تعد تحقيق الرؤية الدرامية في العرض المسرحي إحدى المشاكل المزمنة في المسرح الإماراتي، حيث يجد الكثير من المخرجين وخاصة الشباب منهم، صعوبة في تحقيق هذه الرؤية على الخشبة، ما ينجم عنه أن العرض يبدو في بعض الأحيان بسيطا لدرجة الابتسار أو معقداً لدرجة الغموض أو مشتتاً لدرجة الفوضى أو متشعباً لدرجة الانحراف إلى موضوعات ثانوية. تنشأ مشاكل الرؤية الدرامية إما من سوء اختيار النص حيث أنه ليس كل ما يكتب من نصوص مسرحية يكون قابلاً للعرض أو حاملاً لرؤية درامية واضحة، فالنصوص مثل العروض منها ما هو جيد واضح متماسك النظرة، ومنها ما هو فقير لا يصلح للتأسيس عليه، وحين لا يدرك المخرج الفرق بين هذه النصوص، ولا يميز بين الجيد و الضعيف فيها، فإنه يكون عرضة لسوء الاختيار، والوقوع في المحاذير الفنية التي تسلب العرض التدفق والانسياب المطلوب وتقتله، وهذا ما يفسر كون بعض العروض المسرحية تبدو بسيطة خالية من أي إدهاش وكأنها حدث عادي لا قيمة له، في حين أن الشرط الأول للعمل الدرامي هو الإدهاش والمفارقة التي تنتج التوتر والصراع، وتحرك الأحداث في اتجاه تصاعدي مشوق للمشاهد، وتحفز عناصر التفكير لديه، وتبعث على إعادة النظر في أسس تفكيره ونظام حياته، وهذه الخواص لا تقدمها أفعال الحياة المتكررة التي نقوم بها كل يوم مثل العمل والأكل والنوم ولقاء الأصدقاء والأحبة وغيرها، لكن الحدث الطارئ المدهش الغريب هو الذي يفعل ذلك، وفي بعض الأحيان قد تحمل القضية المطروحة مفارقة قابلة للإدهاش، لكن النص يعرضها عرضا إخبارياً خالياً من التفاعل الذاتي للشخصيات، ومن التنامي التصاعدي الذي يعمقها ويصعد التوتر، وتأتي النهاية سريعا، وحين يلتقط المخرج هذا النوع من النصوص ويتبع خطوات الكاتب فإنه سوف يقع في المشاكل نفسها التي وقع فيها الكاتب، ومن هنا يحصل ما يسمى ببساطة العرض. بعض النصوص قد يكون بناؤها مركبا من عدة قضايا يحاول الكاتب أن يطرحها في نص واحد، فتمتزج أحداثها ويتداخل بعضها ببعض، ولا تبدو نقطة التركيز فيها واضحة، وحين يقع اختيار المخرج على هذا النوع من النصوص فإنه يتيه معه في مسارات متداخلة لا يعرف منها مخرجا، وهنا ينشأ ما يسمى بالغموض في العرض المسرحي، وبعض النصوص يبدو وكأنه يأخذ ويطرح في القضايا، فيبدأ في قضية ثم لا يلبث أن يتركها إلى أخرى ما يشتت ذهن المتفرج ويحدث الفوضى الدرامية عند عرض هذه المسرحيات، ومثل ذلك عند ما يتحول النص من التركيز على قضية جوهرية إلى قضية ثانوية، كأن ينتقل من صراع عميق إلى علاقة حب بسيطة وثانوية في السياق الذي انطلقت منه الأحداث. قد تنجم مشكلات الطرح الدرامي عن عدم فهم المخرج للنص المسرحي الذي اختاره، وعدم وضع يده على جوهر الرؤية الدرامية لصاحبه، وهنا يتعرض العرض لنفس المشكلات السابقة، فالمخرج الذي لا يفهم نصه لن يستطيع أن يجسده تجسيداً صحيحاً على الخشبة، حتى وإن التزم بحرفية النص لأن اختيار عناصر السينوغرافيا وتوجيه أداء الممثل وطريقة توزيع الخشبة واستغلال مساحاتها، وترتيب كل ذلك في سياق واحد، ليست أموراً اعتباطية، بل أمور قصدية موجهة بالرؤية التي يريد المخرج أن يقرها في أذهان المتفرجين، والرسالة التي يسعى إلى توصيلها إليهم، ولهذا، وكما يشوه النص عرض المخرج، فقد يشوه المخرج النص وينزع منه قيمته الأساسية، ويفقده حرارته وعناصر الصراع فيه فيموت بين يدي العرض. ليست الصورة سلبية كلياً، فهناك بعض المخرجين الذين يجيدون التعامل مع النصوص ويمتلكون القدرة على تحويلها إلى عرض مسرحي بعلامات سينوغرافية موحية تسهم في رسم الرؤية وتعزز مجرى الأحداث في السياق المطلوب، وقد ظل هؤلاء دوماً حاضرين في المشهد المسرحي يمسكون زمامه ويوجهونه الاتجاه الصحيح، ويمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر ناجي الحاي وجمال مطر اللذين كان توقفهما ضربة قوية للمسرح الإماراتي، وحسن رجب ومرعي الحليان ومحمد العامري وغيرهم من المخرجين البارزين الذين لا يزالون يتحفون الساحة بأعمالهم، ولكنّ هؤلاء قلة وقد بدأ بعضهم ينأى عن ساحة الإخراج المسرحي، وهو ما يفقد الساحة المسرحية عناصر وازنة فيها، في وقت ما زال فيه المخرجون الجدد بحاجة إلى توجيه وإلى أسوة يقتدون بها. تحتاج مشكلة الرؤية الدرامية في العرض المسرحي إلى جهد خاص للتغلب عليها، لأن نجاح أي عرض هو في المقام الأول نجاح للرؤية الدرامية للمؤلف والمخرج.
مشاركة :