محمد وقيدي فيلسوف مغربي عالج العلوم الإنسانية بمفاهيم الإبستمولوجيا | محمد ماموني العلوي | صحيفة العرب

  • 8/11/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

فقد المغرب الجمعة الماضي، الفيلسوف والمفكر محمد وقيدي الذي يعد هرما من أهرام الفكر والفلسفة، وكان أحد المختصين العرب القلائل بفلسفة العلوم أو ما يسمى بالإبستمولوجيا حيث أغنى الخزانة المغربية والعربية بالعديد من الأعمال التي أسست لمشهد فكري مغاير. قبل أربعين عاما وجه المفكر والأكاديمي المغربي محمد وقيدي، المولود سنة 1946، كامل مجهوده الذهني والبدني للاهتمام بالإبستمولوجيا تأليفا وتدريسا، كما انشغل المفكر محمد وقيدي بقضايا ترصد التحولات المجتمعية والثقافية وساهم في إغناء المكتبة العربية والمغربية بمفاهيم جديدة ناتجة عن العولمة الثقافية. التحق محمد وقيدي أواسط السبعينات بكلية الآداب بفاس، كأستاذ مساعد بعدما تخرّج بالإجازة، واستمرّ في استكمال دراسته في تاريخ الفلسفة وشهادة الدّروس المعمقة، مرة أو مرتين أسبوعيا بالرباط، ثم حضر دبلوم الدراسات العليا، الذي يعادل اليوم السّلك الثالث، كلّ في مجاله، حيث اشتغل على الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار. وقد حصل الراحل على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط سنة 1979، ودرس في الرباط، وأصدر مجموعة من الأعمال والترجمات والكتب القيمة في مجال الفلسفة المعاصرة، ومن أهمها نذكر: فلسفة المعرفة عند غاستون باشلار، العلوم الإنسانية والأيديولوجية، ما هي الإبستمولوجيا؟ ، حوار فلسفي : قراءة في الفلسقة العربية المعاصرة. كان محمد وقيدي من المساهمين في “تأسيس الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة”، وشارك في عدد من اللقاءات والندوات داخل وخارج المغرب، واعتبارا لمنتوجه واهتماماته الذي جعل البعض يصفونه على أنه مكتبة إبستمولوجية متكاملة. يقول الفيلسوف محمد المصباحي، “إنه بالنسبة للمغرب، فقد اهتمّ وقيدي بتاريخه، واهتمّ بإبستمولوجية هذا التاريخ، وإبستمولوجية الممارسة السياسية”. مؤلف كتابة التاريخ الوطني في العام 1990، قال عنه العديد من متابعيه إن أسلوب كتابته وتفكيكه للعديد من المفاهيم والقضايا جعلت كتبه ذات قابلية للقراءة، والفهم، والاستيعاب، خصوصا وأنه لم يكتف بالانغماس في الدرس الفلسفي النّظري، بل قارب قضايا المغرب وتاريخه ومعيقات النّهضة العربية ومشكلات العالَم اليوم، وقد قارب أيضا رؤى في الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، والعولمة، حيث تعمق في تلك القضايا في مؤلفاته “أبعاد المغرب وآفاقه” (1998)، و”التعليم بين الثوابت والمتغيرات” (1999)، و”التوازن المختل: تأملات في نظام العالم” (2000)، و”مكوّنات المغرب وسياسات” (2001)، وبعده بسنة في كتابه المشترك مع المفكّر التونسي احميدة النيفر، “لماذا أخفقت النهضة العربية؟”. الطريق إلى الفلسفة استطاع محمد وقيدي أن يحفر اسمه ضمن لائحة كبار مفكري العرب في القرن العشرين بعدما تخصص في فلسفة العلوم أو الإبستمولوجيا حتى أضحى من المختصين المتميزين فيها، حيث يميل في بحوثه إلى المطابقة بين الفلسفة ـ والإبستمولوجيا أو فلسفة العلوم، يقول المفكر السوري، هاشم صالح ولكننا نعلم أن هناك فلسفات كبرى ظهرت على هامش العلم أو بعيدا عنه، إنها فلسفات مرتبطة بالعلوم الإنسانية أو بالثورات الأخلاقية والروحية. ويقسِّم محمد وقيدي، المجالات الفلسفية المطروحة في المغرب إلى عدة أنواع، الفلسفة الإسلامية ومذاهبها وتاريخها والتراث العربي ـ الإسلامي بصفة عامة، إلى جانب الفكر العربي المعاصر، ثم الفلسفة الأوروبية المعاصرة باتجاهاتها المختلفة ذات النزعة الإنسانية أو التي تنتقد هذه النزعة. أما عن رأيه في وضع الفلسفة في مجتمعنا العربي – الإسلامي ماضيا وحاضرا فيقول إن بعض المفكرين اعترضوا عليها من أمثال الغزالي وابن خلدون وغيرهما، وكان لهذه المواقف زمنها ومبرراتها وشروطها، ولكنها لا تزال ماثلة في زمننا لأن التيارات السلفية المنغلقة لا تزال تعتمد عليها لرفض الفلسفة، ونبه إلى أنه مهما يكن استحضار أولائك الفلاسفة ضروريا، فإن ما يفصل شروطنا عن شروطهم ينبغي ألا يغيب عن تفكيرنا في الوقت الحاضر. ويقول صاحب حوار فلسفي: قراءة في الفلسفة العربية المعاصرة، في العام 1985، وكتاب بناء النظرية الفلسفية: دراسات في الفلسفة العربية المعاصرة، في العام 1997، إن مقدمات الفلسفة تحضر في الوقت الذي نعي فيه الفروق التي تفصلنا عن أزمنة أخرى، دون أن نغفل مع ذلك ما يجعلها مستمرة في وجودنا الحاضر. إذ بقدر ما تكون المساهمة الفكرية في ميدان كالفلسفة ظاهرة في الاندراج ضمن تأمل المشكلات الإنسانية العامة، بقدر ما تكون أيضا بارزة في التعبير عن وضع ثقافي وإنساني خاص. ثم ينبه إلى ضرورة استشعار القطيعة التي تفصل بيننا وبين فلاسفتنا القدماء كالكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد، أحيانا يقارن الوقيدي بين وضع الفلسفة عندنا ووضعها في أوروبا في لحظة هوسيرل. وعليه يعتقد هاشم صالح، أنه يضلّ الطريق هنا، فلا وجه للمقارنة فهوسيرل يتحدث عن وضع الفلسفة الأوروبية عام 1929 ويشكو منه ومن ضعفه، ويدعو للعودة إلى لحظة ديكارت، ولكن هوسيرل يعرف أنه توجد بينه وبين ديكارت فلسفات كبرى هي: فلسفة كانط، فهيغل، فالمثالية الألمانية كلها. ويجادل محمد وقيدي، أن مشكلة الفلسفة عندنا اليوم تلتقي بما هي عليه في العالم غير الأوروبي وغير الغربي، إذ بينما يكون عليه أن يقبل مشكلات الغير باعتبارها إنسانية عامة، ولا يستطيع لعوائق حضارية وثقافية ولغوية أن يوصل مشكلاته إلى الغير باعتبارها مشكلات من نفس المستوى، موضحا أن لفظ الخصوصية يمكن أن ينظر إليه من هذه الزاوية من حيث هو دلالة على إرادة الخروج في عالم اليوم من المأزق الذي يوضع فيه الفكر الإنساني عامة بين ما هو خاص وما هو عام. ويختم وقيدي بأن الطريق إلى الفلسفة يشمل التعليم والتعلم، وهذا شرط من شروط وجود الفلسفة وتطورها في المجتمع، ويرى من منطلق تجربته أن الشرط التربوي غير كاف لحضور الفلسفة في ثقافتنا ما ألزمنا ذلك بالاهتمام بشروط أخرى، ودون أن يدعي الإحاطة بكل الشروط فإنه اكتفى بالإشارة إلى شرطين منها: الفلسفة بوصفها فكرا يغامر بالمضي إلى الأمام في تفكيره، ثم الفلسفة بوصفها انتقالا إلى التفكير بضمير المتكلم بدل التفكير بضمير الغائب. الدرس الإبستمولوجي اهتمام محمد وقيدي بالإبستمولوجيا جعله يختار فلسفة غاستون باشلار موضوعا لبحثه الجامعي تحت عنوان “فلسفة المعرفة عند باشلار”، دراسة أسست للاهتمام بالعلوم الإنسانية ومناهجها في الجامعات العربية اعتمادا على الأفكار والمناهج الإبستمولوجية جعلته يقدم على نشر “العلوم الإنسانية والأيديولوجيا، كمقدمة نقدية إبستمولوجية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، كما تناول الكتاب ذلك الجو النظري الذي تناوله باشلار وذلك بعرض النظريات المعاصرة من جهة أولى وعرض عن أهم التيارات الفلسفية المعاصرة من جهة أخرى. وقد ناقش الكتاب عدة أسئلة منها التي تتعلق بالمفاهيم التي كان يعتمدها الفكر العلمي في النسق النيوتوني، والتي وجهتها النظريات العلمية المعاصرة، ومن أهم الأسئلة التي ناقشها الكتاب هل كان باشلار واعيا بالفرق الذي يفصل تطور العلوم عن الخطاب الفلسفي المعاصر، إذ عالج عدة قضايا منها مفهوم الجدل، الحقيقة، الزمان، المكان، الواقع، العقل عند باشلار. كتابه “ما هي الإبستمولوجيا؟”، كان مقدمة تأسيسية لمؤلَّفاتِه “الإبستمولوجيا التكوينية في فلسفة العلوم”، و”الإبستمولوجيا التكوينية عند جان بياجيه”، ففي هذا الإطار المعرفي صدر للباحث والمفكر المغربي محمد وقيدي في العام 2010 عن دار أفريقيا الشرق، كتاب يحمل عنوان “الإبستمولوجيا التكوينية للعلوم”، يتناول تعريف الإبستمولوجيا التكوينية وتحديد موضوعها ومناهجها التاريخية النقدية والنفسية التكوينية. ويبحث محمد وقيدي في الإبستمولوجيا التكوينية تحليل شروط تكوُّن المعرفة العلمية في أصناف العلوم المختلفة، وتظهر المشكلات الإبستمولوجية للعلوم في مستويين هما المشكلات العامة المشتركة للمعرفة العلمية، ثم المشكلات الخاصة بكل علم على حدة. ويتابع في هذين المستويين، فيبحث في المستوى الأول منهما، عبر دراسته لنسق العلوم في الإبستمولوجيا التكوينية، ثم يبرز بعد ذلك المشكلات الخاصة بالعلوم المنطقية – الرياضية والفيزيائية والبيولوجية ثم العلوم الإنسانية التي يظهر بداخلها المستويان سالفا الذكر. وقد ترك الكتاب آفاق البحث مفتوحة في الإبستمولوجيا التكوينية، على دراسات أخرى تهم تطبيقاتها في المجالات التي انشغل بها بياجي صحبة الباحثين الذين شاركوه في المركز الدولي للإبستمولوجيا التكوينية.

مشاركة :