كوبلنز (ألمانيا) – يضغط قائد السيارة ساشا لينز بقوة على مكابح سيارته، ويرتد إلى الوراء في مقعده بسبب قوة رد الفعل. ويحرك ساشا عجلة القيادة قليلا، وهو يقول “بهذه الطريقة يمكن فهم طريقة عمل سيارة الشحن. لا يمكنني أن أتعرف على هذه الطريقة من خلال جهاز المحاكاة”. وعادة ما يقضي لينز شهر يوليو من كل عام وسط الأصوات المرتفعة لاحتكاكات إطارات السيارات، وهي تنطلق على طريق أسفلتي حافل بالمنحنيات، في إطار سباق الجائزة الكبرى للشاحنات السنوي الذي يقام في مجمع نوربرغرينغ لرياضات السيارات الشهير في ألمانيا، وسط هتافات تصم الآذان من 100 ألف مشجع. ويقود لينز شاحنة تشبه الجرار تشارك في أكبر وأكثر سلسلة لسباقات السيارات في العالم مهابة، وهي البطولة الأوروبية لسباق الشاحنات التابعة للاتحاد الدولي للسيارات. وسيارات الشحن التي تتنافس في السباق، مجهزة بمحركات قوتها 1200 حصان وتزن أكثر من خمسة أطنان، وتصل سرعتها إلى 160 كيلومترا في الساعة. غير أن جائحة كورونا ألقت بظلالها على هذه النوعية من السباقات، بل وألغتها من الساحة الأوروبية من جمهورية التشيك إلى إسبانيا، وأجبر الفايروس هذه المركبات المصنوعة من الحديد والصلب على التحول إلى الفضاء الافتراضي. ويقول جورج فوكس رئيس شركة “إترا للترويج” بمدينة كوبلنز، “قررنا أن نجري السباق عبر الإنترنت”. وهو يأمل بعد ذلك في إقامة ستة سباقات للشاحنات على أرض الواقع بعد انتهاء شهر أغسطس الجاري، وفقا لما هو مقرر، وربما دون جمهور. ويرى فوكس أن نقل السباقات إلى العالم الافتراضي يمثل “خطوة كبيرة إلى الأمام”. وأقيمت أول فعالية رقمية في هذا المجال في شهر مايو الماضي ومن المقرر إقامة الفعالية الأخيرة منتصف أغسطس الحالي، ويتابع المشجعون السباقات عن كثب، ويقول فوكس “صار لدينا حتى الآن 129 ألف متفرج في المتوسط”. ويقوم حاليا 13 من قائدي السيارات بتكييف مهاراتهم لتتماشى مع أجهزة المحاكاة، حيث يقبضون بأيديهم على عجلات القيادة وذراع السرعات، وهم يتابعون الشاشات الكبيرة الموضوعة أمامهم وبمحاذاتهم. وساعدت رابطة السباقات الافتراضية على تطوير سلسلة السباقات الرقمية، حيث قامت بتأسيس كل شيء على الفعاليات الحقيقية بأقصى دقة ممكنة، ويواجه قائدو السيارات الذين يخرقون القواعد عقوبات على جهاز المحاكاة، ويبلغ سعر الجهاز من هذه النوعية ثلاثة آلاف يورو على الأقل. وعندما سمعت سيلفيا لينز، والدة ساشا لينز ومديرة أعماله، أن السباق سيتحول إلى العالم الافتراضي شعرت بالفزع. جهاز المحاكاة لا يعطي المتسابق نفس الشعور الذي تمنحه إياه السيارة الحقيقية جهاز المحاكاة لا يعطي المتسابق نفس الشعور الذي تمنحه إياه السيارة الحقيقية وقالت الأم “من المستحيل تقبل ذلك… هذا ليس كوب الشاي الذي أحب أن أتناوله، ولكن كلما فكرت في الأمر طويلا، تأكدت من أنه إذا لم يستطع مشجعونا الحضور إلينا، فعلينا أن نذهب إليهم”. وعلى جهاز المحاكاة يجلس لينز داخل مقصورة القيادة لشاحنته، وقد ربط حزام الأمان على مقعده الذي يتحرك مع كل انحناءة، ويحدق دون أن يهتز له جفن في شاشاته الثلاث كبيرة الحجم، ويقول إن “جهاز المحاكاة لا يعطيك نفس الشعور بالضبط الذي تمنحك إياه السيارة الحقيقية، وأحيانا تصبح السيارة سريعة جدا، وفي أحيان أخرى تكون بطيئة للغاية”، مضيفا “إن قوى الطرد المركزي مفقودة كما أن الإحساس بالفرامل مختلف أيضا”. وقد يكون السباق في العالم الافتراضي ظلا للسباق الحقيقي، غير أن ساشا لينز يقول إنه “يستمتع كثيرا بجهاز المحاكاة”. وهو يشعر بالسعادة على الأقل لأنه يمكنه أن يواصل التدريب خلال فصل الشتاء في ظل وجود فايروس كورونا، وهذا ينطبق على كثير من قائدي السيارات الآخرين. ويتطلع كل من يهتم بالأمر إلى السلسلة الحقيقية من السباقات الستة للجائزة الكبرى للشاحنات، والتي من المقرر إقامتها خلال الفترة بين نهاية أغسطس الحالي ومنتصف نوفمبر المقبل، ويفضل الجميع أن تقام بحضور الجمهور، ويمكن أن يشاهد المشجعون السباقات الرقمية مجانا، ويوضح فوكس “ليس لدينا دخل من التصريح بإذاعة السباقات تلفزيونيا كما هو الحال مع سباقات فورمولا-1، نحن نعتمد على ما يدفعه المتفرجون”. ويضيف “إنه مهرجان لسائقي الشاحنات، وبمشاركتهم”. ومع عزف موسيقى الريف وقدوم المتفرجين الذين يرتدون قبعات رعاة البقر، يصبح لفعالية السباق الحقيقية تأثيرها الوجداني الخاص، ويقول أحد المشجعين عن السباق الحقيقي الذي يقام في نوربرغرينغ “يمكنك أن تنزل إلى المضمار للمشاهدة والتحدث مع السائقين، والجو العام هنا مختلف عن فورمولا-1”. ويأتي كثير من المتفرجين على متن شاحنات، ويتسمون بالتنوع، من السائقين المحترفين الذين يصطحبون معهم أفراد أسرهم، إلى شركات نقل البضائع وموظفيها. ويحول بعض المشجعين شاحناتهم إلى شقق كاملة التأثيث، مما يؤدي إلى جو احتفالي مزدحم بمحبي رياضات السيارات. وربما يستعد الجميع الآن لحضور الفعالية التالية، المقررة في نوربرغرينغ في يوليو 2021.
مشاركة :