بموازاة معركة لا يكاد يهدأ لهيبها مع «قوى الإرهاب»، خصوصا في المربع الشمالي الشرقي لشبه جزيرة سيناء، وجد الجيش المصري نفسه طرفا في معركة أخرى لا تقل أهمية أو خطورة، رغم أنها لا تتخذ من الأسلحة التقليدية من مدافع وقنابل وطائرات وسيلة لخوضها، بل تعتمد على «الصوت الأكثر صدى» في وسائل الإعلام، خصوصا ما يتصل منها بالإعلام الإلكتروني، إلا أن المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري، العميد محمد سمير، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «ثقة الشعب المصري في جيشه، ومصداقية، هما العاملان الأساسيان اللذان تعتمد عليهما القوات المسلحة في معركتها ضد أعداء الوطن في مواجهة الإعلام الكاذب». وبدأت مصطلحات على غرار «الحرب الناعمة» أو «حروب الجيل الرابع» تأخذ طريقها بقوة إلى المفردات اليومية المتداولة في مصر، خصوصا مع تكرارها من جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة. ويقول خبراء عسكريون لـ«الشرق الأوسط» إن «الأدبيات العسكرية في حالة الحرب، وهو الوضع الحقيقي في مصر الآن، تفرض على المجتمع الالتزام بما يصدره الجيش من بيانات، نظرا لأن بعض المعلومات المروجة تكون مغلوطة، وجانبا آخر من المعلومات يكون سريا بحكم حساسيته في اللحظة الآنية وربما يضر بالعمليات الجارية». لكن الخبراء يشددون في ذات الوقت على أن «جزءا هاما من إدارة أي معركة يتصل بإدارة المعلومات ومدى وصولها إلى المواطنين.. وتداول المعلومات الخاطئة قد يؤدي إلى إضعاف الروح المعنوية لدى الشعب على أقل تقدير، بل يمكن أن يؤدي إلى خسارة المعركة برمتها في حال فقدان الثقة في قوات الجيش». وخلال الفترة الماضية، كثفت مواقع إخبارية ومنصات أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي من بث معلومات مغلوطة أو ومنقوصة حول عمليات عسكرية تجري على أرض سيناء، أو بمواجهة العنف والإرهاب في مختلف أرجاء مصر. وشددت الدولة سواء عبر رئيسها أو حكومتها أو جيشها على ضرورة الالتزام المهني في مجال الإعلام، وكذلك الالتجاء إلى «المصادر الرسمية الموثوقة» لاستيفاء الحقائق. وأمس، وعقب شائعات تحدثت عن سقوط عشرات القتلى في صفوف الجيش نتيجة عملية على أرض سيناء أول من أمس، أصدر المتحدث الرسمي باسم الجيش بيانا جديدا أكد فيه أن عدد ضحايا القوات هو «سبعة» فقط، مشددا على أن «القوات المسلحة تعلن الأرقام الحقيقية لأبطالها البواسل من الشهداء والمصابين، دون أدنى مواربة، تحقيقا لمبادئها وحفاظا على مصداقيتها مع شعب مصر العظيم الذي يفخر بجيشه الذي يقاتل قوى الشر والظلام تحقيقًا للإرادة الشعبية المصرية الحرة»، وذلك ردا على «استمرار الادعاءات الكاذبة التي دأبت عليها المواقع الإعلامية الخاصة بالكيانات الإرهابية والتكفيرية، للترويج بتحقيق انتصارات زائفة لمحاولة إثبات الوجود والتغطية على خسائرها الجسيمة»، وما تدعيه «هذه المواقع العميلة زورًا وبهتانًا من استشهاد وإصابة عدد كبير من رجال القوات المسلحة نتيجة الأعمال الإرهابية الخسيسة»، مؤكدا أن «هذه الادعاءات عارية تماما من الصحة جملة وتفصيلا»، بحسب ما ورد بالبيان. وحول مدى خطورة المعركة الموازية ضد الشائعات والمعلومات المغلوطة، قال العميد سمير لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا الأمر ليس مستغربا ممن يقومون به.. فهؤلاء أعداؤنا. ونحن نقاوم ذلك بالمصداقية، إلى جانب أن ثقة الشعب المصري في جيشه هي العامل الحاسم في الأمر». ويرى العميد سمير أن «أي إنسان وطني أو مهني سينتظر المعلومة الصحيحة نظرا لإدراكه بطبيعة العمليات العسكرية، لأنه يعلم أن توفير معلومة دقيقة بنسبة 100 في المائة هو أمر لا يصح أن يتم بسرعة. فلا بد من انتظار انتهاء أعمال القتال ثم نبدأ في عمل حصر لما قمنا به، ثم ندققه، ثم نبدأ في إذاعة تلك النتائج على الرأي العام.. لأن القوات المسلحة حين تتحدث فهي جهة رسمية، لا يصلح أن تقول للناس أي كلام، ولا ينفع من أجل الملاحقة أو السرعة أو لمجرد نفي الشائعات أن نقول كلاما ثم نكتشف بعد ذلك أنه غير دقيق ونخرج لنعتذر عنه.. لا ولن نفعل ذلك أبدا». ووجه العميد سمير رسالة إلى «المتعجلين في بث الأخبار»، قائلا إن «من لم يرد أن ينتظر أو يلتزم فهو حر في فعله، لكن الناس سيكتشفون أنه كاذب ويفقد مصداقيته.. وحكم الناس عليه معروف ومتوقع». الخبير العسكري اللواء جمال مظلوم يرى أن «بعض وسائل الإعلام تناولت الأحداث التي جرت مطلع الشهر بصورة سيئة للغاية للأسف الشديد، إذ تحدث جانب منه عن أشياء خاطئة وصلت إلى حد ادعاء (احتلال سيناء) من قبل الإرهابيين، رغم أن مساحة العملية في الشيخ زويد لم تتجاوز 20 كيلومترا طولا و5 كيلومترات عمقا، من إجمالي مساحة سيناء التي تقدر بنحو 60 ألف كيلومتر مربع، وتم إحباطها تماما». ويؤكد اللواء مظلوم لـ«الشرق الأوسط» أن «هؤلاء لا يقفون إلى جانب بلدهم ولا جيشهم بينما هم في معركة ضد الإرهاب»، مشيرا إلى أنه «بينما الجنود يقومون بحماية الوطن ويموتون من أجله، لا يصح أن يقوم البعض بتشويه الحقائق أو بث أقوال وشائعات تتسبب في هبوط الروح المعنوية للقوات»، مشددا على أن «هناك مصدرا واحدا فقط للمعلومات الصحيحة، وهو القوات المسلحة نفسها»، «وحتى إذا كان هناك تقصير من الدولة، واستبعد ذلك مطلقا، فيجب على الإعلام بأكمله أن يقف إلى جوار دولته وجيشه في ظل المعركة». من جانبه، يقول الدكتور محمود علم الدين، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إن هناك عدة حقائق يجب أن نتفق عليها في مصر بخصوص المعركة الإعلامية الموازية للحرب على الإرهاب، أولها أن «مصر في حالة حرب حقيقية، وهناك عمليات تدمير واعتداء وتخريب من قبل جماعات لا تخفي أهدافها ضد الدولة». ويؤكد الدكتور علم الدين لـ«الشرق الأوسط» أنه في «حالة الحرب فإن التعامل الإعلامي في كل دول العالم، ووفقا للخبرات التاريخية يكون مختلفا تماما، بل إن دولة مثل إسرائيل لا يزال فيها مكتب للرقيب العسكري منذ تأسيسها وحتى الآن». وإضافة إلى المبدأين السابقين فهناك تحول حدث في وسائل الإعلام، وهو وجود تعددية المصادر وتنوعها، وخصوصا مع دخول القنوات الفضائية التي أسقطت فكرة «السيادة الإعلامية»، بما يصعب من مسألة «صناعة الرأي العام من الداخل، كما كان متبعا في الخمسينات من القرن الماضي»، فضلا عن كمّ كبير من «المواقع المشبوهة التي تقوم بدور الحرب النفسية والدعاية السوداء»، بجانب ما أتاحته شبكة الإنترنت لكل شخص من أن يكون مشاركا في صنع المعلومة، ما أدى إلى استغلال «أطراف عدة» لتلك الإمكانات لتتحول شبكة الإنترنت إلى «أكبر مصنع للأكاذيب والمؤامرات والأخبار المصطنعة، وخصوصا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي»، بالإضافة إلى ما يقوم به كثير من دوائر الإعلام الغربية من إعادة إنتاج وضح تلك الأكاذيب، بحسب علم الدين. ومن هذه النقطة يفسر علم الدين «الدور غير المتكامل» الذي تقوم به بعض وسائل الإعلام في سياق الحرب التي تخوضها الدولة، وما يلجأ إليه بعضها من «خفة وعدم مهنية في المعالجة، متصورين أن التعامل مع عمليات عسكرية أو حرب ضد الإرهاب يعادل تغطية مباراة لكرة القدم.. وهنا يجب على الدولة أن تضع تنظيم لتدفق المعلومات، بما يحقق أهدافها الاستراتيجية العليا لحماية مصالح البلاد، وعلى الصحافيين أن يراعوا ذلك لأنه في تغطية الأعمال العسكرية، فإن السبق والانفراد الوحيد يكون هو خدمة الوطن». ويؤكد الدكتور علم الدين أن الحديث عن «الحق في الحصول على المعلومات ودعوات تقييد الإعلام وما شابه ليس لها محل من الإعراب في أوقات الحروب والأزمات وتهديدات الأمن القومي.. وتلك أمور محسومة على مستوى العالم». ورغم انتقادات وجهها حقوقيون وإعلاميون مصريون مؤخرا لمشروع قانون جديد يغلظ العقوبات على بث الأخبار الكاذبة، يرى علم الدين أن مشروع القانون دوره الأساسي هو «الردع، حماية للدولة من الأكاذيب والإرهاب.. ومن يلتزم بالمسؤولية المهنية والمصلحة الوطنية، فلن يعنيه عقوبات هذا القانون على الإطلاق».
مشاركة :