شحنة نترات الأمونيوم  بريئة حتى تثبت إدانتها!!   

  • 8/10/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

2750 طنًا من مادة «نترات الأمونيوم» هي المتهم الرئيسي - وفق الرواية الرسمية - بالتسبب بالتفجيرات المروعة، التي أمست عليها العاصمة اللبنانية بيروت يوم الثلاثاء الماضي، وتسببت بمئات القتلى وآلاف الجرحى، وأعادت الى الذهنية مشاهدات الحرب الاهلية بكل فظاعتها.  بالطبع، اذا أردنا الانحياز للمنطق، فـالمنطق يقول إن «نترات الأمونيوم بريئة حتى تثبت إدانتها» وذلك بعد تحقيق مستقل يقوده ادعاء عام نزيه لا يخضع لضغوط سياسية كي يستطيع أن يحمل قضية بهذا الحجم نحو جهاز قضائي مستقل قادر على البث بهذه القضية التي يترتب عليها ملاحقة قضائية لعدة أطراف، وفاتورة باهظة من التعويضات لكافة المتضررين، وهذا كله بطبيعة الحال يحتاج تحقيقات تبدأ من الصفر، دون روايات افتراضية، وتحقق من طبيعة المواد التي أحدثت التفجيرات بالاستعانة بخبراء دوليين في مجال المواد المتفجرة، وصور احدثيات بواسطة الأقمار الاصطناعية، وملاحقة دولية لأطراف اجنبية اذا ما ثبت مسؤوليتهم الجنائية عما حدث، والأهم مسرح جريمة في عهدة الادعاء العام لحين انتهاء التحقيق،ولا لأحد سلطة أن يعبث به، اذن نحن نتحدث عن عمل كبير جدًا، لابد من القيام به من أجل الوصول الى عدالة بحجم وطن.   لكن قبل طرح التساؤلات ما اذا كانت هذه الامكانيات متوفرة أصلاً في بلد فشل نهاية الصيف الماضي بإطفاء حريق في أحراش «الشوف» حتى امتدّ وكبر قبل أن تتدخل الأمطار.  تبدو تفاصيل الرواية الرسمية التي أطلقتها أطراف في الدولة اللبنانية بعد وقوع التفجيرات بساعات هي موضع تساؤلات أكثر من ما اذا كانت هذه الدولة نفسها قادرة تمامًا على المضي قدمًا بالتحقيق بدون جهات دولية.  فالرواية الرسمية التي سارعت الدولة لوضعها أمام الجمهور- بالطبع بعد الرواية التي أطلقها وزير الصحة اللبناني بعد التفجيرات مباشرة، ومفادها أن التفجيرات ناتجه عن انفجار مخزن يحتوي على «الألعاب النارية»- ثم غابت التصريحات الرسمية لساعات قبل أن تعود برواية نترات الأمونيوم التي وصلت مرفأ بيروت في العام 2013 على متن سفينة كانت مبحرة من جورجيا نحو موزمبيق، وأن الحمولة افرغت في أحد عنابر المرفأ، وبقيت هناك طيلة السنوات الماضية، دون أن يطالب بها لا البائع، ولا المشتري، الى أن انفجرت في الرابع من الشهر الحالي.  ولو حاولنا أن ندعم هذه الرواية الرسمية التي أطلقت قبل فتح تحقيق رسمي، فسنجد أنفسنا أمام تساؤلات أولها ما تفرضه الجغرافيا، وهي إن مرفأ بيروت ليس نقطة توقف أمام السفن العابرة من غرب آسيا باتجاه شرق جنوب افريقيا، واذا قررنا أن نتجاوز اعتبارات الجغرافيا، ونأخذ بفرضية أن السفينة قد غيَّرت مسار إبحارها واتجهت الى واجهة لم تكن مقررة أصلاً في مسارها، فسنجد أنفسنا أمام تساؤل لماذا احتجزت السفينة في المرفأ ولم يكترث أصحاب السفينة، ولا المستأجر لها، ولا الشركة المستوردة لحمولة السفينة «نترات الأمونيوم» التي يفترض انها تنتظر بضاعتها، وليس الاكتفاء بالتصريح لشبكة «سي إن إن» الامريكية «هذه البضاعة كانت لنا ولم تصل! ولو أردنا أن نفترض أن حمولة السفينة كانت مجرد طرد بريدي يحتوي على (ملابس سباحة) أضاع طريقه، وليس 2750 طنًا من مادة تدخل في صناعات التعدين والاسمدة والتفجيرات، فحتمًا كانت الشركة ستبذل جهدًا أكبر بالبحث عن الطرد المفقود، فما بالكم بأطنان من المواد المصنفة شديدة الانفجار التي لا يتم بيعها ولا تصديرها ولا نقلها، إلا وفق طلبيات واضحة لكميات محددة، وتقيد لدى الجهات الدفاعية والأمنية في بلدي المورد والمستورد. ولا يتم التعامل مع اختفائها بعبارة مجرد بضاعة ولم تصل! بالطبع ليست وحدها هذه التفاصيل في الرواية الرسمية التي تفتقر للمنطق حيال ما حدث في بيروت المنكوبة، فإنزال الشحنة من على متن السفينة، في أي ميناء يعني إن هناك طرفًا يتحمل كلفة وجودها في المرفأ، او ما يعرف بـ«أرضية الميناء» لصالح إدارات الموانئ والجمارك في البلد حتى لو كان التفريغ بأمر قضائي، لكن هذا الطرف يبدو «زئبقيًا» في هذه الأحداث، فالرواية الرسمية تتحدث عن مواطن روسي استأجر السفينة كي تبحر من جورجيا الى موزمبيق، لكن بعد أن وصلت السفينة الى مرفأ بيروت اختفى! ليس كل هذا ما في الأمر، فتخزين مادة نترات الأمونيوم- وهي مادة نشطة جدًا كيمائيًا، منذ 2013 وحتى 2020 أي لأكثر من سبع سنوات في مستودع على رصيف مرفأ دون توقع أن تشتعل، او تتفاعل مع محيطها البيئي، يبدو أمرًا لا يتفق مع أي منطق، إلا اذا كان هناك طرف وفَّر لها بيئة سليمة كي تبقى في مستودعات المرفأ لسبع سنوات دون كارثة. لقد تعاملت الدولة اللبنانية مع الحدث وفق مقولة: «ما في دخان من غير نار» واضطرت أن تضع رواية أمام الجمهور تعترف فيها بوجود مواد متفجرة في مستودع لسبع سنوات، بسبب الإهمال، كي تغلق الباب أمام التحقيق بأي احتمالات أخرى أدت الى هذه التفجيرات، وكأننا أمام واقع يشبه «الاعتراف بشيء بدلاً من الاعتراف بكل شيء». وسارعت لرفض المطالبات بإجراء تحقيق دولي. في المقابل مطلوب من المواطن اللبناني الذي لازال يلم أشلاء عاصمته من تحت الأنقاض، أن يتوقع العدالة من أجهزة دولة فشلت لآخر 16 عامًا على الاقل في تحقيق العدالة لكل من اغتيلوا او تعرضوا لمحاولات اغتيال في لبنان. وإلا فأين العدالة من قتلة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الراحل رفيق الحريري، وعضو مجلس النواب اللبناني جبران غسان تويني، والصحفي سمير قصير، والأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني الأسبق جورج حاوي، والإعلامية مي شدياق وغيرهم؟.  المفارقة أن هناك أطرافًا في الدولة اللبنانية، قد قابلت فكرة المساعدات للبنان بابتسامات عريضة، قبل أن تجفّ حتى دماء من قضوا في هذه الفاجعة، وتنافخوا شرفًا عندما أتى مطلب التحقيق الدولي بحجة السيادة في بلد تقع أهم مؤسساته الحيوية واللوجيستية وحدوده تحت سيطرة منظمة ارهابية ايرانية. فيما الواقع يقول إن أكثر ما يحتاجه لبنان اليوم من العالم هو المساعدة الدولية من أجل الحقيقة والتغيير!

مشاركة :