تجدد حديث الأوساط الثقافية والمؤسسات الرسمية حول مصير الأندية الأدبية، الذي لا يزال مجهولا، لم تحسمه وزارة الثقافة، وتجاذبتها مناقشات وآراء وأطروحات، وصلت بعد تحليل واقعها إلى مطالبتهم بإلغائها، فيما شهدت مطالب ملحة بتطويرها، نظرا إلى تاريخها الممتد، وما تحمله من ذاكرة ثقافية تتجاوز نصف قرن. وفي رصد وتوثيق لواقع الأندية، انتقد عدد كبير من أصحاب الأعمدة وقادة الرأي ومثقفون عدم مسايرتها للحركة الثقافية في المجتمع، والتخلف عن مواكبة "رؤية 2030"، بعد أن عانت فيما مضى مشكلات في لوائحها وانتخاباتها، وعجزا في ميزانيتها المحدودة، المعتمدة على الدعم الحكومي، ونالت انتقادات كثيرة، لعل بعضها استند إلى الأحكام المسبقة، والصورة النمطية التي اتسم بها ناد أدبي، وجرى تعميمها على البقية، أو اتهامات لا تؤدي في محصلتها إلى البناء والتقدم وتحقيق نفع ثقافي. خيار استراتيجي مستدام التقرير السنوي الأول لوزارة الثقافة ناقشته قبل أيام لجنة الثقافة والإعلام والسياحة والآثار تحت قبة مجلس الشورى، وأنصف أعضاء في مداخلاتهم الأندية الأدبية، وتناقلتها وسائل الإعلام، قالت في إحداها الدكتورة حنان الأحمدي "إنها توقفت كثيرا عند الدراسة التي تبنتها الوزارة حول "واقع المؤسسات الثقافية غير الربحية" خاصة الأندية الأدبية، التي توصلت إلى نتيجة مثيرة للتساؤل هي أن تجربة هذه المؤسسات متواضعة، وأن أثرها الثقافي والاجتماعي غير معروف، وأن أحد الخيارات المطروحة بناء على هذه الدراسة هو حل الأندية الأدبية أو إلغاؤها". وقالت الأحمدي "إن هناك أسبابا لتراجع أداء الأندية في الأعوام الأخيرة، منها عدم وضوح مرجعيتها، إذ ظلت لأعوام تتأرجح بين وزارتي الإعلام والثقافة، كما أنها كانت تشكو من ضعف الدعم المقدم إليها، ومن القيود البيروقراطية المفروضة عليها، إلى جانب غياب الرؤية الثقافية الموجهة في القطاع الثقافي عموما، والمناخ الثقافي الذي لم يكن داعما للحراك الإبداعي في السابق"، وترى أن الأندية الأدبية بحسب المادة الثانية من لائحتها المعتمدة هي مؤسسات ذات شخصية اعتبارية مستقلة ماليا وإداريا، واتخاذ قرار بحلها سيدخل الوزارة في دائرة شائكة وغير مجدية من التحديات والإجراءات اللوجستية، لتتساءل: لماذا تبدأ الوزارة من الصفر بينما الخيار الاستراتيجي المستدام هو دعم المناشط والمبادرات الثقافية القائمة ووضع الأطر التنظيمية لها وتوجيهها ورعايتها؟ واتفقت معها الدكتورة نورة المري، التي ترى أهمية إنصاف المؤسسات القديمة التي لها تاريخ عريق في حمل مشعل التنوير والتثقيف، إذ لا تجد سببا مقنعا لخيار حل الأندية الأدبية، وتراجعها كان سببه الأول نخر "الشللية الثقافية" في برامجها وخططها، وزاد هذا الأثر السلبي بعد دخول الانتخابات إلى الأندية، لوجود ثغرات نظامية لم تتم معالجتها على مدى أعوام. سهام الاتهام 16 ناديا أدبيا، تواجه سهام الاتهام من مثقفين وأدباء ومهتمين بالشأن الثقافي، انتقدوا في حديثهم - الذي ضجت به الصحف ومنصات التواصل الاجتماعي - حضورها الباهت، وعقدها ندوات ومحاضرات لا يتجاوز حضورها أصابع اليد الواحدة، بعد أن لمس الحضور تكرارا في برامجها، وافتقارها إلى التسويق، وتطرقها إلى قضايا تجاوزها الزمن، والأجدى تجديدها، أو استبدالها بدورات تدريبية في مجالات متنوعة على سبيل المثال. يقول الكاتب علي فايع، وهو مهتم بالأدب والفن "لست ضد الأندية الأدبية، ولا جمعيات الثقافة والفنون، أنا مع العمل الثقافي الذي ينطلق من رؤية واضحة، وتصور ثقافي يخدم المثقف، وليس رئيس النادي أو مدير الجمعية، لدينا نشاط في الأندية الأدبية اليوم، نعم، لكنه نشاط تديره شلل، وتسوق له بضعة أشخاص". وأضاف في تغريدة كتبها، مطالبا بتطوير هذه الأندية، وتفعيل دور المثقف في عملها، وأن تتحول بلائحة تنظيمية من مجرد واجهة اجتماعية وعلاقات عامة إلى أندية ثقافية تخدم الثقافة السعودية، يتساوى فيها المختلف والمتفق، وألا يكون الفيصل في هذا العمل الولاء لمؤسسة ثقافية أو رئيس ناد. أما الكاتبة كوثر القاضي، فأكدت أنه لم تتعرض مؤسسة ثقافية للانتقاد كما تعرضت الأندية الأدبية، والكارثة أن بعض المنتقدين استفادوا منها، سواء بالمشاركة في فعالياتها أو نشروا كتبا لديها، فيما قال الروائي خليف الغالب "إن الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون تائهة المرجعية منذ ثلاثة أعوام، هذه المؤسسات بالغة الأهمية لو التفتت إليها عين التطوير والجرأة والرؤية الجديدة البعيدة عن النمطية والبيروقراطية، الإلغاء ليس حلا، هذه مؤسسات قائمة بإداراتها وتنظيمها ولوائحها ومكتباتها وفعالياتها، ومع كل الأخطاء وجوانب التقصير، فإن التطوير وإعادة الهيكلة وصياغة رؤية جديدة تبدو أجدى وأكثر فائدة من الإلغاء ثم الاستحداث". ليس الجميع يدعم الرأي القائل بتتويج مسيرة الأندية الأدبية لفيف من المثقفين، الذين ينظرون إلى كيانات تأسست في السبعينيات الميلادية، وأسهم جيل الرواد من المثقفين في صناعة حراك ثقافي سعودي، تعيش المملكة تبعاته حتى اليوم، بعد أن صمدت أمام موجات التيارات المتجاذبة والمتضادة. فالأندية الأدبية يحسب لها أنها هي التي أدارت دفة الثقافة وحراكها في المملكة طوال عقود، أخطأت وأصابت، لكن الجميع يتفق على أنها أحدثت نشاطا ثقافيا ضخما ومتنوع المجالات، وإن خفت ألقه في مراحل معينة من مسيرتها. ويعترف أصحاب هذا الرأي بالحاجة إلى التطوير المستمر ومواكبة متطلبات المرحلة، وبرنامج جودة الحياة واستراتيجية وزارة الثقافة المستلهمة من "رؤية 2030"، من خلال إصلاح الخلل، بعد دراسة جادة، وإدخال عناصر شبابية جديدة في الفعل الثقافي من الموهوبين والمبدعين، بعيدا عن الأسماء المكررة التي تدور في فلكها الأندية، بهدف تعزيز الفعل الثقافي في المناطق كافة، وفق رؤية شاملة، ليزهر في كل مكان. وقد نجح بعض الأندية فعلا في تطوير إدارتها ورؤيتها للثقافة، من خلال تبني مبادرات فريدة، كتلك التي أطلقها نادي المنطقة الشرقية بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون، وانبثق عنها مهرجان أفلام السعودية، ومبادرات أندية أخرى تفاعلت واستثمرت أيام الحظر الذي صاحب جائحة كورونا، وأطلقت مسابقات ومحاضرات افتراضية، لكنها خطوات وصفت بأنها "غير كافية". وكانت الموسوعة العالمية للأدب العربي "أدب" قد أجرت استطلاعا للرأي على "تويتر"، شارك فيه 2814 مستطلعا، لتحديد مصير الأندية الأدبية بعد الجدل الحاصل، وأجاب 52 في المائة بالإبقاء عليها ودعمها، و21 في المائة بإغلاقها، ونسبة مماثلة بدمجها مع جمعيات أخرى.
مشاركة :