ارتكبت مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة في تونس خروقات خلال الفترة الانتخابية الرئاسية والتشريعية، تفاوتت نسبتها في ما بينها، وتشير هذه الخروقات إلى أن المؤسسات الإعلامية التونسية ما زالت تتلمس طريقها نحو الديمقراطية وتفتقد للأداء المهني. تونس - لم تستوعب المؤسسات الإعلامية التونسية الدور المطلوب منها في ظلّ منظومة ديمقراطية، خصوصا خلال فترة الانتخابات، إذ ما زالت تتعامل مع معايير الحياد والنزاهة والموضوعية من باب الكماليات والشكليات الثانوية، بحسب ما أكد تقرير رصد أداء الإعلام التونسي خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية لعام 2019. ووجه التقرير الذي أعدّه ائتلاف أوفياء للديمقراطية ونزاهة الانتخابات، بالاشتراك مع المعهد الديمقراطي الوطني “إن.دي.آي” نقدا لاذعا لوسائل الإعلام التونسية التي سجلت عددا من الخروقات تتعلق أساسا بالدعاية الانتخابية والدعاية السلبية والتحيز وعدم الحياد، وتم عرض التقرير الثلاثاء في ندوة صحافية بتونس العاصمة. وأكد نبيل اللباسي رئيس ائتلاف أوفياء في تصريحات صحافية، أن الإعلام في تونس مستقل عن السلطة السياسية الحاكمة، لكنه غير مستقل عن لوبيات المال والتجاذبات السياسية. وأضاف اللباسي أنه يتعين على الإعلام أن يلعب دوره في المحافظة على الديمقراطية من خلال الاستقلالية والحياد وعكس الصورة الحقيقية للمواطن دون توجيه وتمجيد لأي طرف كان. وارتكبت الخروقات مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة، واعتمد التقرير في عملية الرصد 10 مقاييس هي الإشهار (الإعلان) السياسي والدعاية الإيجابية والدعاية السلبية وانتهاك كرامة الإنسان وحقوقه ومعطياته الشخصية، إضافة إلى التحيز وعدم الحياد وغياب الدقة والموضوعية. كما اعتمد أيضا على مقاييس التحريض على الكراهية أو التمييز أو الإقصاء ونشر سبر الآراء وتضليل الناخبين ونشر الأخبار الزائفة وتحريف المواقف، فضلا عن المس من قيم الدولة المدنية الديمقراطية أو الدعوة لانتهاك الحقوق وخنق الحريات وعدم احترام مقتضيات الأمن العام والدفاع الوطني. وبيّن التقرير أن هنالك ارتفاعا مفاجئا لعدد الخروقات حيث بلغت نسبتها 119 في المئة مقارنة بما تم تسجيله في الفترة السابقة للانتخابات ثم لترتفع إلى 130 في المئة خلال الحملات الانتخابية. وأكّد التقرير أن ثلثي الخروقات ارتكبت من قبل قناتي نسمة والحوار التونسي بينما تمّ تراجع في الخروقات في الإعلام السمعي مقارنة بفترة الانتخابات البلدية حيث كانت نسبة الخروقات من بعد الترجيح في حدود 13 في المئة في الفترة السابقة للانتخابات لتنخفض إلى 5 في المئة خلال الحملات الانتخابية. وتفيد الإحصائيات الناتجة عن عمليات الرصد أن مؤسسات الإعلام العمومية بمختلف أنواعها هي من بين المؤسسات الأفضل من حيث احترام المعايير الانتخابية، باستثناء جريدة الصحافة والتي اعتبرها التقرير الأسوأ من بين مؤسسات الإعلام الورقي. نبيل اللباسي: الإعلام في تونس مستقل عن السلطة السياسية الحاكمة، لكنه غير مستقل عن لوبيات المال والسياسة وتميزت العديد من المؤسسات الإعلامية الخاصة، حسب التقرير، بمستوى جيّد من احترام المعايير الانتخابية منها جريدة المغرب وإذاعة إكسبراس أف.أم، على عكس بعض المؤسسات الأخرى التي تميّزت بأرقام قياسية في الخروقات على غرار قناتي الحوار التونسي ونسمة وجريدة الشارع المغاربي. وأشار معدو التقرير إلى أن العينات التي تم اختيارها تمثّل ما بين 60 إلى 80 في المئة من نسبة المبيعات أو التصفح أو الاستماع أو المشاهدة. وتناولت أعمال التصنيف والتحليل، الرصد الكمّي لمستوى التغطية الإعلامية الانتخابية ورصد الخروقات للمعايير الانتخابية ورصد درجة احترام مبادئ المساواة والإنصاف إضافة إلى رصد احترام مبدأ التناصف. ومن بين التوصيات التي جاءت في التقرير، الدعوة إلى منع أصحاب المؤسسات الإعلامية والمساهمين فيها والمشرفين عليها من الترشح إلى أي انتخابات رئاسية أو تشريعية أو محلية لمدة لا تقل عن عام منذ تخليهم عن حقوقهم فيها أو سلطاتهم عليها. كما دعا التقرير إلى منع وسائل الإعلام من القيام بأي من أشكال الدعاية السلبية ضد أي مرشح أو قائمة مرشحة خلال كامل الفترة الانتخابية، وإلزام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات باحترام مبدأ الشفافية من خلال نشر المعلومات مفصلة بشأن مراقبة الحملات الانتخابية. وبدأت الانتقادات لوسائل الإعلام في تونس منذ المرحلة الأولى للانتخابات الرئاسية، حيث وجه التونسيون الاتهام إلى العديد من وسائل الإعلام بالتورط في الانحياز وعدم الحياد. وأصدرت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري “الهايكا” بيانا تضمن تحذيرا شديد اللهجة للمؤسسات الإعلامية، واتهمت بعضها بـ”الانخراط في أجندات سياسية لبعض المرشحين”. وأكدت الهايكا انخراط العديد من وسائل الإعلام السمعية والبصرية (المرئية والمسموعة) الخاصة في الأجندات الانتخابية لبعض المرشحين خلال فترة الانتخابات الرئاسية. واتهمت بعض أصحاب وسائل الإعلام بالانحياز ما أثر في استقلالية الخط التحريري لهذه المؤسسات وجعل بعض الصحافيين العاملين بها رهن المصالح الضيقة لأصحابها، واعتبرت أن “تخلي هذه القنوات عن التزاماتها الأخلاقية والمهنية والتعاقدية هو سعي إلى تجريد العملية الانتخابية من أهدافها الأساسية، خاصة حق المواطنين في الاختيار والمحاسبة وفق إرادة حرة”.
مشاركة :