أجمعت خطب عيد الفطر التي ألقيت أمس، في بيروت والمناطق، على الدعوة الى الوحدة والتمسك بصلاحيات رئيس الحكومة تمام سلام في ظل الازمة الحكومية التي يواجهها لبنان بعد أزمة الشغور الرئاسي. ولم تغب عن الخطب احوال الدول العربية التي تتخبط بحروب أهلية وتتعرض الى ارهاب موصوف. ورد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان على «استنزاف وتحميل المسلمين مسؤوليات الظّلم المـدّعى»، بتنبيهه الى ان «قسماً من جمهورنا صار مستثاراً بالفعل»، داعياً الى «التحلي بالصبر»، ومعتبراً ان الرئيس سلام «تحمّل ما لا تتحمّله الجبال». وكان الرئيس سلام اصطحب مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان من منزله صباحاً إلى مسجد محمد الأمين في قلب بيروت، يرافقهما المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص في موكب رسمي. وأم دريان المصلين في حضور عضو كتلة «المستقبل» النيابية عمار حوري ممثلاً زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري ورئيس الكتلة الرئيس فؤاد السنيورة، كما شارك في الصلاة سفراء: مصر محمد بدر الدين زايد، فلسطين أشرف دبور، اليمن علي أحمد الديلمي وأركان السفارة السعودية، ووزراء ونواب حاليون وسابقون، وشخصيات. وأمل دريان في خطبة العيد «تغيير الأوضاع إلى الأفضل والأحسن، فلدينا تأزم سياسي شديد ومتفاقم في البلاد، وسط غياب المؤسسات الدستورية، أو تعطلها واعتدنا من أجل تجنب الإثارة ونكء الجراح على تجهيل الفاعل، حتى لا يشعر أحد أنه مقصود أو مستهدف. ولست أدري إن كان هذا النهج صالحاً أو فعّالاً، لكنّنا مصرّون عليه، لأنه نهج الموضوعية والاعتدال ونهج السواد الأعظم من المواطنين». ورأى ان «عندنا مشكلة وطنية كبرى، ما انفك لبنان يتعرّض لها منذ عقود كلما أراد فريق الاستئثار بالسلطة والاستئثار برفع راية المظلومية وهدر الحقوق. إنما البارز هذه المرّة، تحميل المسلمين مسؤوليات الظّلم المـدّعى. بل إنّ فريق المظلومية الجديدة يصر منذ شهور بل سنوات على رمي المسلمين بتهمة التطرّف، وحتّى الداعشية بينما يريد فريق آخر مقاتلتنا في سياق مكافحة الإرهاب، إن هذه الدعاوى جارية من أجل استنزافنا بل ومن أجل إرغامنا على الخضوع أو اعتناق التطرف بحجة الرد على ما نتعرض له، وهذا أمر شديد الخطورة، لأن قسماً من جمهورنا، صار مستثاراً بالفعل. ونحن منذ عشر سنوات وأكثر، نشعر بالاستهداف، لكننا إدراكاً منا للمصلحة العربية والوطنية، مصرون على التحلي بأعلى درجات الحذر والمسؤولية». وأكد دريان «اننا أول من قاتل التطرف في الدين وفي السياسة وسنظلّ على إيماننا بالاعتدال الدينيّ والوطنيّ والإنسانيّ. ونحن على قناعة تامة بأن الذين يعطلون المؤسسات هم الظالمون، وليس المظلومون». واعتبر «ان التأزم الحاصل مصطنع في معظمه للضغط والإخضاع وصرف الانتباه، واستثارة الضغائن. وعلى رغم الضيق الشديد الذي تحسون به أيها المسلمون والمواطنون اللبنانيون، علينا جميعاً التحلي بالصبر. سيقول بعضكم: لكن ماذا نفعنا الصبر على القتل والاغتيال؟ وعلى القذف بالتهم التي لا تحتمل؟ وأقول لكم: إنّ النّفع العظيم الذي تحقق ويتحقق ان لا دم على أيدينا، ولا حقد في قلوبنا، بينما يرتكب حاملو دعوات الفتنة المحرمات الثلاث: الدماء والأعراض والأموال. نريد أن يبقى لنا ديننا ووطننا وتبقى لنا الدولة، ويبقى العيش المشترك وسيعلم الظالمون أي منقلب ينقلبون». ودعا الى العودة الى «نهج التعقل والمصلحة الوطنية، فعلى ذلك أجمع اللبنانيون، عندما تشكلت هذه الحكومة، التي تحمّل رئيسها ما لا تتحمّله الجبال من أجل الوطنية والوطن والمواطن ونحن معه ندعم مواقفه الداعية إلى الحفاظ على ما تبقى من شرعية في مؤسسات دولتنا ومصالح الوطن والمواطنين من خلال الاستمرار في عمل الحكومة وقيامها بواجباتها الوطنية والدستورية، فالتعقل ليس ضعفاً ولا استسلاماً، وما كان الإصرار على استقامة العمل الحكومي لخدمة المواطنين، داعيةً للاستقواء ورفض التوافق والتحمّل المشترك للأمانة». وقال دريان: «إذا كنّا ندعو الذين يستهدفوننا بأقذع التّهم في الدّين والدّنيا إلى الحوار، وإلى ترك الغرور والاستقواء، فإنّني من باب أولى، أدعو الإخوة المتعبين والمستنزفين إلى القدر الأقصى من الانضباط وكف اللسان واليد». وتوقف عند ما تتعرض له «سائر بلاد العرب، القريب منها والبعيد، لكوارث من ثلاثة أنواع: التطرف في الدين، والحروب المدمرة، والسياسات الدولية»، وقال: «لا أسوأ من الغلو في الدين والقتل باسم الدين لأنه انقسام بداخل الجماعة». وأكد «نحن أصحاب المصلحة الأولى في مواجهة هذا الجنون الذي ما عرفناه في تاريخنا، إلا مرات قليلة، ولم يكن خلالها بهذا الشمول وهذا الهول، على دولنا ومجتمعاتنا العربية مواجهة هذه المشكلات الثلاث معاً مهما كلّف ذلك. ولا بد من الانضباط ضمن ثوابت الدين، وثوابت العربية والعروبة وثوابت الجماعة في مواجهة الفرقة والانقسام». ورأى انها «سياسات واستهدافات أيضاً لا تنفع فيها الشّكوى أو التصرّف، كما تتصرف الأقليات الخائفة. علينا على رغم كل ما نعانيه، أن نلتفت إلى شركائنا في العيش والمصير في سائر ديار العرب والمسلمين، بعين الود وتصرّفات البر والقسط. إنّ المسيحيين المصابين بالتّهجير والملاحقة في بعض البلدان العربية، ما أساؤوا لنا في الدين أو الديار وعلينا كما نفعل في لبنان، أن نظل مصرين على حرياتهم ومواطنتهم وشراكتهم التاريخية». وشدد على ان «المواطنة هي الأساس». وقال: «نحن المسلمين لا نريد أن نخاف ولا أن نخيف ولا نرى داعياً للإحساس بالخوف أو الظلم، أو مواجهة الآخرين وظلمهم». وانتقل دريان مع حوري ونواب وشخصيات إلى ضريح الرئيس رفيق الحريري، وتلوا الفاتحة. وأم دارة سلام شخصيات سياسية، وعسكرية، ونقابية، وإعلامية ووفود من مختلف المناطق مهنئة بالعيد. وأدى سلام صلاة الجمعة في مسجد المصيطبة، في حضور دريان. شيخ العقل وأكد شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، في خطبة العيد دعمه «الحكومة لتحقيق الاستقرار»، داعياً إلى «الإسراع في انتخاب رئيس توافقي من أجل أن تستقيم السياسة الوطنية على قواعد الدستور»، لافتاً إلى انه «ما يجري في المحيط، يدفعنا إلى التمسك أكثر من أي وقت مضى بدعواتنا السابقة إلى لم الشمل، وتأكيد الوحدة الإسلامية - الاسلامية، والوحدة الوطنية الاسلامية - المسيحية، لقطع الطريق على كل أشكال التطرف والتهديدات المتأتية عن سلوكيات ترمي إلى زرع الفتن بين المسلمين». ورأى ان «لا ضير من تكرار تأكيد ثوابت بني معروف التاريخية، وتمسكهم بانتمائهم الى ارضهم، ودينهم الإسلامي الحنيف دين التسامح والاعتدال والى هويتهم العربية»، محذراً «أبناءنا في أي مكان من مختلف الدسائس والمحاولات المشبوهة الهادفة إلى توريطهم في شكل أو آخر في منزلقات ذات عواقب وخيمة»، داعياً إياهم «إلى الالتفاف دوماً حول شعاراتهم التاريخية التي بذلوا في سبيلها الدماء الغالية دفاعاً عن أوطانهم وأمتهم، ولن يكون الموحدون الدروز الا مكابدين في سبيل الوحدة الإسلامية، حافظين لعرضهم وإخوانهم، متمسكين بأرضهم وأوطانهم، فهذا تاريخم وحاضرهم ومستقبلهم الدائم». الشعار ونبه مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار في خطبة صلاة عيد الفطر السعيد في الجامع المنصوري الكبير في طرابلس، من ان «الغليان السياسي في الخطاب والمواقف لا يمكن أن يقابل بمثله، كما أن خطيئة حمل السلاح واستخدامه في الداخل لا يقابل بمثله وإلا وقعنا في حرب أهلية لا تبقي ولا تذر». وشدد على ان «الحوار لا يعني التطابق وإنما يهدف إلى تقريب المسافات ووجهات النظر ويهدف إلى إطفاء نار الفتنة، فإذا جاز الحوار مع «حزب الله» على رغم كل التناقضات، فلم لا يكون الحوار مع الآخرين؟ نحن أمة نسمع ونعقل. إن استمرار التحدي والوعيد والتهديد لا يخدم إلا العدو إسرائيل، التي تربح وتستريح من الفراغ الدستوري الذي يهدد الكيان ويبطل عمل الدستور والميثاق، إن الديموقراطية تعطيك الحق أن تقول نعم وأن تقول لا، ولكنها لا تعطيك الحق في ألا تحضر، ولأن عدم الحضور استقالة من الوكالة التي منحك الشعب إياها. إن كل ما له علاقة بالوطن وأمنه واستقراره والحفاظ على مؤسساته هو من الانتظام العام الذي لا يجوز لأحد أن يعطله أو يعتدي عليه». ونوه بالرئيس سلام «على ثباته ورباطة جأشه وتصديه لكل أشكال التحدي والتعطيل وتمسكه بالقانون والدستور والانتظام العام»، وحيا «جيشنا البطل وبقية الأجهزة الأمنية التي تحقق مع الجيش أمناً واستقراراً وإطمئناناً». فضل الله واعتبر العلامة علي محمد حسين فضل الله في خطبة عيد الفطر في مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك (ضاحية بيروت الجنوبية)، ان «أجواء الفتنة والتشويه والتحريض تخيم على المنابر الإعلامية والسياسية والعلمائية. ونشهد ازدياداً في حدة الاعتداءات والتفجيرات التي تستهدف الأبرياء والمدنيين والمصلين في مساجدهم ومواكبهم وأسواقهم، من دون تحركات جدية لمواجهتها». واذ توقف عند «العدو الصهيوني الذي يستبيح الأرض والسماء والمياه، ويقتل ويسجن ويشرد، من دون أي جهود مقابلة تردعه»، توقف عند «إيجابيات نأمل بأن تتحول إلى واقع صلب من خلال الاتفاق النووي الايراني الذي قد يؤسس إن تم بنجاح لمرحلة جديدة تدرك فيها الشعوب في هذه البقعة من العالم، أن القوة والعزة، لا الاستكانة والاسترهان، طريق إلى تحقيق الآمال والحقوق».
مشاركة :