أكد إبراهيم الجروان عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك اهتمام أبناء الجزيرة العربية منذ القدم بمطالع النجوم والنظر فيها ومعرفة منازلها، لارتباطها بحياتهم اليومية في الليل والنهار، فهم يعرفون من خلالها دخول فصول السنة وأوقات نزول الأمطار، وأوقات البرد والحر، ومن خلال حساب النجوم يعرف أهل القرى والفلاحون متى يحرثون أراضيهم، ومتى يبذرون استعدادا لنزول المطر، وأهل البر يعرفون مواسم الرعي والسفر، ويعرف أهل البحر مواسم الصيد البحري والسفر. وقال إن نجم سهيل الذي تستبشر بطلوعه العرب بجلاء القيظ وشدة الحر وإقبال الربيع والمطر، هو من ألمع نجوم السماء وسهيل عند العرب، فهو "البشير اليماني"، وله عندهم عدة أسماء، فهم يسمونه نجم اليمن ويسمونه سهيل اليماني أيضا، وسبب نسبته إلى اليمن كونه يطلع من جهة الجنوب ويظهر مقابلا للنجم القطبي الشمالي، فهو يشير إلى جهة الجنوب، أما القطب الجنوبي نفسه فلا يظهر في سماء الإمارات، وعلى كل حال لا يوجد نجم معين يدل على اتجاه النجم الجنوبي كما هو الحال في القطب الشمالي. وأضاف إن نجم سهيل عرفه العرب منذ قديم الأزمان، وكان له حضور في أشعارهم وأمثلتهم، كما اعتبر جزءا من وعيهم المناخي والفلكي، حيث حسبوا من خلاله، موعد انكسار شدة الحر وتغير المناخ نحو الاعتدال مشيرا إلى أن سهيل في المفهوم الفلكي نجم لامع من القدر الأول " تقسم أقدار النجوم المرئية إلى ستة أقدار أوضحها النجوم من القدر الأول وأخفتها من القدر السادس" ، وثاني ألمع نجوم السماء بعد الشعرى اليمانية ويبعد عن الأرض ما يقارب 313 سنة ضوئية. ويستمر وجود النجم "سهيل" فوق الأفق بالنسبة لمناطق وسط شبه الجزيرة العربية لفترة تقارب ثمانية أشهر ونصف تقريبا، لمدة تقارب 7 ساعات يوميا، وقد تكون هذه الساعات خلال النهار، فلا يرى أبدا "من بداية شهر مايو إلى منتصف شهر أغسطس"، وقد تكون هذه الساعات أو جزءا منها خلال الليل، ففي سبتمبر وأكتوبر يشاهد آخر الليل، وفي ديسمبر ويناير يشاهد طوال الليل، وفي مارس وإبريل يشاهد أول الليل، "حيث يتقدم طلوعه وغروبه حوالي ساعتين كل شهر". وبسبب موقعه في أقصى الجنوب فإن رؤيته غير ممكنة في البلاد التي تتجاوز دائرة العرض " 38 " درجة شمالا، و يكون أقصى ارتفاع له في الإمارات عن الأفق الجنوبي بحوالي 13 درجة تقريبا، ويستمر ظهوره حتى نهاية فصل الشتاء في منطقة الجزيرة العربية. وأوضح إبراهيم الجروان أنه نظرا لوقوع الجزيرة العربية على حدود 12.5 درجة شمالا، جنوب اليمن، إلى 30 درجة شمالا عند العراق، وتقع الإمارات على دائرة عرض 25 درجة شمالا في المتوسط، وبناء على الحسابات الفلكية فإن نجم سهيل يكون وقت طلوعه مقترنا بوقت طلوع الشمس في الإمارات بتاريخ 11 / 12 أغسطس، أي أنه يكون مماسا للأفق الجنوبي ذلك الوقت، ولا يمكن رؤيته في هذا التاريخ أو قبله ، ثم يتقدم عن الشمس حتى يصل إلى ارتفاع 5 درجات فوق الأفق الجنوبي عند طلوع الشمس "وأقل مسافة عن الشمس للنجم المرئي يوم 24 أغسطس"، ويكون بعد هذا الوقت مرئيا عند الشفق الصباحي قبل طلوع الشمس بمدة لا تقل عن 20 دقيقة وذلك عند أجواء الرصد المثالية. وقال إنه من الصعب رؤية نجم سهيل في عروض الإمارات قبل يوم 17 أغسطس كما هو متعارف عليه عند البعض كموعد لرؤية "سهيل" وبالبحث و التقصي و السؤال ، لم يثبت لي أحد في الإمارات مشاهدته للنجم سهيل قبل 20 أغسطس ، وانما يربطون طلوع سهيل ببعض التغيرات في الأجواء و التغيرات الطبيعية في البيئة المحلية ،والتي تحدث خلال النصف الثاني من أغسطس، وليس بالرؤية الفعلية للنجم. وهناك فرصة رؤية نجم سهيل في جنوب اليمن مع بداية أغسطس، وفي ظفار وعسير خلال الأسبوع الأول من أغسطس، ووسط الجزيرة العربية بحدود 24 أغسطس، أما شمال الجزيرة العربية فيمكن مشاهدته بدءا من يوم 8 سبتمبر. وأضاف أن العرب عدت الفارق بين رؤيته في الحجاز، ورؤيته في العراق، قرابة 20 يوما، وبين رؤيته في اليمن ورويته في الشام قرابة 40 يوما حيث يرى بجميع مناطق جزيرة العرب، لكنه لا يرى في أرمينيا، أو تركيا. وقال انه مع طلوع "نجم سهيل"، يبدأ التقويم الخاص بأهل الخليج والمعروف بـ"الدرور" وهذا التقويم ببساطة يقسم السنة إلى أربعة أقسام كل قسم مئة يوم ، "مئة الصفري " أو الخريف، و"مئة الشتاء"، و"مئة الصيف" أو الربيع، وثم "القيض" وهو وقت شدة الحر لها 65 يوما تكتمل فيها السنة، وكل عشرة أيام منها تسمى "در". ورغم الاختلاف في تحديد الموعد الدقيق لطلوع سهيل في عموم الجزيرة العربية وهو بين 15 أغسطس و25 منه هو اختلاف بسيط، لا يقلل من فعالية التقويم وتطابقه مع حالة الجو والبحر ومواعيد الزرع والحصاد. وحول موسم الصفري أو الصفرية أوضح الجروان أن الصفري هو الخريف، وقيل الموسم الذي يلي طلوع "سهيل" في الجزيرة العربية، وتعود تسميته بالصفري إلى أن العرب كانت تقول للأول صفرا أو أصفر أو يصفر، وقيل غير ذلك.. وتمتد "الصفرية" أو "الصفري" ما بين انقضاء القيظ وإقبال الشتاء، أو ما بين إدبار الحر وإقبال البرد، قيل: أول الصفرية طلوع سهيل وآخرها طلوع السماك "في نهاية أكتوبر"، كما يرى بعض العرب الصفرية المنازل الثلاثة بعد طلوع سهيل وهي "الجبهة والزبرة والصرف"، ويعد البعض المائة الأولى من " حساب الدرور" كلها من الصفري "عشر صفري، عشرين صفري، ثلاثون صفري" إلى انقضاء المائة الأولى أو مائة صفري في نهاية نوفمبر. ومع ظهور نجم سهيل يتزامن مع اعتدال الطقس، وانخفاض درجات ، و يبدأ منخفض الهند الموسمي بالضعف والتراجع جنوبا، وتهب مع طلوع سهيل رياح "الكوس"، وهي رياح جنوبية شرقية عالية الرطوبة، تعمل على تكوين سحب منخفضة على امتداد السفوح الشرقية لجبال الحجر في عمان والإمارات، قد يصاحبها هطول رذاذ، كما تهب رياح نشطة يطلق عليها "هبايب سهيل" تعمل على تلطيف الجو، وتنشط "الروايح" أو "روايح الصيف"، التي تؤثر على مناطق ما حول جبال الحجر في الإمارات وعمان، ويطال تأثيرها المناطق الجبلية الوسطى في الإمارات من مدينة الذيد إلى مدينة العين، مسببة عواصف محلية ورياح هابطة قوية تصحبها السحب الركامية وهطول الأمطار الرعدية الغزيرة. وخلال الفترة الممتدة من طلوع سهيل إلى حين الاعتدال الخريفي في 23 سبتمبر، يشتد الحر المشبع بالرطوبة، تطلق على ذلك العرب "وعكة" ومن أشهرها "وعكات سهيل" ويطلق عليها أيضا بين المزارعين في الخليج "حرة الدبس" حيث تتم إسالة الدبس من التمر، كما تسمى "حرة المساطيح".. و"المسطاح" مكان تجفيف الرطب ليصبح تمرا. كما تبدأ خلال نفس الفترة "هبايب سهيل" تبدأ بالهبوب وهي رياح رطبة نشطة تعمل على الحد من درجات الحرارة العالية وتلطيف الأجواء. ويتزامن مع ظهور نجم سهيل انخفاض درجات حرارة البحر، حيث تعود معظم الأسماك بكميات كبيرة للاقتراب من السواحل بعد اعتدال الطقس، وكانت قد ابتعدت عنها خلال الصيف لاجئة إلى الأعماق الباردة مبتعدة عن درجات الحرارة المرتفعة خلال القيض، كما يعاود الصيادون الخروج إلى البحر للصيد بعد عزوفهم عنه خلال فصل الصيف، نظرا لارتفاع درجات الحرارة، وقلة المحصول من الأسماك في موسم القيظ الحار مما يؤدي إلى انتعاش أسواق السمك في مختلف مناطق الدولة. وتبدأ أول مواسم الزراعة وابتداء العروة الزراعية الخريفية، حيث تبذر جميع أنواع البذور في المشاتل المحمية عن أشعة الشمس الحارة والرياح الجافة، ابتداء من منتصف أغسطس كزراعة مبكرة، وخلال النصف الثاني من سبتمبر تنقل الاشتال إلى الأرض المستديمة، كما تنقل الفسائل، ومختلف الأشجار، ويحين أوان صرام أصناف كثيرة من النخيل، وتجمع التمور وتخزن، ويصنع الدبس. وتبدأ بعض الطيور المهاجرة في التوافد إلى المنطقة، كما تشاهد خلال النصف الثاني من أغسطس طيور الدخل والخواضير والسمان، ثم تشاهد في سبتمبر طيور الماء والكرك الأكحل والهدهد، وخلال أكتوبر يبدأ والكرك الأصلع والكروان والقطا والحبارى والجوارح في الوافد وتعبر تلك الطيور سماء المنطقة مغادرة نحو الشمال خلال شهري مارس وابريل قبل قدوم الحر. ويتعامد الشعرى وسهيل على الأفق الجنوبي ويتوسطان - إي بلوغ أعلى ارتفاع لها فوق الأفق - جهة الجنوب، سهيل في وسط الجزيرة لا يرتفع أكثر من 13 درجة بينما الشعرى لا ترتفع أكثر من 50 درجة. وتتعامد الشعرى اليمانية "ألمع نجوم السماء" وسهيل "ثاني ألمع نجوم السماء" فوق الأفق الجنوبي فجرا مع منتصف أكتوبر ، ولا يشعر ببرودة الجو فجرا قبل ذلك الوقت "منتصف أكتوبر"، أما شدة البرد فتبدأ مع تعامد الشعرى وسهيل على الأفق الجنوبي منتصف الليل، ومع تعامدهما على الأفق الجنوبي بعد غروب الشمس يكون مع قدوم الربيع ووقت الاعتدال الربيعي بحدود 20 مارس. وسهيل في الموروث الثقافي العربي يعتبر كوكب فرح يستبشر بقدومه، فالعرب تقول "أسعد من سهيل طلعته". وقال راجز العرب " إذا سهيل مغرب الشمس طلع، فإبن اللبون الحق والحق جذع ".. يعني إذا طلع سهيل من الجهة الشرقية مع غروب الشمس ، يكون حال الحول على صغار الإبل ليصبح "ابن اللبون" "حقا "، و"الحق" يصبح "جذعا "، حيث تضع الإبل في نهاية الشتاء حين يطلع سهيل مع غروب الشمس مع منتصف فبراير. وقال الشاعر العربي مالك بن الريب والمتوفى نحو سنة 60 للهجرة، وكان قد طلب من بعض أقرانه رفعه لمكان مرتفع، ليتمكن من رؤية نجم سهيل، كونه مقيما بخراسان ولا يمكن له من هناك مشاهدة ذلك النجم النير.. أقول لأصحابي: ارفعوني فإنه يقر بعيني أن سهيل بدا ليا!. ويقول الشاعر عمر بن أبي ربيعة المخزومي والمتوفى سنة 93 للهجرة.. أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيان هي شامية إذا ما استقلت وسهيل إذا استقل يمان. وقال ذو الرمة.. إذا عارض الشعرى سهيل بجهمة ... وجوزاءها استغنين عن كل منهل. وتقول الأسطورة العربية بأن سهيلا ، من فتيان اليمن ، وهو زوج الجوزاء كما في بعض الروايات و أخو الشعريان و في روايات أخرى يقال أيضا انه زوج الشعرى، و كان عشارا يأخذ العشر ويجبي الضرائب ، ويقطع الطريق، أحب سهيل اليماني فتاة حسناء شامية من أهل الشمال هي شقيقة لستة فتيات حسان، هن بنات نعش، وكان لنعش سبع بنات حسان ،ولما ذهب إلى ابيها اختلف سهيل مع أبيهن فقتله، فحزن على مقتل أبيهن وأقسمن أن لا يدفن جثته إلا بعد أن يدركن القاتل ويأخذن بثأر أبيهن ، فحملت أربع فتيات منهن جثمان أبيهن، بينما سارت الثلاث الأخريات خلف النعش، وكانت إحداهن حامل، والأخرى برفقة طفل صغير، وثالثتهن عرجاء تمشي الهوينا يطلبن القاتل. هرب سهيل إلى الجنوب ، وانحدر نحو اليمن فصار يمانيا ، شقيقتا سهيل "الشعري الشامية" و"الشعري اليمانية" لحقتا به، واستطاعت اليمانية أن تعبر النهر بالسماء "نهر المجرة أو درب التبانة" واقتربت منه، إلا أن الأخت الأخرى "الشامية" بسبب وهنها وضعفها لم تستطيع أن تعبر النهر، وبقيت في مكانها شمالي النهر وراحت تبكي على أخيها دهورا حتى "غمصت" عيناها، وتسمى الآن الشعري الشامية او "الغميصاء". واطلق الإغريق على سهيل اسم "كانوبوس - Canopus" وهو بطل إغريقي وقائد أسطول بحري. كما استعان البحارة الصينيون أيضا في وجهتهم إلى بحار الجنوب بالنجم سهيل مسترشدين به، وكان بمثابة نجم قطبي جنوبي. تابعوا فكر وفن من البيان عبر غوغل نيوز طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :