بلسَم الرئيس ماكرون في زيارته جراح المواطنين وأعطاهم بعضاً من أمل كان مفقوداً بالكامل، وأحرج السلطة اللبنانية التي يبدو أنها تعرضت لـ “لتأنيب فرنسي” يُفترض أن تظهر مفاعيله لاحقاً، حيث حرص ماكرون على بدء زيارته بجولة تفقدية للمتضررين والمتطوعين في شارع الجميزة، الذين عبروا عن مكنوناتهم السلبية تجاه مسؤوليهم الذين لا يجرؤون وهم أصحاب السلطة والنفوذ والحرس الشخصي على القيام بأي جولة من هذا النوع، ولعل ما حصل مع وزيرة العدل ماري كلود نجم التي زارت الجميزة من هجوم صاعق كان أكبر دليل على كيفية تعاطي اللبنانيين مع مسؤوليهم، ثم باشر ماكرون لقاءاته الرئاسية التي تضمنت نوعا من “التأنيب” على ما وصل إليه لبنان وعلى ما ترتكبه السلطة بحق شعبه. يبدو أن الانفجار النووي في مرفأ بيروت، قد أعاد وصل ما انقطع بين لبنان ودول العالم، فحضر ماكرون باسم المجتمع الدولي ليعيد الدرس على السلطة اللبنانية علَّ “التكرار يعلم الشطار” وعلَّه يكون “في الإعادة إفادة”، حيث جدد القول: “ساعدوا أنفسكم لكي نساعدكم.. بادروا الى تقديم الاصلاحات على السياسة، وباشروا بالأمور البسيطة وفي مقدمتها إصلاح الكهرباء والتدقيق المالي”، وفي ذلك رسالة واضحة الى كل من يعنيهم الأمر في لبنان بأنكم لا تقدمون لشعبكم شيئاً حتى أقل مستلزماته وحاجاته، وأن التلهي بالفساد والسمسرات والمحسوبيات والمصالح الشخصية قد تقدمت على كل مصالح اللبنانيين الذين قتلهم الإهمال ودمر عاصمتهم بوضع قنبلة نووية موقوتة في الأماكن المأهولة. زيارة ماكرون الخاطفة الى لبنان أكدت المؤكد بالنسبة له، خصوصاً أن ماكرون كرر على مسامع المجتمع المدني تمسكه بالآليات الدستورية والديمقراطية، مؤكداً أنه يتعاطى اليوم مع السلطة التي اختارها الشعب اللبناني. نتيجة لكل ذلك، كان ماكرون واضحاً وصريحاً مع المواطنين الذين التقاهم حيث أكد لهم أن وجوده في لبنان ليس دعماً للحكم والحكومة والنظام، بل هو دعم للشعب اللبناني الذي يحق له أن يطالب بلجنة تحقيق دولية لمعرفة ماهية الانفجار وأسبابه، وأن المساعدات الفرنسية ستكون للمواطنين، وأنه لن يتوانى عن الدعوة الى مؤتمر دولي لتقديم المساعدات الانسانية على أن يسبقه تعبئة عامة أوروبية وأميركية للحث على تقديم ما أمكن من الدعم. ترك الرئيس الفرنسي رسائله الشديدة اللهجة في عهدة السلطة اللبنانية، وغادر الى بلاده، على أن يعود الى لبنان مطلع أيلول المقبل ليسأل العهد والحكومة ماذا فعلتما في الفرصة الأخيرة؟ في وقت يرى كثير من اللبنانيين أن “فاقد الشيء لا يعطيه”، وأنه لا بد من التغيير الجذري لهذه المنظومة السياسية التي لا يستطيع أي من أركانها مواجهة الشعب اللبناني أو تفقد الأضرار التي لحقت به جراء الانفجار الذي كان من صنيعة إهمالها، في حين كان الرئيس الفرنسي يصول ويجول بين المواطنين الذين ردوا له التحية بأحسن منها وهتفوا vive la france.
مشاركة :