توقعت الأوساط الاقتصادية والمالية استمرار حالة الاستقرار النسبي في سوق النفط خلال الأسبوع الجاري وعودة تحسن الأسعار تدريجيا مع حسم ملفين مهمين خلال الأيام الماضية اللذين شغلا بشكل واسع الدوائر الاقتصادية والسياسية حول العالم، وهما أزمة ديون اليونان التي وافق البرلمان اليوناني أخيرا على خطة تقشف جديدة بالتنسيق مع الدائنين، كما تم حسم الاتفاق النووي الذي أخذ وقتا طويلا من التفاوض بتوقيع اتفاقية جديدة في فيينا الثلاثاء الماضي. وتتجه أنظار المراقبين والمتابعين لسوق النفط صوب المحادثات المرتقبة في 30 تموز (يوليو) الجاري في موسكو بين روسيا ومنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، حيث يبحث الكسندر نوفاك وزير الطاقة الروسي مع عبدالله البدري الأمين العام لمنظمة أوبك تطورات السوق خاصة موضوع عودة الصادرات النفطية الإيرانية بعد رفع العقوبات الاقتصادية التي من المتوقع أن تسهم في زيادة المعروض العالمي من النفط الخام. وأوضح لـ "الاقتصادية"، ألكس فولر مدير تنمية الأعمال في مبادرة الطاقة الأوروبية، أن اجتماع موسكو الأسبوع المقبل سيسهم في بلورة صيغ جديدة للتعاون والتنسيق بين كبار منتجي النفط الخام في العالم في ضوء تزايد المخاوف من حالة وفرة المعروض خاصة مع قرب استئناف الصادرات النفطية الإيرانية التي تسعى الحكومة في طهران إلى القفز بمستوياتها لتعويض الخسائر الحادة التي نجمت عن فترة طويلة من العقوبات الاقتصادية. وأشار فولر إلى أن إيران عضو مهم في منظمة أوبك وعليها أن تنسق مع بقية المنتجين من أجل الحفاظ على مصالح المنظمة وكل الأعضاء على السواء، مشيرا إلى ضرورة إعطاء السوق الفرصة لتضييق الفجوة بين العرض والطلب. وأضاف فولر أن "تسوية الأزمة اليونانية والتوصل إلى اتفاق جديد مع الدائنين يكفل بقاء اليونان في منطقة اليورو ويجعل الاقتصاد الدولي أكثر استقراراً ويدفع في اتجاه تحسن مؤشرات النمو وتسارع الطلب على النفط الخام في هذه المنطقة التي تعتبر رابع أكبر مستهلك للنفط الخام في العالم كما تحوي أبرز الاستثمارات الصناعية وبرامج التنمية الشاملة". من جهته، توقع بيوتر فدفنسكي المختص البولندي في شؤون الطاقة، تراجع تأثير ملفي إيران واليونان تماما خلال الأسبوع الجاري مع التوصل إلى تسوية جيدة لهما، مشيرا إلى أن السوق سيغلب عليها تأثير المخزونات التي تراجعت في الأسبوع الماضي كمؤشر على تنامى الطلب، ومن المتوقع أن يتعافى اليورو تدريجيا أمام الدولار الأمريكي بما يقلل من الصعود الحاد لأسعار الدولار الذي يرتبط بعلاقة عكسية مع أسعار النفط الخام. وأشار فدفنسكي إلى أن استئناف الصادرات النفطية الإيرانية بمستويات مرتفعة مرهون بعودة الشركات النفطية الكبرى للعمل والاستثمار في السوق الإيرانية وهو الأمر الذي يحتاج إلى بعض الوقت، رغم أن بعض التقارير الإعلامية تشير إلى ترحيب الشركات بالعودة إلى العمل في السوق الإيرانية، لكن تأثير ذلك في سوق النفط والمعروض العالمي قد لا يتضح قبل العام المقبل. فيما يرى إيجور ياكوفلف المختص النفطي الروسي من مجموعة خبراء الطاقة الدولية، أن الموضوع الرئيسي للمباحثات بين روسيا و"أوبك" في نهاية الشهر الجاري سيهيمن عليه بلا شك تأثير الاتفاق الإيراني الغربي في أسعار النفط العالمية وكيفية تنمية التعاون بين المنتجين داخل "أوبك" وخارجها للحفاظ على الأهداف المشتركة وفي مقدمتها استقرار السوق وحماية الاستثمارات وتنميتها ومنع العودة إلى مرحلة الانخفاضات الحادة السابقة، مشيرا إلى أن لقاء نوفاك والبدري سيكون استكمالا للمشاورات الناجحة التي جرت في الندوة الدولية السادسة لمنظمة أوبك في فيينا في حزيران (يونيو) الماضي التي حرص نوفاك على المشاركة فيها وتوضيح كثير من الحقائق عن ظروف الإنتاج والاستثمار في روسيا وكيفية زيادة التعاون مع بقية المنتجين. وأكد المختص النفطي الروسي أن هناك توافقا واسعا يحدث حاليا بين روسيا و"أوبك" من جانب وبين روسيا والسعودية من جانب آخر بصفتها أكبر المنتجين في "أوبك" خاصة فيما يتعلق بعدم التدخل في السوق للتأثير في الأسعار وترك الأمر لآليات العرض والطلب والرهان على مستويات مرتفعة من الطلب العالمي قادمة في الفترة المقبلة والاهتمام بزيادة المنافسة الإيجابية بين المنتجين والحفاظ على الحصص السوقية وتنميتها. من ناحية أخرى، شدد تقرير صادر عن وكالة الطاقة النمساوية على أهمية تسارع الجهود في زيادة الاعتماد على المصادر الجديدة وغير التقليدية للطاقة، مشيرا إلى أهمية تطوير مشاريع توليد الطاقة باستخدام طاقة الرياح، كما ركز التقرير على ضرورة الاهتمام باستخراج الطاقة من المياه الدافئة المهدرة خاصة مياه الصرف الصحي. وقال تقرير الوكالة النمساوية "إنه يمكن الاستفادة من كثير من الطاقة الحرارية المستخلصة من المياه الدافئة المفقودة وغير المستخدمة"، مشيرا إلى أن النمسا وعديدا من الدول الأوروبية تقيم عددا من المشاريع المهمة التي تركز على إمكانية استرداد الحرارة من مياه الصرف الصحي. وأضاف التقرير أن "المشاريع في هذا المجال حققت نجاحات جيدة سواء في النمسا أو في سويسرا وألمانيا"، ووفقا للدراسات الاقتصادية التي أجريت في هذا المجال على نطاق دولي واسع أثبتت أنه يمكن توفير الطاقة اللازمة خاصة تدفئة المباني لنحو 5 في المائة من الأبنية في أوروبا بالاعتماد على هذا النوع من الطاقة المستمدة من المياه الدافئة والصرف الصحي. وأوضح التقرير أن هذا النوع من الطاقة منخفض التكلفة وسهل الاستخدام ويساعد على مواجهة مشكلات التدفئة في أوروبا في ظل انخفاض درجات الحرارة في أغلب فترات العام، مشيرا إلى أن مياه الصرف الصحي لديها درجة حرارة ثابتة على مدار العام ما بين 10 درجة مئوية و15 درجة مئوية، ما يعني أن مياه الصرف الصحي هي الأمثل كمصدر للحرارة والتدفئة. وذكر التقرير أن الاعتماد على هذا النوع من الطاقة يشهد ارتفاعا سنويا بشكل مطرد وتزداد كفاءة استخدامه بالاعتماد على تقنيات متطورة وجيدة كما يشهد تنوعا في مصادره حيث يجري التوسع في هذا المجال ليشمل استخدام حرارة المياه العادمة ومواجهة التسرب الحرارى.
مشاركة :