تتبع دولة الإمارات عموماً ودبي خصوصاً نهج الاستدامة في قطاعات كثيرة، وما زال هناك الكثير من التحديات أمام تطبيق هذه المفاهيم على قطاعات تأسيس الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ويرى الدكتور عماد سعد مستشار الاستدامة والمسؤولية المجتمعية للأعمال، رئيس مجلس إدارة مجموعة نايا للتميز أن دولة الامارات منذ تأسيسها قد وضعت نصب عينيها تطبيق نهج الاستدامة في خطتها الاستراتيجية حيث نراه جلياً في رؤية الإمارات 2021 واستراتيجية أبوظبي 2030 أو خطة دبي 2021 وغيرها. فالتطبيق الزامي في القطاع الحكومي (ولو انه يمشي ببطء بسبب الفجوة المعرفية في المؤسسات الحكومية) أما القطاع الخاص فالتطبيق اختياري لكن في ازدياد مضطرد على اعتبار أن اقتصاد الامارات لم يعد ينافس على المستوى الاقليمي بل على المستوى الدولي. ما استدعى من الشركات الكبرى أن تطبق معايير الاستدامة لأنها تشكل لها قيمة تنافسية على الساحة الدولية. فلو نظرنا إلى خطة دبي 2021 نجد أن لها ستة محاور أساسية منها محور (مدينة ذكية ومستدامة) أي مستدامة في مواردها وذات عناصر بيئية نظيفة وصحية ومستدامة، وذات بيئة حضرية آمنة وموثوقة. كما أن ارتفاع مؤشر السعادة في دبي يدل على تطبيق جيد لنهج الاستدامة. فالتنمية المستدامة نهج دبي عاصمة الاقتصاد الأخضر. ولو نظرنا إلى الفكر البيئي لدى قيادتنا الرشيدة بدولة الإمارات لوجدنا أن فكر الاستدامة هو محور أساسي في كافة الخطب والمواقف والإنجازات على مختلف الصعد، حيث نرى المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان يقول في أكثر من مكان إن حماية البيئة مسؤولية الجميع مواطنين ومقيمين وإن حماية البيئة هي اهتمام أصيل وراسخ في حياتنا، وإن حماية البيئة ليست شعاراً بل هي جزء لا يتجزأ من تاريخنا وتراثنا ونمط حياتنا. كما نجد رؤية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله أن التنمية المستدامة واجب وطني وليست ترفاً فكرياً، وأن خيار الاقتصاد الأخضر مكونٌ أساسي من الفكر الاستراتيجي للدولة، وهذا ما نصت عليه بوضوح رؤية الإمارات 2021 وأن خير الشعوب واستقرارها يتحققان في التركيز على التنمية المستدامة، ولا شيء غير التنمية المستدامة. ويقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الإمارات تركز على الاستثمار بالبشر قبل الحجر لتحقيق التنمية المستدامة. كما يعتبر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أن استدامة المجتمع جزء أساسي من فلسفة ومنهج عمل حكومة أبوظبي وفق الرؤية الاستراتيجية 2030. ماذا تعني الاستدامة لرائد الأعمال، وهل تشكل عبئاً وتكاليف إضافية عليه؟ الاستدامة لا تشكل عبئاً على رائد الاعمال بشكل عام شرط أن تتوفر لديه معرفة بمتطلبات ومعايير الاستدامة ورؤية استراتيجية لمستقبل الأعمال على مستوى المنطقة والعالم. لأن تطبيق متطلبات الاستدامة لرائد الأعمال بالنسبة له هو استثمار في المستقبل عبر تمكين أعماله من مجاراة بل منافسة الشركات المماثلة له حول العالم. لأن الاستدامة تعتبر أحد مؤشرات التنافسية الدولية لريادة الأعمال. أما بما يخص واقع الحال في دولة الإمارات فإنني استطيع القول إن الشركات الكبرى بدأت منذ أكثر من عقد تطبيق متطلبات ومعايير الاستدامة بشكل منهجي وأصبح لتطبيقاتها بعد اجتماعي ملموس وهو ما يعرف بالمسؤولية المجتمعية للشركات، انتهى بها الأمر أن أصدرت تقارير استدامة وفق متطلبات مبادرة الميثاق العالمي GRI. وهذا دليل على مستوى عال من المسؤولية نحو اقتصاد تنموي مستدام مسؤول عن مجتمعه ومحافظ على بيئته. وهذه الشركات لا تشكل أكثر من 3% من اجمالي عدد الشركات. في حين أن الغالبية العظمى من شركات القطاع الخاص (الصغيرة والمتوسطة) مازالت تتعثر في تطبيق متطلبات ومعايير الاستدامة، والسبب الرئيسي وجود فجوة معرفية وغياب المبادرات المسؤولة عن الأخذ بيد تلك الشركات، بمعنى آخر نحن بحاجة الى صناديق وطنية لدعم استدامة الأعمال في القطاع الخاص، وهذه مسؤولية مشتركة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص. دمج وما الذي تعنيه الاستدامة لوسط الأعمال ككل، وهل تملك المشاريع المستدامة ميزات تنافسية على المشاريع غير المستدامة؟ هنا يمكنني أن استشهد بمقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي حفظه الله ورعاه، عندما طرح مبادرة استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء تحت شعار اقتصاد أخضر لتنمية مستدامة فقال إن هدفنا (بناء اقتصاد يحافظ على البيئة وبيئة تدعم نمو الاقتصاد). فالتنمية المستدامة هي التسمية التي باتت تطلَق على دمج الاعتبارات البيئية بالتخطيط التنموي. أي اقتصادا تنمويا يحافظ على البيئة ومسؤولا عن المجتمع ولهذه التنمية أبعاد ثلاثة كما قلنا النموّ الاقتصادي، التطوّر الاجتماعي، الحماية البيئية. دعنا نأخذ مثالاً بسيطاً عندما تريد شركة ألبسة لا على التعيين أن تنتج سلعة ما ولتكن ألبسة قطنية فلكي نعتبر أنها تطبق معايير الاستدامة يجب ان تثبت بشفافية عالية أن صناعة تلك الألبسة تعتمد على التجارة العادلة للمادة الخام ألا وهي القطن، أي أن زراعة وتصنيع القطن لا يوجد فيها عمالة أطفال خارجة على القانون الدولي مع ما يثبت أن تلك الصناعة تحافظ على البيئة، وهذا ما يعرف بسلسلة التوريد التي لها علاقة ودور كبير في تطبيق متطلبات الاستدامة. عندها تكون تلك الصناعة (الألبسة القطنية) مستدامة وتستطيع أن تفاخر بتلك الصناعة بل تشكل لها قيمة تنافسية. فتطبيق متطلبات الاستدامة أصبح اليوم قيمة تنافسية دولية بين الشركات، وجواز سفر يشكل لها مصدر حماية في الظروف الصعبة. معايير هل بالإمكان تطبيق مفاهيم الاستدامة على القطاعات كلها، بما فيها الابتكارية والتكنولوجية؟ الاستدامة منهج اداري افقي يتقاطع مع كافة الاختصاصات في الحياة العامة والخاصة للمؤسسات الحكومية والشركات الخاصة والجمعيات ذات النفع العام وحتى الافراد. لذلك يمكن لكافة القطاعات أن تطبق معايير الاستدامة سواء كانت قطاعات ادارية او انتاجية او خدمية. أما لو ذهبنا الى ساحة الابداع والابتكار فسوف نجد الاستدامة لها حصة الأسد من حيث إن أي ابتكار لا يلتزم بمتطلبات الاستدامة والمسؤولية المجتمعية لا يمكن اعتباره ابتكاراً بل فقاعة صابون وهذا ما هو حاصل في بعض المؤسسات والسبب عدم وجود بيئة حاضنة تملك رؤية مستدامة تشجع على توليد افكار ابداعية بشكل مؤسسي وليس طفرة فردية. فالابتكار على قاعدة مؤسسية وحاضنة ايجابية يمكن له ان يستمر ويثمر ولو بعد حين. وهذا ما ندعو إليه ألا وهو مأسسة الابتكار على قاعدة الاستدامة والمسؤولية المجتمعية. بناء على ذلك نرى أن الاستدامة هي أحد العوامل المحفزة للابتكار. الاستدامة التي تبدأ من رؤية واضحة والتزام قوي طويل الأمد من قبل الإدارة العليا بتقديم الحلول على المدى الطويل. ذلك أن تطبيق أفضل ممارسات الاستدامة يدفع الشركة للابتكار استجابة لمتطلبات أصحاب المصالح وكذلك للفوائد التي تجنيها الشركة على المدى الطويل. صناديق تفرض الاستدامة أحيانا صرف مبالغ آنية للحصول على مكاسب مستقبلية أكبر، ولكن ألا يجعلها هذا الأمر حكرا على الشركات الكبيرة القادرة على تخصيص مبالغ إضافية واستثمارها ضمن هامش زمني ممتد؟ نعم تطبيق متطلبات الاستدامة يتطلب في البداية دفع مبالغ إضافية ربما لا تقوى عليها الشركات الصغيرة والمتوسطة، من هنا نكرر ونطالب الجهات الحكومية المختصة بالتعاون مع القطاع الخاص باطلاق صناديق وطنية مسؤولة لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة على تطبيق متطلبات الاستدامة لتأخذ بيدها الى ملعب التنافسية الدولية المسؤولة وتستطيع أن تقف وتصمد امام الشركات العالمية.
مشاركة :