في أقل من 90 يوما يتوقع أن يبدأ تطبيق «اتفاق فيينا النووي» الذي أبرم يوم الثلاثاء الماضي بين إيران والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا. وقبل أن تتحرك نيويورك وبروكسل وواشنطن لرفع العقوبات الأممية والأوروبية والأميركية المفروضة على إيران بسبب نشاطها النووي، تعود الأنظار مرة أخرى إلى العاصمة النمساوية حيث مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الهيئة المسؤولة عن مراقبة الالتزام الإيراني بالاتفاق لتحديد مدى تنفيذ حكومة طهران للاتفاق وبالتالي رفع العقوبات المفروضة. في مؤتمره الصحافي بعد توقيع الاتفاق صباح الثلاثاء الماضي في فيينا، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري: «الاتفاق لا يقوم على الثقة.... الاتفاق يقوم على التفتيش». و«التفتيش» هو المهمة التي يفترض أن تنجزها الوكالة بنجاح طيلة الـ15 عاما مدة الاتفاق، رغم أن تفتيش نووي إيران مهمة كانت الوكالة تقوم بها وفق اتفاقية الحد من انتشار السلاح النووي التي وقعتها طهران 1968 وصادقت عليها 1970. ولكن واجهت الوكالة صعوبات وعراقيل من طهران، ما كانت لتنتهي لولا العقوبات الدولية. ومنذ العام 2002. بدأت الوكالة الدولية التحقق من برنامج نووي إيراني غير معلن وسعت جاهدة لفرض رقابة صرامة حول البرنامج. ولم تحظ الوكالة بإجابات شفافة بل نفي ومغالطات ومماحكات ومماطلات إيرانية استمرت حتى بعد شكواها لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2006. وما تزال قضايا بين الطرفين عالقة بما في ذلك اتهامات تلاحق إيران بأنشطة ذات أبعاد عسكرية. ولتجاوز مسيرة «القط والفأر» وعلى هامش المفاوضات الأخيرة وقعت إيران والوكالة الدولية «خارطة عمل» جديدة هذا الشهر، وافقت إيران بموجبها على تقديم إجابات كاملة لكل الاستفسارات التي تطلبها الوكالة بشأن مختلف القضايا العالقة. ولمزيد من الضبط والحسم اتفق الطرفان على مواعيد محددة تسلم بموجبها إيران يوم 15 أغسطس (آب) القادم الوكالة إجابات وافية كتابيا مرفقة بالوثائق المطلوبة حول برنامجها النووي. وبعد هذه الخطوة، سيتطلب على الوكالة الرد بتاريخ 15 سبتمبر (أيلول) على ما تسلمته وإن كانت تطلب المزيد من الاستفسار. ومن المتوقع أن ترفع الوكالة بحلول 15 ديسمبر (كانون الأول) تقريرا يفترض أن يكون كاملا شاملا يقيم النشاط النووي الإيراني. ومن بعد هذه المرحلة، من المتوقع أن تواصل الوكالة التحري وتحكم الرقابة للتحقق عن مدى التزام إيران ببنود اتفاق فيينا الموقعة 14 يوليو (تموز) الجاري. وبموجب التقارير الدورية الشهرية التي سوف ترفعها الوكالة يتم رفع العقوبات المفروضة على إيران بسبب تجاوزاتها مما دفع الوكالة لشكواها لمجلس الأمن 2006. وفي حال لم تتعاون إيران وفي حال حدوث أي خرق للاتفاق سيكون على الوكالة إبلاغ المجتمع الدولي بذلك، لتعود العقوبات خلال 65 يوما. ويطلق غربيون على الوكالة اسم «كلب الحراسة» رغم أن أهل الوكالة لا يحبون هذا الاسم كثيرا بدعوى أنه يقصر دورهم على الرقابة لا أكثر. إذ الوكالة تتحمل مهام أخرى، لا تقل أهمية، باعتبارها المسؤول الأول عن الاستخدام السلمي للذرة. من تلك المهام التي تقوم بها الوكالة ولا تحظى بإعلام كاف أبحاث للمساعدة في تطوير علاجات أمراض السرطان بالذرة عبر القياسات الدقيقة ودراسات ومعونات تتوفر لكل الدول الأعضاء (164 دولة) في مجال تقنية الذرة الآمنة، بالإضافة لما تقدمه الوكالة من أبحاث ومساعدات في مجال تعقيم إناث البعوض في مناطق موبوءة بالملاريا. ومن خدماتها استخدام التقنيات النووية في الأغذية والزراعة والإسهام في الأمن الغذائي. وقد زادت وتيرة أخبار الوكالة الدولية للطاقة الذرية أيام كثرة الحديث عن نووي عراقي ونووي كوري شمالي، وسوق نووية سوداء يديرها الباكستاني أيوب خان وغذي به مشروع نووي ليبي بناه العقيد الليبي معمر القذافي. وفي ذات الإطار ولأكثر من 12 سنة ظلت أخبار الوكالة تمسك الصدارة مع كل تجاوز إيراني ومع كل جولة مفاوضات. والآن تجد الوكالة نفسها مجددا أمام امتحان التأكد من سلمية البرنامج النووي الإيراني. وطلب مدير الوكالة، يوكيا أمانو، العون حتى تتمكن الوكالة من توسيع نطاق إمكاناتها لإحكام رقابتها على البرنامج الإيراني النووي سيما وله منشآت متطورة شيدت تحت الأرض بين الجبال. وكان هناك تقرير لأمانو قد أشار إلى أن الوكالة تحتاج تمويلا إضافيا لتغطية النفقات قدره بـ4.6 مليون يورو فيما ذكرت مصادر أن تطبيق ما أوكل للوكالة حسب «خطة العمل المشتركة» التي وقعت 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 بين إيران والمجموعة الدولية (الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا وبريطانيا والصين زائد ألمانيا برئاسة الاتحاد الأوروبي) تتطلب مبلغ مليون دولار إضافي شهريا. بالإضافة لمزيد من المعدات واحتمالات فتح مكتب بطهران، هناك حاجة مضاعفة لزيادة عدد المفتشين مما قدرته مصادر بأكثر من 10 مفتشين مطلوبين بإيران يوميا، فيما لم يزد العدد سابقا عن 4 إلى 10 مفتشين في اليوم وفي مواقع مختلفة بالطبع. وفي مؤتمر صحافي بمقر الوكالة في فيينا، السادسة مساء الاثنين الماضي، عقب توقيع خارطة العمل الجديدة مع إيران، قال أمانو: «بخصوص الجانب العسكري المحتمل ستكون بضعة أشهر ضرورية للحصول على توضيحات»، مستدركا: «هذا يتعلق بشكل كبير بالتعاون الإيراني». وتضم الوكالة 2300 موظف من بينهم نحو 400 مفتش يتبعون لقسم الضمانات ويأتون من مختلف الجنسيات والحكومات. وإن اعتبروا حسب دستور الوكالة «موظفين دوليين ولاؤهم أولا وأخيرا للوكالة». معظم هؤلاء المفتشين درسوا وتخصصوا في علوم الفيزياء أو الكيمياء أو الهندسة أو الطاقة النووية. كما بدأ معظمهم حياته العملية بوكالة الطاقة الذرية ببلده ثم التحق بالوكالة الدولية. وتطال عمليات التفتيش كل البرامج النووية بما في ذلك برامج الدول الكبرى التي امتلكت السلاح النووي قبل أن تظهر اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي. في سياق مواز لا تنكر الوكالة الاعتماد على برامج محددة تتبع للدول الأعضاء بما في ذلك وكالات استخباراتها. وفي هذا السياق سبق أن تسلمت الوكالة معلومات دقيقة من إسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى عددها أمانو ذات مرة بـ10 وكالات استخبارات رئيسية. وفسر إصرار أمانو على ذكر العدد بأنه محاولة لنفي أن الوكالة تعتمد على دول بعينها. ومعلوم أن الولايات المتحدة تساهم بـ25 في المائة من ميزانية الوكالة السنوية بالإضافة لتبرعات طوعية خارج الميزانية قدرت بـ85 مليون دولار سنويا. إلى ذلك تعتبر فرنسا من الدول التي يربطها بالوكالة برنامج تعاون تقني بالغ الحساسية، وإن كانت مساهمة فرنسا المالية لا تتجاوز 6.25 مليون دولار سنويا. من جانبهم، يسعى المفتشون للتنقيب والبحث عن المعلومات والتدقيق بشأنها وغربلتها من مختلف المصادر وليس سرا أن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمات مناوئة للحكومة في إيران هم أول من كشفوا 2002 أن لإيران برنامجا نوويا سريا. وحسب ما نشرته صحيفة فرنسية فإن فريقا من المفتشين كان قد التقى العام 2009 بمدينة فرانكفورت الألمانية، بالعالم النووي الإيراني المنشق، شهرام أميني، الذي زودهم بمعلومات وافية عن موقع فوردو الذي شيد بين الجبال بالقرب من مدينة قم المقدسة. وكانت «الشرق الأوسط» قد نقلت حينها أن إيران لم تسارع بإبلاغ الوكالة عن موقع فوردو إلا بعدما علمت أن الوكالة قد علمت بالموقع وأنها بصدد إجراء تحقيقات حوله. ويذكر أن اتفاقية فيينا تلزم إيران بالكشف عن كل الأنشطة السابقة - وأن تتخلى عن عمليات تخصيب اليورانيوم وأجهزة الطرد لما لا يتجاوز 5060 جهازا بدلا عن أكثر من 19 ألف جهاز كانت عاملة في ثلاثة مواقع لم يبق منها غير واحد يعمل هو منشأة «نطنز». كذلك حرم عليها التخصيب خلال 15 سنة لما يزيد عن 300 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة لا تتعدى 3.67 في المائة وأن تتخلص من 98 في المائة من اليورانيوم الذي نجحت في تخصيبه. كما سيتم تحويل مفاعل أراك من ماء ثقيل لماء خفيف لأغراض طبية فقط، وتحويل مفاعل فوردو إلى منشأة بحث بتعاون دولي لاستخدامات مدنية كل ذلك وأكثر تحت رقابة مشددة. وكل ذلك يعتمد على تأكد الوكالة الدولية من تنفيذ إيران لهذه البنود.
مشاركة :