الفرح جريء ولا يستمد فاعليته من فراغ رغم سطوة الواقع الذي قد يكون مريراً كما هو حال بلدان المنطقة العربية وشعوبها الآن. الفرح زاده الأمل المتحرك وفقاً لسنن الكون التي لم توفر عيداً منذ نشوء الأعياد إلا وكان الأمل عراب أعيادها المتوالية. يأتي عيد الفطر المبارك هذا العام والمشهد العام لا يقدم في مجمله سوى فظائع القتل والدمار وتعذر المخارج الآمنة لشعوبه مجتمعات ودول. مشهد يضيف إلى نكبات الماضي أبعاداً أخطر مما حل بالمنطقة وشعوبها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، خطر التفكك المجتمعي على أسس طائفية وعرقية موظف من قوى شيطانية على المستوى الداخلي والاقليمي والدولي. فعن أي فرح وعن أي أمل يمكن الحديث وأول ما يرد على لسان الجميع «عيد بأية حال عدت يا عيد» ؟ . شعوبنا ودولنا ليست بدعاً في هذا الكون. كل شعوب العالم مرت بحروب ودمار ومآسٍ، ولم يقف الأمل مكتوف الأيدي بل قدم في كل عيد من أعياد البشرية فسحة للفرح يلتقط الناس فيها أنفاسهم لاستئناف فروض الأمل والعمل من جديد لشل أيادي الشر والوصول للتفاهم بين البشر الذين أنعم الله عليهم بنعمة العقل على أسس العدل والمساواة بين الإنسان وأخيه الإنسان دون أي تمييز. ومن أجل أن لا ننافق الأمل -وهو بالمناسبة لا يقبل النفاق- يمكن تلمس إشاراته التي قد لا تكون ملموسة لكنها تستند إلى تجارب إنسانية غنية في تجاوز المحن. ففي الحروب الدينية ليس هناك منتصر ومهزوم ونتائجها كانت موت ملايين الناس، والحل كان استبدال الهويات المتعددة بهوية المواطنة الحقة لكل الناس. في بلداننا تتعزز أكثر فأكثر هذه الفكرة. في كل بلداننا رغم قوة الانقسام الطائفي والعرقي على الأرض ونفوذ القوى المنظمة من إرهاب ودول طائفية ومصالح خارجية تتمدد معارضة الإرهاب وتتسع. الفرح في هذا العيد يملك جرأة الأمل. هذا على المستوى العام، وعلى مستوى التحرك الإيجابي في مناطق الصراع، لا يخفى ما تقوم به مثلاً بلداننا الخليجية من تحوّل في أساليب مواجهتها لأخطار الإرهاب على المستوى الأمني وتوطين فكر التعايش بين المكونات المذهبية ومواجهة محاولة الهيمنة الاقليمية على أساس طائفي كما هي الحال في اليمن باتجاه يمن متعدد ومستقل وغير مهدد لأمن جيرانه. وفي سوريا، تقترب أكثر فأكثر نهاية الحكم الشمولي وتتآكل قواه العسكرية والمعنوية ليس فقط على الأرض وإنما في نظر حلفائه الذين -وبالرغم من استمرارهم في دعمه- أصبحوا مقتنعين بعدم إمكانية استمراره كما هو. وفي العراق، هناك حالة وجدانية غير مسبوقة عبر عنها إياد علاوي الزعيم المدني مؤخراً في مقابلة مع قناة العربية مفادها، بأن مخرج العراق مما هو فيه لن يكون إلا عبر العملية السياسية القائمة على تكاتف كل القوى السياسية شيعية وسنية ومسيحية وكردية وعبر القوة العسكرية من جيش وحشد شعبي وعشائر لدحر داعش وبناء عراق مستقل يقضي على إرهاب داعش ويستبعد أي طرف ميليشيوي شيعياً كان أو سنياً. وفي مصر، قد يختلف الكثيرون على توصيف ما يحدث، لكن الكثيرين يقفون مع مصر في حربها على الإرهاب الذي يستهدف إدخالها في حلزون الجنون المبرمج الذي يعصف بدول الجوار. حتى في ليبيا، تتراجع أكثر فأكثر محاولات إدامة الأزمة بالرغم من أنها من أكثر المناطق تعقيداً إلا أن مشاعر استعادة الدولة الليبية تتقدم. وفي بلادنا المملكة العربية السعودية الأغلى على العقل والوجدان تتشكل معالم سياسة جديدة روحها الشباب وعقلها التجربة، تواجه مستجدات المرحلة بسياسة غير تقليدية تقدّم مصالح دولة بحجم السعودية بشكل غير مسبوق على مستوى الإدارة الداخلية القائمة على معيارية المواطنة وعلى مستوى دولة لها مكانتها ومصالحها وضرورات أمنها الوطني على المستويين الاقليمي والدولي. وإذا أضفنا إلى ما تقدم ما يحدث في تونس والمغرب لمصلحة الأمل، يكون الفرح بعيد الفطر المبارك ليس فقط مبرراً بل ضرورياً. ولأننا شعوب مسكونة بالألم، فمن العدل وبما تفرضه واجبات الأمل، ان ننحني إجلالاً لمشاعر من يكتوون بالقتل والتعذيب والتشريد في المناطق المنكوبة مؤكدين لهم أننا مسئولون جميعاً عما يحدث. كاتب ومحلل سياسي
مشاركة :