العاصي ملاذ الهاربين من وجع بيروت | | صحيفة العرب

  • 8/12/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

التجديف المائي في النهر أو ما يعرف بـ”الرافتينغ” وصل إلى نهر العاصي في أواخر القرن الماضي ثم تحول في السنوات الأخيرة إلى أهم مورد اقتصادي وسياحي لسكان المنطقة بعد أن استطاعت كرياضة استقطاب عدد كبير من اللبنانيين وحتى من السياح الأجانب، ممن يبحثون عن المغامرات الاستثنائية. بيروت – أضفت رياضة التجديف المائي في النهر أو ما يعرف بـ”الرافتينغ” على العاصي طابعا خاصا بحيث يكاد يكون النهر الوحيد في لبنان الذي يتميز بهذه الرياضة الممتعة والتي أضحت مقصد الزائرين للمنطقة، وأضفت نشاطا مميزا حافلا بالمغامرة في أيام عصيبة يمر بها اللبنانيون جراء انفجار ميناء بيروت. رياضة الرافتينغ استقدمها الشاب المغامر علي عواضة القادم من فرنسا إلى العاصي في تسعينات القرن الماضي، والذي وجد في هذا النهر ضالته المنشودة لما يتميز به من غزارة وعمق وانسياب لمسافات طويلة، وما يحفل به محيطه من مناظر طبيعية ولشلالاته التي تضفي على الرحلة رونقا خاصا. درب الشاب عواضة شبانا من أبناء البلدة للمساهمة في رياضة وضعت العاصي في مراتب سياحية متقدمة، بحسب مهدي، أحد الناشطين، الذي يقوم بتحضير الرافت بضغطه بالهواء في الوقت الذي يقوم فيه المشاركون بلبس السترات والخوذ الواقية واستلام العدة اللازمة للتجديف والخضوع لتدريب لدقائق مطالبين فيها بالتعاون مع الكابتن والذي تقع على عاتقه المسؤولية الكاملة في قيادة الرحلة بكافة المراحل. وأصبحت القوارب المطاطية الصغيرة بفضل عواضة تتناثر على ضفاف نهر العاصي الممتد على طول نحو 572 كم، تصارع الأمواج تارة، ومستسلمة للتيار المائي الذي تصنعه الشلالات المنسابة على ارتفاع يصل إلى 7 أمتار تارة أخرى. إبراهيم، ناشط آخر في قيادة الرحلات تحدث عن متعة المشاركين بحيث لا يكاد يخلو يوم من رحلات يشارك فيها الجميع من الأطفال وحتى الأعمار المتقدمة لأنها تتيح للجميع الاستمتاع بهذه الجولة وقضاء وقت ممتع في أحضان المياه والمناظر الخلابة في محيط النهر. وشهدت رياضة الرافتينغ تطورا ملحوظا، خصوصا في العقد الأخير، حيث بات النهر وجهة للسياح العرب والأجانب الذين تخلفوا هذه السنة بفعل تفشي وباء كورونا، فاقتصر هذا الموسم الذي يبدأ في الربيع ويمتد حتى الخريف على أبناء لبنان الذين يعشقون المغامرة. قال الشاب علي الناشط في رياضة التجديف “نحن حريصون على سلامة المشاركين وبخاصة أن معظم الشبان الذين يأتون إلينا أضحوا على مستوى متقدم من حسن الأداء، ونجهزهم بمعدات لتأمين رحلتهم بنسبة 100 في المئة، وهذا ما يتيح حتى لطفل في الرابعة من عمره أن يمارسها دون خشية تعرضه لسوء”. محمد، أحد أصحاب نوادي الرافتينغ في العاصي، لفت إلى أهمية توثيق هذه الرحلة منذ لحظات الانطلاق وحتى العودة في أبرز اللقطات التى يقوم بها الهواة في مركب يتسع لما بين 8 إلى 9 أشخاص. وأكثر ما يميز هذه الرحلة هو ما يتخللها من أجواء حماسية نابعة من حس المغامرة المخيم عليها، علاوة على اللعب والتراشق بالمياه عند التقاطع مع مراكب أخرى. ويرى المدربون أن الرافتينغ من الرياضات المهمة لتقوية العضلات، وخصوصا الأيدي، نظرا للجهد المبذول في التجديف، إضافة إلى الحركة المتواصلة بفعل الأمواج وانسياب المياه. ويعبر حسين المدرب الذي يصاحب المغامرين في القارب عن سعادته بالتقاط أجمل اللحظات لذكرى لن تمحى من ذاكرة المشاركين الذين لم يبخلوا يوما في إعطائه المكافأة المناسبة رغم أنه لا يطلب، ويتقبل العطاء بابتسامة ويردد تعابير يعبر فيها عن سروره وامتنانه. وتعد الشلالات الخمس الموجودة على خط الرحلة البحرية للزوارق من أهمّ عناصر الإثارة في هذه الرياضة. ففي الجزء الأخير من الرحلة، أي عند المرور على شلالات الدردارة المتدفقة على ارتفاع نحو 7 أمتار، تمتزج السماء للحظة مع الأرض، لتصنع لوحة بديعة تثير إعجاب ركاب الزورق وتضفي على الرحلة بعدا جماليا رائقا. ولا تكتمل رحلة استكشاف معالم العاصي إذا لم تقترن بزيارة ناد آخر مميز أقيم عند مدخل النبع على التلال المجاورة حيث الناشط المختص محمد والألعاب الهوائية من جسور وحبال فوق صخور الوادي إلى مياه النهر برفقة أشخاص مدربين، لكن المغامرة تتطلب شيئا من الإقدام مع توفر الأمان والمسؤولية، وإن رغب الزوار بقضاء ليل ممتع في ربوع الهرمل وجوار النهر، يمكن الإقامة مع توفر عدد من الأماكن اللائقة حيث سهرة النار حتى ساعات الصباح وسط أجواء الفرح وحسن الضيافة. ولمتابعة المغامرة، يمكن وحسب الناشط حسين الانتقال في نصف ساعة إلى مناطق جبلية بكر في السلسلة الغربية حيث المغامرة من نوع آخر، إذ تتضمن مناظر طبيعية خلابة وسط أودية وجبال ويمكن للمصطافين ممارسة رياضة المشي، أو الإقامة لمن يرغب في أحضان الطبيعة وتناول وجبات طبيعية من إنتاج المنطقة وسط المعاملة الجيدة وحسن الضيافة وأشجار اللزاب المعمرة. ويمكن للزائر أن يطلع خلال جولته على آثار بابلية محفورة على صخور التي لم تلق أي رعاية وعلى ما تركه جبران من ذكريات على ضفاف بركة مرجحين، حسب ما أورده أبوإبراهيم أحد سكان المنطقة وفق ما سمعه من الأجداد. ومن يتابع الطريق غربا سيجد نفسه على مشارف واد سحيق بصخوره، مياه متدفقة وسط وادي جهنم الذي يمتد بعيدا نحو عكار والشمال، مؤكدا لحمة التاريخ والجغرافيا. أما شمالا فتطالعه غابات أرز عملاقة ومحميات طبيعية حافلة بأنواع الطيور والزهور والطبيعة الغناء والطقس الرائع. إنها الهرمل العاصي والجبل وما بينها من جمال ومحبة وحسن ضيافة وكرم الاستقبال.

مشاركة :