لطالما كان الخطاب والتصرفات العدائية سمة مشتركة للجغرافيا السياسية الإيرانية مع جيرانها منذ عقود، حيث تسعى إلى تصعيد التوترات في المنطقة لتحقيق أهدافها. وآخر مثال قيامها بمناورات عسكرية كبيرة في مضيق هرمز، مستخدمة مجموعة متنوعة من السفن والصواريخ شائعة الاستخدام في المناورات البحرية، وتم استخدام حاملة طائرات أمريكية وهمية كهدف للتدريب. وبالنظر إلى المرور المشترك لسفن أمريكية مماثلة عبر المضيق الضيق، فإن هذا التحرك يعد بمثابة استفزاز واضح لواشنطن، ويهدف إلى مزيد من التصعيد في الخليج.ووفقا للعديد من المراقبين فإن المناورات الأخيرة تشكل جزءًا من محاولات طهران زعزعة أمن واستقرار المنطقة. وفي 28 يوليو2020 بدأت إيران مناوراتها العسكرية الأخيرة، بمشاركة وحدات من البحرية، والقوة الجو فضائية. واشتملت المناورات، التي أطلق عليها اسم «الرسول الأعظم 14»، على إطلاق صواريخ باليستية من صوامع تحت الأرض، وهي عملية التُقطت بواسطة طائرات مسيرة وبُثت على التليفزيون الإيراني الرسمي. وادعى قائد القوة الجوفضائية في الحرس الثوري الإيراني أن هذه هي المرة الأولى التي تُنفذ فيها عملية لإطلاق الصواريخ بهذا الشكل.ومع ذلك، كان الجانب الملفت في المناورة العسكرية هو استخدام حاملة طائرات أمريكية وهمية للتدريب عليها كهدف من قبل الصواريخ والقذائف الإيرانية. وقبل إجرائها، كشفت صور الأقمار الصناعية التي حصلت عليها الشركة الأمريكية (Maxar Technologies) أن البحرية الإيرانية قامت ببناء وسحب حاملة الطائرات الوهمية إلى مضيق هرمز من ميناء بندر عباس. وتشبه السفينة المزيفة، التي يبلغ طولها 200 متر وعرضها 50 مترًا، إلى حد كبير حاملة طائرات أمريكية من فئة نيميتز، وكانت حوالي 2/3 من حجم هذه السفينة الأمريكية، وبالإضافة إلى هيكل حاملة الطائرات، تم وضع 16 طائرة مقاتلة أمريكية وهمية على سطحها.ومن الثابت أنّ استخدام حاملة طائرات أمريكية وهمية يعد إجراء متعمدًا من قبل الجيش الإيراني لتهديد البحرية الأمريكية في المنطقة. ومؤخرًا عبرت العديد من حاملات الطائرات التابعة للبحرية الأمريكية مضيق هرمز، ومن بينها حاملة طائرات من فئة نيميتز، وحاملة «يو إس إس أبراهام لينكولن»، وحاملة «يو إس إس دوايت أيزنهاور». وكانت حاملة الطائرات «يو إس إس نيميتز» نفسها قد عبرت قبلها بوقت قصير إلى الشرق الأوسط بعد أن سافرت من المحيط الهندي. ومن جانبها، علقت المتحدثة باسم الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية «ريبيكا ريباريتش» قائلة: «لا يمكننا التحدث عما تأمل إيران أن تكسبه من خلال بناء نموذج حاملة الطائرات هذه، أو تحديد الفائدة التكتيكية التي تأمل أن تكسبها باستخدام مثل هذه النماذج في سيناريو التدريب أو المناورات.. نحن لا نسعى إلى الصراع، لكننا على استعداد للدفاع عن القوات والمصالح الأمريكية من التهديدات البحرية في المنطقة».وخلال المناورة أُطلقت صواريخ تجاه حاملة الطائرات الوهمية من السفن والمروحيات. بالإضافة إلى ذلك سارعت قوات الكوماندوز بالنزول على الحبال من المروحيات المقاتلة إلى سطح حاملة الطائرات الوهمية، وأجرت سفن البحرية تكتيكات «الأسراب»؛ حيث يفتعلون الأمواج البيضاء خلفهم مما يُعطل حاملة الطائرات ويبطئ حركتها.وفي واقع الأمر، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تبني فيها إيران حاملة طائرات أمريكية وهمية لغرض مناوراتها العسكرية. وخلال مناورة أجرتها عام 2015, وكانت تُسمى «الرسول الأعظم 9»، هاجمت البحرية الإيرانية أيضًا حاملة مزيفة بالقوارب السريعة والقذائف وصواريخ أرض-بحر. وفي وقت هذه المناورة، استنكر قائد البحرية الإيرانية آنذاك، فائدة هذه الحاملات الوهمية، معلقًا بقوله: «حاملات الطائرات الأمريكية هي مستودعات ذخيرة كبيرة للغاية تحتوي على الكثير من الصواريخ والقذائف والطوربيدات وكل شيء آخر».ومع قصف الحاملة الأمريكية الوهمية بالصواريخ والقذائف، احتفل الجيش الإيراني بنجاحه الواضح. وقال القائد العام للحرس الثوري: «ما تم عرضه في هذه المناورات، على مستوى القوات الجوية والبحرية، كان كله هجوميًا». ومن جانبه، قال نائب قائد العمليات العسكرية الإيرانية: «تم استخدام بعض المعدات والأسلحة المفاجئة، مثل الصواريخ الباليستية بعيدة المدى القادرة على ضرب أهداف عائمة هجومية في نطاق مداها».من ناحية أخرى، يعد قرار إجراء التدريبات العسكرية في مضيق هرمز، استفزازا كبيرا لبقية العالم من قبل إيران. ويمر عبر المضيق الذي يعد ممرا مائيا مهما واستراتيجيا 20% من صادرات النفط الخام في العالم؛ وبالتالي فإن أي عملية تهدف إلى السيطرة على الممر تشكل تهديدًا كبيرًا للتجارة في منطقة الخليج وللمصالح الأمريكية هناك. وفي الماضي، هددت طهران باستهداف وتدمير السفن الحربية الأمريكية في الخليج وكذلك منع الوصول إلى المنطقة. وفي المقابل عكس الرد الأمريكي على المناورات هذه المخاوف. وردا على إطلاق إيران للصواريخ البالستية خلال المناورة، أعلنت قاعدة «الظفرة» الجوية في الإمارات العربية المتحدة حالة التأهب القصوى، وكذلك القيادة المركزية الأمريكية، الواقعة في قاعدة العُديد الجوية في قطر. وصرحت المتحدثة باسم القيادة المركزية، «بيث ريوردان»، في وقت لاحق بشأن قرار رفع مستوى التأهب بأن «الحادث استمر دقائق، وتم الإعلان بوضوح بعد انتهاء التهديد». فيما أدانت البحرية الأمريكية الجيش الإيراني بسبب «سلوكه غير المسؤول والمتهور». وأعلنت المتحدثة باسم الأسطول الخامس الأمريكي أن «البحرية الأمريكية تقوم بتدريبات دفاعية مع شركاء خارجيين لتعزيز الأمن البحري لدعم حرية الملاحة. بينما تقوم إيران بتدريبات هجومية، في محاولة للترهيب والإكراه»، مؤكدة أن العملية «لم تعطل عمليات التحالف في المنطقة، ولم يكن لها أي تأثير على التدفق الحر للتجارة في مضيق هرمز والمياه المحيطة بها». وبالمثل، انتقد «بيل أوربان»، من «القيادة المركزية الأمريكية»، إجراء عمليات عسكرية بالقرب من الممر الملاحي المزدحم. وعلق بقوله: «سلامة أفراد جيشنا وشركاء التحالف أولوية قصوى.. الولايات المتحدة تدين عمليات إطلاق الصواريخ بشكلٍ غير مسؤول بالقرب من الممر البحري المكتظ بحركة الملاحة».وعلى الصعيد السياسي أشار الممثل الأمريكي الخاص لإيران، «بريان هوك»، إلى «مشكلة واشنطن المستمرة مع النظام» في طهران، قائلاً: «نود أن نرى النظام الإيراني يقضي المزيد من الوقت في الدبلوماسية، ووقتا أقل في الأعمال العسكرية المثيرة، إذ يعتمد جزء كبير من سياستها الخارجية على الترهيب والتهديدات».من جانب آخر، يعد قرار إجراء تدريبات عسكرية كبيرة واستفزازية خلال فترة من التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط هو علامة أخرى على موقفها العدائي تجاه دول أخرى ذات سيادة. علاوة على ذلك، تعد هذه المناورات أحدث حلقة في سلسلة طويلة من الحوادث التي تنخرط فيها والتي تهدد أمن المنطقة. وفي أبريل2020 أطلقت قمرًا عسكريًا في الفضاء، يُطلق عليه اسم «نور»، ويدور على مسافة 425 كيلومترًا من الأرض، وقد تم استخدامه للمراقبة خلال التدريبات الأخيرة، وبالتالي زود طهران بقدرة عسكرية لم تكن تمتلكها من قبل. وفي وقت إطلاق القمر الصناعي علق «مايكل هورويتز» من وكالة استشارات المخاطر (LeBeck International) قائلاً: «من المرجح أن تراقب واشنطن هذا التطور عن كثب إذ يرتبط برنامج الفضاء الإيراني بشكل وثيق ببرنامجها الصاروخي والنووي.. إذا كانت قادرة على إطلاق أقمار صناعية عسكرية ثقيلة، فقد تكون قادرة أيضًا على تحميل رؤوس حربية نووية على صواريخ عابرة للقارات».وردت الولايات المتحدة على أعمال إيران العدوانية المتزايدة من خلال سعيها لتمديد حظر الأسلحة المفروض عليها من قبل الأمم المتحدة. وصرح المبعوث الخاص، «هوك»، بذلك في خطاب ألقاه في قطر يوم 26 يوليو 2020 قائلاً: «لقد تحدثت مع القادة هنا في الخليج وحول العالم، ولا أحد يرى أن إيران يجب أن تكون قادرة على شراء وبيع الأسلحة التقليدية بحرية مثل الطائرات المقاتلة.. إذا فشل مجلس الأمن في تمديد حظر الأسلحة بحلول 18 أكتوبر ستكون قادرة على شراء وبيع هذه الأسلحة بحرية».على العموم، إن استخدام حاملة طائرات أمريكية وهمية كهدف للصواريخ في مناورات إيران الأخيرة هو دليل واضح على استمرار رغبة طهران في إثارة تصعيد عسكري مع خصومها، مما يهدد أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط بأكمله. وبينما تُفَضِل العمل على دعم الجماعات العميلة لتحقيق هدفها المتمثل في زعزعة الاستقرار في بعض دول المنطقة لمصلحتها الخاصة لا تزال أيضًا ملتزمة بتعزيز قدراتها العسكرية بشكلٍ لا يمكن إنكاره. ومن غير المرجح أن يتغير هذا الموقف بغض النظر عما إذا كان سيأتي رئيس أمريكي جديد في عام 2021 أم لا، وبالتالي فإن أي احتمال لخفض التصعيد في المنطقة يبقى نظريًا أفضل الأحوال في المستقبل القريب.
مشاركة :