على العرب ألا يكتفوا بمتابعة الأخبار المثيرة القادمة من بيروت بعد فاجعة انفجار المرفأ، سواءً تعلقت بمعرفة المسؤول عنها، أو تعلقت بمسلسل استقالات الوزراء والنواب، فالمسلسلان سيستمران معنا لفترة من الزمن. لا بد من توسعة دائرة الاهتمام بالحدث من أجل استخلاص الدروس واستيعاب الرسائل التي تحملها الفاجعة، حول خطورة ظاهرة الانتماءات العابرة للحدود والمبنية على أسس طائفية، كما هو حال حزب الله اللبناني أو الحوثيين، أو الميليشيات الولائية في العراق، أو حتى تلك التي لها علاقة بالتنظيمات التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، وتخفي أهدافها الحقيقية، ومثل جماعة الإخوان المسلمين، التي باتت اليوم الذراع العسكرية لطموحات رئيس النظام التركي أردوغان في عدد من الدول العربية، مثل ليبيا ومصر وسوريا وغيرها. إن فاجعة بيروت، كما وصفها مصطفى الكاظمي، رئيس الحكومة العراقية في كلمته خلال مؤتمر المانحين، الذي انعقد يوم الأحد الماضي، وهو أكثر من يمكن أن يشعر بمرارة الحدث اللبناني وألمه لأن بلاده تعيش تقريبا “النسخة” نفسها؛ هي في واقع الأمر جرس إنذار يجب أن يسمعه كل العرب، وهي وفق كلامه “درس عميق ومشترك عن خطورة الصراع السياسي الداخلي والإقليمي والدولي في المنطقة”. النتيجة التي نراها حالياً، يجب ألا تشغلنا عن التوقف لنركز على الأسباب التي أدت إلى هذه الفاجعة الإنسانية؛ فالأمر ليس وليد اللحظة، وإنما هو مرض تراكمت أسبابه الخطيرة فترة طويلة، وعاشه لبنان واللبنانيون وفق انقسامات طائفية مبنية على المصالح، أدت بمرور الوقت إلى تدخلات خارجية، فقدت بسبب منها الدولة سيادتها وسلطتها، وأصبح في لبنان دولة داخل دولة، بل أصبحت الدولة الطفيلية أقوى من الدولة الأم، التي تحوّلت إلى دولة من الفاسدين. أثبتت الأحداث أن نظام المحاصصة السياسية، الذي تعتمده بعض الدول العربية مثل العراق ولبنان، هو نظام خطير جداً، بيّنت التجربة في كلا الدولتين أن من نتائجه ولاءات خارج حدود الوطن لكي تكون الدولة سيّدة قرارها ومسؤولة عن كل ما يحدث داخل أرضها لا بد أن تتحمل مؤسساتها ويتحمل مواطنوها المسؤولية عن إدارة شؤونها، دون أن تفرقهم الاختلافات الفكرية والطائفية، يجب أن تكون الدولة بمثابة مظلة كبرى تتلاشى تحت ظلها التباينات. أي أن يكون هناك جيش وطني ومؤسسات تخضع للسيادة الوطنية، كما في الموانئ والمنافذ الحدودية كلها، أي شيء غير ذلك، علينا أن ننتظر حدوث كارثة أو فاجعة، تتكرر من حين إلى آخر وفق مصلحة الدول التي تواليها الأذرع السياسية والعسكرية. وعندما يتجرّأ حسن نصرالله بكل وقاحة ليعلن ولاءه العابر للحدود؛ المرشد الأعلى في إيران، أو تقوم بعض قيادات تيار الإخوان المسلمين المنتشرين في الدول العربية بتقديم مصلحة “جماعتهم” وخليفتهم المنتظر على دولهم الوطنية، علينا حينها ألا نستغرب لحدوث انفجارات، لأن إيران وتركيا تريدان إبقاء الدول العربية في أزمات ومشاكل، حرصا على مصالحهما، التي تتحقق وتنمو في ظل الانقسام العربي وتمزق مجتمعاته. لو أخذنا ما حدث في لبنان وفق مبدأ، تحويل الأزمات إلى فرص، واعتبرناه حسنة، رغم كل الخسائر التي لحقت بلبنان، فإننا نستطيع القول إن الانفجار أعطى درساً لكل الشعوب العربية، وليس للبنانيين والعراقيين فقط، بأن ما حدث هو نتيجة طبيعية للسماح لدول أجنبية بالتدخل في الشأن الداخلي للدول العربية، وهي مسألة تعاني منها أغلب دول المنطقة. أثبتت الأحداث أن نظام المحاصصة السياسية، الذي تعتمده بعض الدول العربية مثل العراق ولبنان، هو نظام خطير جداً، بيّنت التجربة في كلا الدولتين أن من نتائجه ولاءات خارج حدود الوطن. وبالتالي يجب الاستفادة من هذه الحادثة، في مراجعة أنماط من الحكم لم تجلب على الشعوب العربية سوى الكوارث، والعمل من أجل تحقيق الدولة الوطنية. إيران وتركيا، تحديداً، دولتان في الجوار العربي تسعيان لتحقيق مصالحهما من خلال اختراق فئات مستعدة لبيع نفسها داخل المجتمعات العربية، وعادة ما تكون الانتماءات غير الوطنية المدخل المناسب لذلك.
مشاركة :