«جائحة كورونا» بين الركود الاقتصادي والكساد عندما تنعكس أزمات الاقتصاد الأمريكي على دول العالم

  • 8/13/2020
  • 01:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

للأسف.. لم نعد نتحدث عن ركود اقتصادي.. بل كساد تاريخي أسوأ مما شهده العالم في 1930 نعم اجتزنا في الخليج أزمة 2008 بأقل الخسائر.. ولكن الأزمة الحالية مختلفة لأن النهايات مازالت غامضة أجرى الحوار: محمد الساعيأشارت تقارير مؤسسات اقتصادية دولية إلى أن الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة قد بدا فعليا، أن النهوض الاقتصادي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية قد انتهى. فيما أكدت وزارة التجارة الأمريكية أن الناتج المحلي الإجمالي هوى بوتيرة سنوية بلغت 33% في الربع الثاني من العام، وهو أكبر انخفاض منذ أن بدأت الحكومة حفظ السجلات في 1947، فيما شككت تقارير أخرى في هذا الأمر، مؤكدة أنه من المبكر الحكم على ذلك أو الجزم بأن أكبر اقتصاديات العالم سيدخل مرحلة الركود.. أو الكساد.كلا الرأيين يجمعان على نتيجة واحدة، وهي أن إصابة الاقتصاد الأمريكية بالركود تعني انتقال عدوى ذلك إلى اقتصاديات العالم، كما هو الحال في سرعة انتقال فيروس كورونا. وهذا ما يجعلنا نتساءل: كيف يؤثر الركود الاقتصادي الأمريكي على غيره من الاقتصاديات؟ ثم.. ما المخاطر التي تنتج من دخول أي اقتصاد حالة من الركود؟ ما وضع دول الخليج في هذه الأزمة؟ وما أسوأ السيناريوهات المحتملة إذا ما حصل الركود؟ تساؤلات طرحناها على الخبير الاقتصادي، والمدير التنفيذي في مركز أولا للدراسات والاستشارات الدكتور جعفر الصايغ. ومستهل حوارنا: ما هو الركود الاقتصادي بأبسط تعريفاته؟يجيب ضيفنا: بشكل مبسط، يمكن تعريف الركود بأنه انخفاض حاد في الاستهلاك والإنتاج. فبعد سنوات من النمو الاقتصادي في أي اقتصاد، قد تبدأ نظرة تشاؤمية لدى المستهلكين والمستثمرين أو المنتجين بأن فرص النمو والاستثمار لم تعد كما كانت وهي في تقلص مستمر، وأن الغد سيكون أسوأ، وبالتالي يبرز قلق وتردد من الاستمرار في الاستثمار، ومن ثم تبدأ عملية الادخار التي تقود بدورها إلى انخفاض تدريجي في السيولة بالاقتصاد بشكل كبير نتيجة ذلك التردد في استخدام هذه السيولة التي هي موجودة أساسا ولكن لا يتم استثمارها. وهنا يبدأ الركود الذي يمثل حالة من الانخفاض الحاد والمستمر في الاستهلاك والإنتاج. وهذا ما يشمل جميع القطاعات الاقتصادية من دون استثناء.ولكن -يستدرك الصايغ- المشكلة لا تقتصر على هذا الحد، بل إن هناك حالة أسوأ بكثير من الركود الاقتصادي وهي الكساد. وفي هذه الحالة ينعدم النشاط الاقتصادي وتخرج الكثير من المؤسسات من السوق وتصل البطالة إلى نسب عالية جدا كأن تبلغ 50%.عوامل الركودبعد هذا التعريف المبسط للركود، ينتقل الخبير الاقتصادي الدكتور جعفر الصايغ للحديث عن العوامل التي تقود إلى هذه المشكلة، مشيرا إلى أن الركود الاقتصادي يحدث نتيجة لعاملين أو سببين أساسيين، الأول هو الركود المرتبط بالدورة الاقتصادية لاقتصاد أي دولة. ففي أي دورة اقتصادية، يستمر الاقتصاد في النمو سنوات محددة تتراوح غالبا بين 10-15 سنة، ليبدأ بعدها –كما أشرت قبل قليل– في الانكماش والانحدار وصولا إلى ما يسمى بالركود. وهذا الركود غالبا ما يستمر 4-6 أشهر وقد يصل إلى سنة، قبل أن يبدأ الاقتصاد في التعافي والعودة إلى النمو. وهذا كما أشرت ركود طبيعي متوقع في أي دورة اقتصادية.ولكن هناك عامل آخر للركود يرتبط بحدث معين له انعكاساته السلبية، كأن يكون مرتبطا بأزمة سياسية أو اقتصادية أو صحية أو حرب مثلا. وأبسط مثال على ذلك هو الظروف الحالية التي تفرضها جائحة كورونا.والفارق الأساسي بين الركود المرتبط بالدورة الاقتصادية والركود المرتبط بظرف معين، أنه يمكن توقع عمر الركود في الدورة الاقتصادية، وهو ما أسلفت قد يصل إلى 6 أشهر أو عام، في حين أن الركود الاقتصادي في النوع الثاني يكون مرتبطا بعمر الأزمة نفسها. فكلما طالت الأزمة طال معها عمر الركود. وبالتالي لا تكون الصورة واضحة أمام الحكومات أو المستثمرين أو المستهلكين. وهذا ما يجعل النظرة التشاؤمية أطول وأشد وطأة.انعكاسات الركودمقدمة مهمة ساقها لنا محدثنا حول تعريف ومسببات الركود، وهي تقودنا إلى سؤال مهم: ما المخاطر والانعكاسات الاقتصادية التي يخلفها الركود الاقتصادي؟يقول الصايغ: دخول أي اقتصاد في حالة من الركود يعني عدم وجود استقرار اقتصادي، وبالتالي قد يقود إلى هروب رؤوس الأموال لعدم الثقة في الاقتصاد، وتبعا لذلك ترتفع معدلات البطالة، حيث تضطر بعض المؤسسات إلى تسريح الموظفين بحسب حدة الركود وطول المدة التي يستمر فيها. وتزداد حالات الإفلاس لدى المؤسسات. ويرتفع العجز لدى الحكومة التي تضطر إلى أن تعمد إلى عملية حلحلة للمشكلة من خلال آليات محددة مثل ضخ السيولة في الاقتصاد وخفض الضرائب وخفض الرسوم وزيادة النفقات الحكومية وخفض سعر الفائدة. وكل ذلك قد يرفع من العجز والمديونية، وتنخفض العائدات. وبالتالي يكون النشاط الاقتصادي شبه ميت، وقد يصل في بعض الأحيان إلى فوضى اجتماعية وسياسية واقتصادية. كساد.. وليس ركودا!!‭}‬ تشير الكثير من التقارير إلى أن الاقتصاد الأمريكي دخل فعلا مرحلة الركود، وأن الانعكاسات السلبية لهذا الركود ستنعكس على كل اقتصاديات العالم. فيما تؤكد تقارير أخرى أنه من المبكر القول بذلك. من وجهة نظرك، هل بدأ الركود فعليا في الاقتصاد الأمريكي؟‭{{‬ جميع المؤشرات الاقتصادية تشير إلى أنه نتيجة الوباء وجائحة كورونا (وليس نتيجة الدورة الاقتصادية)، يواجه الاقتصاد الأمريكية أزمة حقيقية نتج عنها إغلاق مؤسسات ومحلات كبيرة وتوقف الإنتاج والاستهلاك، ما أدى إلى توقف كبير في إجمالي الناتج المحلي والعملية التنموية لأكثر من خمسة أشهر. وكل هذه العوامل هي صفات وملامح للركود الاقتصادي. فالعجز في الميزانية الأمريكية ارتفع إلى أكثر من 4 ترليونات دولار. والدين العام ارتفع إلى نفس إجمالي الناتج المحلي وهو 20 ترليون دولار؛ أي ما يعادل 100% من الناتج المحلي. والبطالة ارتفعت بنسب عالية. كثير من المؤسسات أغلقت. وكل ذلك يجعل الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود وعلى أبواب كساد تاريخي إذا ما استمرت الأزمة مدة أطول. ولكن الأيام كفيلة ببيان ذلك.وهنا، طالما استمرت الأزمة، فإن كل المؤشرات الحالية تؤكد أن الاقتصاد الأمريكي سيدخل حالة كساد تاريخية أسوأ وأعظم مما شهدته دول أوروبا وأمريكا عام 1930. فنحن لم نعد نتحدث عن ركود اقتصادي فقط، وإنما كساد إذا ما استمرت الأزمة فترة أطول.انتقال العدوى* ولكن.. كيف لمشكلة يعاني منها اقتصاد دولة واحدة حتى لو كانت عظمى أن تمتد إلى جميع دول العالم؟** كما نعرف أن الاقتصاد الأمريكي يعتبر أكبر اقتصاد في العالم. وإجمالي الناتج المحلي الأمريكي يبلغ حوالي 20 ترليون دولار، وهو ما يمثل 20%-25% من الاقتصاد العالمي، لذلك فإنه من الطبيعي أن أي مشكلة أو أزمة تصيب مثل هذا الاقتصاد الذي يعادل حوالي ربع اقتصاد العالم، فإنها ستنعكس على باقي اقتصاديات الدول، وخاصة تلك المرتبطة بشكل وثيق بهذا الاقتصاد. وهذا ما كان جليا في أزمة الرهن العقاري عام 2008 والتي بدأت هزتها في الاقتصاد الأمريكي ثم ألقت بضلالها على العالم كله.أضف إلى ذلك أن العولمة والتكنولوجيا الحديثة جعلت العالم مثل قرية كونية مترابطة، ومن السهولة بمكان انتقال العدوى والأزمات من طرف إلى آخر في هذه القرية نتيجة هذا الترابط. لذلك من المتوقع جدا إذا ما ضرب الركود والكساد الاقتصاد الأمريكي، أن تكون الانعكاسات واسعة على عدة مناطق، وخاصة أن دول أوروبا واليابان وغيرها بدأت تعاني الآن بشكل كبير، وبدأ النمو ينخفض بمتوسط 5%-7%، وبعض الدول وصل إلى 10%، وكثير من الشركات والمؤسسات مثل شكات الطيران توقفت وسرحت الموظفين وباعت طائراتها، بل إن بعض المؤشرات والتقديرات تشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي انهار خلال الربع الثاني من عام 2020 بنسبة 42%. وهذا ما أكده على سبيل المثال تقرير بنك أتلانتا الاحتياطي الفدرالي.وكل ذلك يعتبر مؤشرات على أن العالم على أبواب ركود تاريخي حاد.دول الخليج‭}‬ ماذا عن منطقة الخليج؟ هل سيكون انعكاس ذلك الركود مباشرا وقويا عليها؟‭{{‬ كما حدث في الأزمة المالية، سوف تتأثر دول الخليج سلبا لأن استثماراتها مرتبطة بالاقتصاد الأمريكي، وصناديقها السيادية الضخمة موجودة في أمريكا؛ لذلك كما يؤكد المحللون والمؤسسات الدولية، فإن الخطر ليس ببعيد عن دول الخليج. وربما نصل إلى أزمة مالية واقتصادية أسوأ مما مررنا به عام 2008 إذا استمرت الأزمة الحالية مدة أطول.‭}‬ وهل ستكون دولنا قادرة على التعامل مع هذه الأزمة إذا حدثت؟‭{{‬ استطاعت دول الخليج نوعا ما أن تمر من أزمة 2008، ولكن كان الوضع مختلفا، وكان السبب معروفا، وكذلك كان بالإمكان توقع الفترة التي ستمتد لها الأزمة آنذاك. أما في الأزمة الحالية، ولأن الركود ناتج عن أزمة عالمية لا يمكن التنبؤ بمدتها، فإن الأمر يبقى مفتوحا ولا يمكن معرفة النهاية. وهذا ما يجعل الأمر مختلفا، ثم إن دول الخليج تعتمد بشكل كبير في اقتصاداتها على التدفقات النفطية، وإذا ما توقفت هذه التدفقات فترة طويلة فإن المشكلة ستكون أعمق، ويحدث عجز عن الإيفاء بالالتزامات، ويرتفع الدين العام، لكننا نأمل ألا نصل إلى هذه المرحلة. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن الدول التي لديها احتياطات نقدية كبيرة ستكون أكثر قدرة على التحمل، أما الدول التي لا تمتلك مثل هذه الاحتياطيات فإن وضعها سيكون أكثر صعوبة. لا استثناء!‭}‬ ماذا عن اقتصاديات دول كبرى مثل الصين وروسيا والهند؟‭{{‬ كل الدول مهددة من دون استثناء، ولكن ما رأيناه خلال الفترة الماضية أن هناك انتعاشا في الصين التي استطاعت أن تحاصر الوباء، وهذا ما انعكس إيجابا على الاقتصاد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الهند التي رغم تهديد الوباء فإنها معتادة على حالات عدم الاستقرار الاقتصادي. ولكن إذا ما استمرت الجائحة، فإنه ليس هناك دولة مستثناة من تداعيات الأزمة. ‭}‬ باختصار.. ما أسوأ سيناريو متوقع؟‭{{‬ إذا استمر الوباء فترة طويلة مثل 3-4 سنوات، واستمر تسريح العمال وإفلاس الشركات وتوقف الإنتاج، فإن الأزمة قد تتحول إلى كارثة عالمية نتمنى ألا نصل إليها، وخاصة إذا استمرت أسعار النفط دون 25-30 دولارا.‭}‬ بعض التقارير الاقتصادية تؤكد أن انتهاء الوباء لا يعني انتهاء المشاكل الاقتصادية، وأن الركود من الممكن أن يمتد فترات طويلة قد تصل إلى أعوام، فيما تقدم تقارير أخرى نظرة أكثر تفاؤلا. هل من المتوقع تحسن الأوضاع الاقتصادية تزامنا مع انتهاء الوباء؟ أم أن الأمر يحتاج فعلا إلى فترات طويلة؟‭{{‬ أولا لا يمكن لأي جهة الإقرار بموعد انتهاء الأزمة والجائحة أو التأكد من اكتشاف علاج فعلي للفيروس، وكذلك من مدى قدرة الإجراءات الحكومية في مختلف الدول على التخفيف من تداعيات الأزمة.ولكن الكثير من التوقعات تشير إلى أن بداية العام القادم 2021 قد يكون بداية النهاية للوباء. وعندها من الممكن أن نشهد مباشرة نوعا من الانتعاش وتعود حركة الاقتصاد وضخ السيولة خلال فترة وجيزة. فمن الطبيعي أن يرجع الاقتصاد للنمو عندما تنتهي مخاطر الوباء واكتشاف علاج لفيروس كورونا. وبمجرد أن يشعر المستثمر والمستهلك بأن الخطر قد زال، فستتقلص تلك النظرة التشاؤمية التي تحدثنا عنها في البداية، وتبدأ الحركة تعود تدريجيا إلى طبيعتها. وهذا ما ينعكس إيجابا على الاقتصاد.مسؤولية الفرد‭}‬ أمام الأزمة الحالية، ما المطلوب على المستوى الفردي للتعامل مع الوضع؟‭{{‬ نحن في وضع اقتصادي غير مستقر عالميا وإقليميا ومحليا، لذلك فإن المطلوب منا أن نغير من النمط الاقتصادي الخاص بنا، وهذا ما يشمل نمط الاستهلاك وثقافة الادخار مع توقع الأسوأ وأخذ الحيطة والحذر. كما يجب أن نتعاون مع قرارات الدولة ومع الإجراءات الاحترازية التي تقر لمواجهة تداعيات فيروس كورونا. فمواجهة كورونا والسيطرة عليها تعتمد بشكل كبير على ثقافة المجتمع وتعامله مع القرارات والإجراءات.

مشاركة :