الجمهورية للتصديق على إعدامهم، لكن الأهم من تطبيق أقصى عقوبة ترسيخ قاعدة تاريخية بأن عدم بلوغ الفتاة سن الرُشد (طفلة) ليس مبررا لحرمانها من تقرير مصيرها في مقاضاة مغتصبها. القاهرة - تعرض المجتمع المصري لصدمة نتجت عن تصالح والد الفتاة في القضية المعروفة بـ”فتاة فرشوط” مع المغتصبين، وطلب التنازل عن حقها، لكنها أصرت على الوقوف بشجاعة أمام القاضي لتطلب الثأر لنفسها، وطالبت بعدم الاعتراف بما ذهب إليه الأب، ورغم أنها لم تُكمل 18 عاما، السن القانونية لتجاوز مرحلة الطفولة، قررت المحكمة أن تكون وكيلة عن نفسها لتحدد بمفردها القصاص أو التنازل. وأثبتت القضية أن رفع وصاية الأسرة عن ضحية الاغتصاب بداية الانتصار لشرفها، ولو تنازلت العائلة عن حقها، ما يصب في صالح ضحايا كُثر تجبرهن أسرهن على التراضي وعدم السير في طرق قانونية بذريعة تجنب الفضيحة وجلب العار وتشويه صورة الأسرة، والخوف من عدم زواج الفتاة بعد التشهير بها. ويتوقف الانتقام القانوني من مرتكبي جرائم الاغتصاب وعدم الانصياع للضغوط والتهديدات والإغراءات على مدى شجاعة الفتاة نفسها، ودليل ذلك أن الضحية التي أنصفها القضاء بإعدام المتهمين رفضت الزواج من أحدهم بدعوى الستر، أو الحصول على مبلغ نصف مليون جنيه (31 ألفا و400 دولار)، في حين أنها من أسرة بسيطة. ويمكن البناء على ذلك، أن ضحية الاغتصاب ليس مهما أن تكون ابنة عائلة عريقة أو فقيرة حتى تتسم بالشجاعة ويكون لديها الإصرار والعزيمة ما يجعل المجتمع يتعاطف معها ويدعمها ويضغط على المؤسسات الرسمية للثأر لها، لكن الأهم أن تبادر بنفسها أولا لتتمكن من مؤازرة المجتمع لها، ولو تخلت عنها الأسرة. وأظهرت الواقعة أن المجتمع بدأ يغير نظرته لضحية الاغتصاب، وبعد أن كان اللوم الأكبر يوجه إليها، نالت الفتاة دعما غير محدود عندما رفضت كل محاولات التصالح، وأصبحت قدوة للكثير من النساء اللاتي يتعرضن لهذا الموقف وتتخلى عنهن أسرهن. ولم تتطرق الكثير من التعليقات إلى ملابس “فتاة فرشوط”، ولم يستجوبها المجتمع عن سبب ذهابها إلى منطقة مهجورة يسهل استهدافها فيها، بل كان محور النقاش حول مطالبة القضاء بالثأر لها، ما منح الفتاة جرعة مضاعفة من الشجاعة والدعم المعنوي ساعدتها على استكمال المشوار وحدها، وهي غير عابئة بالتهديدات وغياب الحماية الأسرية. النتيجة الأهم في استمرار الدعم لضحية الاغتصاب عندما تقرر مصيرها بنفسها، أنها تحصل على أحكام قاسية ضد المعتدين، ما يقضي على أهم سبب لانتشار الاعتداءات الجنسية، وهو غياب الردع القضائي وندرة الأحكام الصارمة لتكون عبرة لمن تسول لهم أنفسهم تكرار الفعل. وأدركت أغلب الأسر أن غياب التعاطف مع ضحية الاغتصاب يجني المزيد من وقائع استباحة الأعراض، والتسامح مع الجناة يشجع من يستهويهم انتهاك أجساد النساء على تكرار الجريمة، ولا بديل عن تحول المجتمع إلى حاضنة للفتاة التي تُغتصب. وأدى الدعم العام لضحية الاغتصاب إلى أن تتعاطف المحكمة معها وتتعامل مع القضية بشكل إنساني ومنح الفتاة استقلالية قرارها بعيدا عن أسرتها، وهي مشكلة أبدية تعاني منها أغلب النساء في أي مجتمع يقدس العادات والتقاليد ويجرم خروج الأنثى. ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية، أن استقلال قرار النساء عن تدخلات الأسرة عندما يرتبط الأمر بالشرف والعرض والجسد كفيل بتطهير المجتمع من العناصر التي اعتادت توظيف الخنوع الأسري وسلبية بعض الآباء في التنازل عن حقوق المرأة بدافع تحصينها من ألسنة الناس، وتحويلها إلى جانية وليس مجنيا عليها. ويؤخذ في ذلك، قضايا التحرش والاغتصاب والعنف الجسدي واللفظي من أقارب أو غرباء، ففي الكثير من الأحيان يتم انتزاع قرار الفتاة أو حتى الزوجة، ويتصدر المشهد كبار العائلة، ليتم التفاوض مع الجناة بشكل ودي، مهما كانت طبيعة الجُرم المرتكب، ينتهي الأمر في جلسات عرفية لا تعرف المجني عليها تفاصيلها أو قراراتها. ولأن بعض المجرمين يشعرون بأن ما اقترفوه سوف يُسدل عليه الستار عرفيا بعيدا عن ساحات القضاء، فإنهم لا يُمانعون تكرار الفعل، أو على الأقل يمنحون غيرهم الشعور بأن الأنثى في نهاية المطاف منزوعة القرار، والتصرف سيكون مع عائلتها أو بمعنى أدق وفق الحالة المصرية “سوف نتحدث مع كبيرها” الذي غالبا ما يوقر تدخل رموز العائلات. ويصعب أن تتمرد الفتاة على الواقع الظالم بسهولة، لأنها تُدرك خطورة هذا التصرف على مستقبلها، فقد توصم بالمتمردة، ويتم طردها أو مقاطعتها وحرمانها من الميراث لتعيش منبوذة باقي حياتها، خاصة إذا كانت تعيش في بيئة قبلية أو ريفية وشعبية تتعامل مع الأنثى مستقلة القرار كأنها ترتكب جُرما يفوق أحيانا جريمة الاغتصاب. ويفرض هذا الواقع على المؤسسات الشرطية والقضائية أن تقتنع بأن ضحية العنف أو التحرش أو الاغتصاب وحدها من تقرر التصالح أم لا، بعيدا عن التعامل معها كطفلة تحتاج إلى ولي أمر يتولى الترافع عنها، وحتى إذا استمرت ثقافة التدخلات الأسرية، فإن نفس الجهات معنية بالتحري وراء أسباب التنازل ومدى تقبل الفتاة لذلك من عدمه. ورأت انتصار السعيد، مدير مركز مناهضة العنف ضد المرأة، أن رفع وصاية الأسرة عن ضحية الاغتصاب يمنحها شجاعة استثنائية في أن تثبت أنها سوية أخلاقيا، بحيث تنفي عن نفسها نظرات التربص والاستهداف والتشكيك في سلوكها، وتخرس الأفواه التي تتحدث عن إمكانية انحرافها. وقالت لـ”العرب”، إن بعض الناس يظنون عن سوء نية أن التصالح الأسري مع مجرمي الاغتصاب، مرده سوء سلوك الفتاة نفسها، لذلك أصبح على كل عائلة تتعرض فيها أنثى لهذه الجريمة أن تسير في إجراءات التقاضي مهما كان الثمن، لأنها بذلك تبرئ الضحية من أيّ تربص يشكك في أخلاقها وتربيتها ويجعلها تعيش مرفوعة الرأس. وإن كانت الأسرة أكثر شجاعة من ضحية التحرش في مقاضاة المغتصب، فإن ذلك يتوقف أيضا على مدى تعاطي المؤسسات الرسمية بجدية، وتوفير الحماية لعائلة الضحية، إذ يصعب أن تُقدم أسرة على التضحية بنفسها دون غطاء أمني. ما يبرهن على ذلك أن عائلات المتهمين الثلاثة الذين حُكم عليهم بالإعدام في قضية “فتاة فرشوط” كادوا يفتكون بالضحية انتقاما لأبنائها، وعلى إثر ذلك تحركت قوات الأمن لحمايتها ووضعتها في بلد غير معلوم وخصصت أفراد شرطة لمتابعتها بشكل دوري، ما يعني أن الدعم الرسمي لضحية الاغتصاب لا يقل أهمية عن الاحتواء المجتمعي لها في مشوار الثأر لشرفها، لأن ترهيبها قد يقتل شجاعتها ويدفعها للتراجع إذا قررت أن تقود المعركة دون غطاء أسري.

مشاركة :