تصاعدت تحذيرات وإنذارات منظمات دولية من خطر جسيم يهدد الإنسانية في بيروت بعد إجماع المؤشرات والتقديرات على أن حوالي مليون نسمة سيجدون أنفسهم في مواجهة مع شبح الجوع نتيجة الأزمة الاقتصادية فائقة الخطورة التي أرغمت اللبنانيين على تحمل تركة اقتصادية ثقيلة طيلة عقود من الفساد السياسي. بيروت - حذرت منظمة أنقذوا الأطفال من خطر تهديد الجوع لحوالي مليون نسمة في منطقة بيروت جراء الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي امتدت إلى ضرب الأمن الغذائي في بلد يعتمد بصفة كبيرة على استيراد كميات من المواد الغذائية. وقالت منظمة أنقذوا الأطفال، الأربعاء، إن نحو مليون نسمة في منطقة بيروت لا يملكون المال الكافي لتأمين الطعام، أكثر من نصفهم من الأطفال المهددين بالجوع جراء الأزمة الاقتصادية المتمادية في لبنان. وأوردت المنظمة في تقرير أنه “في بيروت الكبرى، 910 آلاف شخص بينهم 564 ألف طفل لا يملكون المال الكافي لشراء احتياجاتهم الرئيسية”. وقال مدير المنظمة بالوكالة في بيروت جاد صقر “سنبدأ بمشاهدة أطفال يموتون جوعاً قبل حلول نهاية العام الحالي”. وأضاف “تضرب الأزمة الجميع، العائلات اللبنانية كما اللاجئين الفلسطينيين والسوريين على حد سواء”. ودفع الاقتصاد اللبناني المنهار، وفق التقرير، أكثر من نصف مليون طفل في بيروت إلى الكفاح من أجل الحياة. وقال إن عائلاتهم غير قادرة على تأمين حاجاتهم الأساسية من طعام وكهرباء ووقود ومستلزمات صحية ومياه. ويشهد لبنان الانهيار الاقتصادي الأسوأ في تاريخه الحديث، خصوصاً مع خسارة الليرة أكثر من ثمانين في المئة من قيمتها أمام الدولار، ما تسبب بتآكل القدرة الشرائية. ويعتمد الاقتصاد اللبناني بشكل كبير على الواردات، وخصوصا استيراد كميات من الغذاء، ونظرا للأزمة المالية الحادة التي يعانيها والتي تسببت في نفاد مخزون النقد الأجنبي حيث باتت أنشطة الاستيراد أكثر صعوبة. وبات نحو نصف اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر. واضطر لبنانيون إلى مقايضة ثيابهم ومقتنياتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بعلب حليب وأكياس حفاظات لأطفالهم. واستشرى الفساد على مرّ السنوات في لبنان وتحوّل إلى أحد مسبّبات الانهيار الاقتصادي الذي يشهده البلد منذ أشهر، وإلى أحد أبرز الأسباب التي دفعت اللبنانيين إلى التظاهر بشكل غير مسبوق ضد الطبقة السياسية في 17 أكتوبر والأسابيع التي تلته. ولا تلوح في الأفق أي حلول تنتشل البلاد من أزمتها. ويستضيف لبنان حوالي 1.5 مليون لاجئ سوري، نحو مليون منهم مسجلون لدى الأمم المتحدة. كما تقدّر الحكومة وجود أكثر من 174 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان، في حين تفيد تقديرات غير رسمية أن عددهم يقارب 500 ألف. ونقلت المنظمة عن شابة سورية، هي والدة لثلاث بنات، من سكان جنوب لبنان قولها “إذا توفر لدينا شيء للأكل، نأكل. وإذا لم يتوفر لا نأكل”. ودفع الأمر بابنتها البالغة من العمر تسع سنوات فقط لأن تعرض على والديها الخروج إلى الشارع العام لبيع مناديل الورق علّها تؤمن الطعام والحليب لشقيقتيها. وحثّت المنظمة الحكومة اللبنانية، التي عقدت جلسات تفاوض غير مثمرة مع صندوق النقد الدولي بهدف الحصول على دعم، على وضع آليات لتأمين الحاجات الأساسية للفئات الأكثر ضعفاً. ولم تستثن تداعيات الانهيار، وهو الأسوأ منذ عقود، أي فئة اجتماعية وانعكست موجة غلاء غير مسبوق، وسط أزمة سيولة حادة وشحّ الدولار الذي لامس سعر صرفه في السوق السوداء عتبة الستة آلاف ليرة فيما السعر الرسمي لا يزال مثبتا على 1507 ليرات. وخسر عشرات الآلاف من اللبنانيين منذ الخريف، مصدر رزقهم أو جزءا من مداخيلهم جراء الأزمة التي دفعتهم إلى النزول إلى الشارع منذ منتصف أكتوبر الماضي، ناقمين على الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد والعجز عن إيجاد حلول للأزمات المتلاحقة. وفاقمت تدابير الإغلاق العام التي فرضها انتشار فايروس كورونا المستجد الوضع الاقتصادي والمعيشي، وتسبّب ذلك في ارتفاع معدل التضخم في بلد يعتمد على الاستيراد إلى حد كبير، وسجلت أسعار المواد الغذائية ارتفاعا جنونيا تجاوز 72 في المئة من الخريف حتى نهاية مايو، وفق جمعية حماية المستهلك غير الحكومية. وجعلت الأزمة قرابة نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر وفق البنك الدولي، مع توقّع خبراء اقتصاديين اضمحلال الطبقة الوسطى في بلد كان حتى الأمس القريب يُعرف باسم سويسرا الشرق ويشتهر بمرافقه وخدماته ومبادرات شعبه
مشاركة :