واشنطن - تترسخ فكرة لدى الكثير من المراقبين السياسيين بأن مرشح الديمقراطيين للرئاسة الأميركية جو بايدن قد يمسك العصا من المنتصف في علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل في حال فاز بالرئاسة. ويرى شق من هؤلاء أن الرجل، الذي يجاهر بحبه لإسرائيل منذ أربعة عقود، يمكن أن يخفف التوتر الذي نشأ في عهد الرئيس السابق باراك أوباما وأنه يمتلك مقومات ذلك لاسيما وأنه يتمتع بحظوة لدى صناع السياسة في إسرائيل. وبدأت تلك العلاقة الوطيدة خلال أول رحلات بايدن إلى إسرائيل في 1973 عندما التقى رئيسة الوزراء غولدا مئير، التي حدثته بالتفصيل بين سيجارة وأخرى عن التهديدات الأمنية في المنطقة قبل أيام من حرب أكتوبر. ووصف بايدن المنتخب حديثا حينها كعضو في مجلس الشيوخ اجتماعه مع مئير لاحقا بأنه “كان من أكثر الاجتماعات أهمية” من حيث تأثيره على حياته. وظل خلال أربعين سنة من مسيرته السياسية مدافعا قويا عن إسرائيل لاسيما في ما يتعلق بمواقفه من النزاع الفلسطيني. وأكثر فترة عرف فيها دعمه لإسرائيل كانت خلال عام 1986 حين قال إنه “إذا لم تكن إسرائيل موجودة، فستضطر الولايات المتحدة إلى اختراع إسرائيل لحماية المصالح الأميركية”. وسيواجه بايدن الذي سيسميه الحزب الديمقراطي رسميا مرشحه للرئاسة الأسبوع المقبل، دونالد ترامب الذي وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه أفضل صديق لإسرائيل حل في البيت الأبيض على الإطلاق. ولم يكن بالأمر الخفي التوتر الذي شاب علاقة نتنياهو مع الرئيس السابق باراك أوباما الذي كان بايدن نائبه، لكن بعض الخبراء يقولون إن فوز بايدن سيكون موضع ترحيب من المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية وليس فقط من قبل خصوم نتنياهو اليساريين. وعُرف بايدن بأنه مؤيد صريح لإسرائيل حيث قال في خطاب ألقاه عام 2015 إنه يجب على الولايات المتحدة التمسك “بوعدها المقدس بحماية وطن الشعب اليهودي”. ومن هذا المنطلق يعتقد محللون أن مثل هذا التاريخ في الدفاع عن إسرائيل هو مفتاح لكسب ثقة القادة الإسرائيليين الحساسين لما يوجه لإسرائيل من انتقادات في المحافل الدولية. وقال نداف تامير الدبلوماسي السابق ومستشار السياسة الخارجية للرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز لوكالة الصحافة الفرنسية “نحب الأشخاص الذين يحبوننا”. وأكد أنه “ما من شك في أن بايدن صديق يكن مشاعر قوية جدا تجاه إسرائيل”. لكن الخبراء أشاروا إلى أن بايدن يمكنه أيضا استعادة الدور الأميركي التقليدي كمحاور بين إسرائيل والفلسطينيين، بعد أن قطعت السلطة الفلسطينية العلاقات مع ترامب واتهمته بالتحيز الصارخ لإسرائيل. وقال تامير إن “بايدن سيفعل أفضل بكثير من ترامب في ما يتعلق بالقضايا الفعلية لأنه يدرك أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس لعبة متعادلة نتيجتها صفر”. وتبدو العلاقة الآن بين بايدن وإسرائيل في منعطف جديد تتأرجح بين سيناريوهات التهدئة الذي أثارها أوباما حيث تصادمت إداراته في الكثير من الأحيان مع إسرائيل خلال فترة حكمه واحتمالات التصعيد. ففي 2015 غضب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، وفي تصرف غير مسبوق مناف للأعراف الدبلوماسية، أدانه أمام الكونغرس حيث تحدث بدعوة من الحزب الجمهوري حين لم يتلق دعوة من الرئاسة. وقبل أسابيع قليلة من انتهاء ولاية أوباما، امتنعت واشنطن عن التصويت ضد قرار لمجلس الأمن يدين بناء المستوطنات اليهودية في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلتين، وهو ما أثار غضب نتنياهو أيضا. وقال إلداد شافيت من معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب “لا يمكننا التغاضي عن الأمر. هناك مشكلة بين المسؤولين الإسرائيليين والديمقراطيين”. يحب إسرائيل ولا يقسو عليها يحب إسرائيل ولا يقسو عليها لكن شافيت، ضابط المخابرات العسكرية السابق الذي عمل في مكتب نتنياهو من 2011 إلى 2015، شدد على أن بايدن شخصية مألوفة بالنسبة للطبقة السياسية في إسرائيل وهي ترتاح للتعامل معه. وقال “بايدن يعرفنا ونعرفه”. ويمتد سجل مواقف بايدن في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى ما قبل بدء التوترات في سنوات أوباما، فقد أيد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل قبل عقدين من إقدام ترامب على ذلك مثيرا غضبا عالميا. كما أيد مشروع قانون أصدره مجلس الشيوخ عام 1995 يقضي بإقامة سفارة أميركية في القدس بحلول عام 1999 قائلا إن الخطوة ستوجه “رسالة صائبة”. وتقول حملة بايدن لعام 2020 إنه في حال انتخابه فإنه لن يعيد إلى تل أبيب السفارة التي نقلها ترامب إلى القدس، لكنه سيعيد فتح قنصلية في القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل “للتواصل مع الفلسطينيين”. كما رفض بايدن خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط المثيرة للجدل واصفا إياها بأنها “حيلة سياسية” وتعهد بإجراء مفاوضات جديدة على أساس حل الدولتين مع الفلسطينيين. وبينما استشيرت حكومة نتنياهو بشكل كبير لم تُستشر السلطة الفلسطينية بشأن خطة ترامب التي رفضتها جملة وتفصيلا. ومع كل ذلك يبدو تامير قلقا من أن بايدن متمسك بالتقليد السياسي الأميركي الذي يقوم على ترك الخلافات مع إسرائيل طي الكتمان. فخلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، رفض بايدن بشكل قاطع انتقاد الضربة الصاروخية الإسرائيلية على نابلس عام 2001 والتي أدت إلى قتل طفلين، قائلا إن الخلافات مع إسرائيل يجب “البت فيها في جلسات خاصة”، حتى بعد أن أدانت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش الهجوم علنا. وفي حين أن بايدن انتقد إسرائيل علنا منذ ذلك الحين، يرى تامير أن الرجل لا يزال يميل بشكل طبيعي إلى مخاطبة الجماهير المؤيدة لإسرائيل ويشير إلى حبه لإسرائيل، دون أن يقسو عليها. ويؤكد تامير أنه يحتاج إلى الخروج من منطقة مواقفه السياسية المريحة والاستفادة من القوة العظمى التي يحظى بها للضغط على إسرائيل للتفكير في اتخاذ قرارات صعبة ولكن ضرورية، مثل السعي لحل قابل للتطبيق مع الفلسطينيين. وكما أشار شافيت، قد يضطر بايدن إلى تغيير نهجه تجاه إسرائيل لأن الحزب الديمقراطي يضم الآن متشككين بإسرائيل “أكثر تقدما” ولاسيما أنصار السناتور بيرني ساندرز الذي وصف نتنياهو بأنه “عنصري رجعي”. وتبقى مسألة ما إذا كان بايدن قادرا على تبني موقف عام أكثر صرامة تجاه إسرائيل تبقى مفتوحة، بحسب تامير، الذي قال “عليه أن يدفعنا، لأن النظام السياسي الإسرائيلي وصل إلى طريق مسدود إلى درجة لا يمكنك معها التوصل إلى اتخاذ قرار تاريخي دون أن يتم دفعك”.
مشاركة :