لجأت سلطنة عمان إلى البنوك الدولية لطلب الحصول على قرض بملياري دولار كحل وقتي لمعالجة اختلالات الاقتصاد التي سببتها إجراءات الإغلاق وتهاوي أسعار النفط في خطوة تعكس اتجاه السلطات نحو توفير السيولة الضرورية لسد الفجوة في الموازنة إلى حين ترتيب إصدار السندات الدولية لاحقا. مسقط - كشفت خطوات حكومة سلطنة عمان في التوجه إلى البنوك الدولية قصد طلب قروض عن إستراتيجية البلد في إدارة أزمته المالية بتوفير سيولة وقتية لمواجهة التحديات إلى حين استكمال إصدار سندات دولية للخروج من الأزمة المالية الخانقة. وتأتي هذه التحركات في وقت تواجه فيه سلطنة عمان ضائقة مالية ما يحتم عليها الإسراع في اتخاذ قرار واضح بشأن ما إذا كان الوقت قد حان من أجل اللجوء إلى جيرانها الخليجيين لتلقي مساعدة مالية عاجلة أم إلى صندوق النقد الدولي، خاصة مع تضاؤل هامش تحرك السلطات لتدارك الموقف دون مخاطر في ظل الظروف الراهنة. وقال مصدران مطلعان الأربعاء إن حكومة سلطنة عمان وقعت على قرض مؤقت مدته عام بقيمة ملياري دولار مع مجموعة من البنوك الدولية والإقليمية. وسيعزز القرض، الذي سيُسدد بأموال تُجمع من إصدار سندات دولية، خزائن الدولة المتضررة من انخفاض أسعار النفط والتراجع الاقتصادي الناجم عن أزمة فايروس كورونا. ونقلت رويترز أن المصدرين قالا في وقت سابق إن عُمان اختارت بنك أبوظبي الأول وبنك مسقط لترتيب القرض. وتكشف الأزمة الاقتصادية الحادة الناتجة عن مخلّفات الوباء والهبوط الحاد لأسعار النفط أن مسقط غير قادرة على تجاوز محنتها دون دعم خليجي في شكل حزمة إصلاحات عاجلة على شاكلة خطة الإنقاذ التي حصلت عليها البحرين في 2018. وقال أحد المصدرين إن عُمان قد تصدر سندات خلال الأشهر الستة المقبلة لسداد القرض طالما هناك طلب في السوق. وأضاف أن السعر “أرخص نسبيا من (سعر) السوق وأن هيكل القرض سيشهد رفع التسعير مع الوقت”. والسلطنة منتج صغير نسبيا للنفط الخام ومثقلة بمستويات مرتفعة من الديون، مما يجعلها أكثر عرضة لتقلبات أسعار الخام من معظم جيرانها من دول الخليج الأكثر ثراء. وتفيد تقديرات صندوق النقد الدولي بأن العجز المالي لعُمان قد يرتفع إلى 16.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام من عجز بنسبة سبعة في المئة العام الماضي. ويثير لجوء مسقط إلى الاقتراض الخارجي بشراهة لسد العجز في الموازنة مخاوف بين المستثمرين ودفع تصنيفها الائتماني إلى مستوى عالي المخاطرة، في ظل بطء وتيرة الإصلاحات وزيادة الإنفاق الحكومي. وتعتبر سلطنة عُمان أكثر عرضة لخطر تقلبات أسعار النفط مقارنة مع معظم جيرانها الأكثر ثراء في الخليج، وهي منتج صغير للخام وتنوء بعبء مستويات مرتفعة من الدّيون. قرض الملياري دولار، الذي سيُسدد بأموال من إصدار سندات، سيعزز خزائن الدولة المتضررة من كورونا وانخفاض النفط وخفضت وكالة موديز في يونيو تصنيف عمان إلى بي.أي3 من بي.أي2 ليدخل أكثر في النطاق عالي المخاطر، مشيرة إلى مخاطر متعلقة باحتياجاتها التمويلية وتقلص مصداتها. ولدى البلاد ديون خارجية تزيد قيمتها عن عشرة مليارات دولار تستحق في 2021 و2022 مما قد يزيد الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي إذا لم يؤجل موعد سدادها. وتقول عُمان إنها خططت لجمع ديون بأكثر من خمسة مليارات دولار هذا العام لتغطي جزءا من عجز يُقدر بنحو 6.5 مليار دولار، لكن ذلك كان قبل جائحة فايروس كورونا وانهيار أسعار النفط. وعززت الوتيرة الفائقة لتراكم ديون عُمان خلال السنوات القليلة الماضية المخاوف حيال قدرتها على خدمتها في ظل بطء وتيرة الإصلاح المالي والاقتصادي. وسبق أن قال حاكم عُمان الجديد السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، الذي تولى السلطة في يناير الماضي، إن الحكومة ستعمل على خفض الدين العام وإعادة هيكلة المؤسسات العامة والشركات لدعم الاقتصاد. ويعتقد محللون أن الظروف باتت مهيّأة الآن أمام عُمان لجسر الهوة مع أشقائها في ظل حكم السلطان هيثم بن طارق الذي أكد منذ الخطاب الأول على أولوية العمق الخليجي. وتعرضت العملة المحلية المربوطة بالدولار لبعض الضغوط في الأسواق الآجلة، غير أنها تراجعت بشكل كبير جدا في الشهر الماضي. وساءت التوقعات بتعافي اقتصاد عُمان، ويتوقع محللون في وكالة ستاندرد آند بورز انكماشه بواقع 4.7 في المئة رغم أن البعض يرى أنه من الممكن أن يتحسن العام المقبل. ولدى الكثير من المحللين شكوك في قدرة مسقط على الخروج من أزمتها سريعا في ظل الوضع القائم ولاسيما مع تبني مجلس الشورى مقترح إحدى لجانه بربط ضريبة القيمة المضافة بانتعاش النمو الاقتصادي. وذكر موقع واف الإخباري العُماني الشهر الماضي أن اللجنة الاقتصادية والمالية في مجلس الشورى اقترحت تطبيق ضريبة القيمة المضافة مع استثناء أصحاب الدخل المنخفض منها في حال تحقيق معدل نمو اقتصادي لا يقل عن 3 في المئة. ورغم أن تحقيق تلك النسبة يبدو أمرا شبه مستحيل قبل ثلاث أو أربع سنوات نظرا لتباطؤ الاقتصاد العالمي، توقع محللون استطلعت رويترز آراءهم أن تحقق عُمان ذلك الهدف في العام المقبل. واقترحت اللجنة الاقتصادية والمالية استثناء من يبلغ دخلهم الشهري 900 ريال (2340 دولارا) أو أقل من الضريبة. ولا يزال قانون ضريبة القيمة المضافة قيد النقاش، كما أن تطبيق الأمر مرهون بقرار السلطان هيثم لأن مجلس الشورى له دور استشاري فحسب. واتفقت دول الخليج على فرض ضريبة القيمة المضافة البالغة 5 في المئة مع بداية العام الماضي بعدما تضررت إيراداتها جراء هبوط أسعار النفط، لكن مسقط، الأضعف ماليا بين هذه الدول، أرجأت التنفيذ مرتين. وكانت ستاندرد آند بورز قد أكدت مرارا أن تأجيل تطبيق الضريبة إلى ما بعد 2020، بالتزامن مع انخفاض أسعار النفط، ينطوي على مخاطر تتهدد افتراض انخفاضها إلى مستويات عجز أصغر مقارنة مع الفترة الفاصلة بين عامي 2015 و2017.
مشاركة :