أفضت النتائج الأولية للتحقيق الذي طلبه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بشأن حرائق التهمت مئات الهكتارات من المساحة الغابوية، وانقطاع الماء والكهرباء في عدة مناطق، ونقص السيولة النقدية في مراكز البريد، إلى أن «الأمر يتعلق بمؤامرة»، و«عمل مدبر يستهدف إظهار الجزائر في صورة بلد عاجز عن حل مشاكله».وبحث اجتماع لـ«المجلس الأعلى للأمن»، برئاسة تبون وحضور كبار المسؤولين في الحكومة والجيش والأمن، أمس أزمات عديدة تعيشها البلاد، أخطرها انتشار وباء كورونا، الذي خلف أكثر من 1200 وفاة ونحو 30 ألف إصابة، زيادة على حرائق الغابات التي تتكرر كل صيف، وحرمان قطاعات واسعة من العمال والموظفين والمتقاعدين من تسلم مستحقاتهم الشهرية عشية العيد بسبب انعدام السيولة. زيادة على حالة تذمر واسعة وسط السكان بسبب انقطاع مياه الشرب والكهرباء منذ أسابيع. وقد دفعت حدة الأزمة خلال أيام عيد الأضحى سكان بعض الأحياء الشعبية للخروج إلى الشوارع للاحتجاج.وبحسب ما دار في الاجتماع، فإن السلطات العليا للبلاد ترى أن «بعض الظواهر التي نغصت حياة المواطنين، تمت بفعل فاعل»، لكن من دون تحديد المسؤول، وهو ما ترك انطباعاً بأن رئيس الجمهورية يرى أنه مستهدف شخصياً من طرف جهات في السلطة تعارض استمراره في الحكم، الذي وصل إليه نهاية العام الماضي. وبذلك عادت «نظرية التآمر» لتتصدر الخطاب الحكومي من جديد، كلما واجهت السلطة مشاكل وصعب عليها حلها، بحسب بعض المراقبين.وكان الرئيس تبون قد أمر أول من أمس رئيس الوزراء، عبد العزيز جراد، بـ«فتح تحقيق فوري في أسباب الحوادث التي وقعت خلال الأيام الأخيرة، والتي كان لها أثر سلبي على حياة المواطنين والاقتصاد الوطني».وصرح جراد في مساء اليوم نفسه لصحافيين بالعاصمة بأن «الحوادث الجارية أعمال مدبرة، الهدف منها إحداث فتنة وضرب الاستقرار»، من دون أن يذكر من «المدبر». كما قال أيضاً: «من الغرابة أن تقع ثلاث عمليات في شهر واحد، ومؤكد أنها مست بالاستقرار، وأفرزت مشاكل في علاقة المواطن بالسلطات العمومية»، مذكراً في هذا السياق بنقص الأموال في البنوك ومكاتب البريد، وانقطاع المياه والحرائق، التي خلفت موجة حرارة شديدة.وأكد رئيس الوزراء أن مراكز البريد شهدت سحب أربعة آلاف مليار سنتيم الشهر الماضي، «وهو رقم هائل... ولكن ذلك لا يعني عدم وجود نقائص إدارية تخص تسيير مكاتب البريد»، مشيراً إلى أنه «استغرب تصرفات مواطنين يسحبون الأموال يومياً، وبعد التدقيق في القضية، تمت ملاحظة نوع من المؤامرة لإحداث انقطاع في السيولة النقدية في الأيام الأخيرة التي سبقت عيد الأضحى... توجد خلفية لهذه الظاهرة لا بد من البحث عنها، وفي انتظار النتائج النهائية للتحقيق، هناك مؤشرات تفيد بأن هذه العملية خبيثة ترمي إلى خلق البلبلة في صفوف المواطنين». وأضاف بخصوص الحرائق أن قوات الأمن ألقت القبض على أشخاص بباتة (شرق) «متلبسين بجريمة حرق غابات عمداً».وكان الرئيس تبون قد شجب في 26 من الشهر الماضي «أيادي إجرامية قامت بإخراج جثث من المستشفيات (موتى جراء كورونا) وعرضها في الشارع، وإفراغ خزانات الأكسجين، بهدف التشكيك بقدرات السلطات في تسيير الأزمة الصحية، وإدخال اليأس في نفوس الأطباء وأفراد السلك الطبي».وفي حين تفسر الحكومة المشاكل التي تواجهها بـ«تآمر أطراف خفية عليها وعلى البلاد»، تعالت أصوات مطالبة بإقالة الوزراء، الذين تعرف قطاعاتهم اختلالات خطيرة، ومنهم وزير البريد ووزير الموارد المائية.وقال الكاتب الصحفي نجيب بلحيمر بخصوص موقف الحكومة من الأزمة الخانقة: «هل من مصلحة البلاد في الظرف الحالي أن يركن الرسميون إلى نظرية المؤامرة؟ وهل يخدم اقتناع المواطنين بوجود مؤامرة استقرار البلاد؟ بالنسبة للسياسي الفاشل الذي لا يملك رؤية، ولا يستطيع بلورة حلول تمثل نظرية المؤامرة ملاذاً، فإن الذي يهمه هو التنصل من المسؤولية، ودفع شبهة الفشل. أما ثمن ذلك فلا يهم. وهذا الخيار يعني ببساطة أن الذين يشغلون الوظائف السامية يرفضون أن يتحملوا مسؤولية المناصب، التي يتولونها اليوم، وهذا يطرح مشكلة أخلاقية وسياسية كبيرة، فضلاً عن أنه ينذر بفشل كبير في التسيير، سيزيد في تعقيد الوضع الذي سيكون أكثر صعوبة في الأشهر والسنوات المقبلة».وأضاف بلحيمر موضحاً أن إقناع الجزائريين بأن كل ما يرونه من سوء تسيير «هو فعل أطراف، سيكرس الاعتقاد باستحالة القضاء على تلك الأطراف الخفية، بل إن نظرية المؤامرة توحي بقوة خارقة لتلك الأطراف تصبح معها كل مؤسسات الدولة، وأجهزتها الأمنية، عاجزة وفاشلة، وليس في العالم سلطة تريد أن ترسم للبلد الذي تحكمه هذه الصورة المخيفة».
مشاركة :