الشارقة: علاء الدين محمود في رواية «الصبية والليل»، التي صدرت ترجمتها العربية عام 2019، عن دار «هاشيت أنطوان/ نوفل» و«المركز الثقافي العربي»، يمارس الكاتب الفرنسي غيوم ميسو، لعبته السردية المفضلة في صنع تفاصيل قصة خيالية يغلب عليها الطابعان البوليسي والرومانسي؛ من أجل صنع عوالم من الإثارة والمتعة غير المبتذلة، ويعد ميسو، من أشهر الكتّاب الفرنسيين؛ حيث تحتل أعماله مناطق الصدارة في الكتب الأعلى مبيعاً، وتترجم روايته إلى لغات عديدة من بينها العربية، وعلى الرغم من أن البعض يقارن بينه والروائية الإنجليزية ذات الطابع الشعبي آجاثا كريستي، «1890 1976»، فإن أسلوبية ميسو، أكثر عمقا؛ فهو يدمج الخيال بالواقع بطريقة مبدعة، ويطرح الكثير من الأفكار والمعاني.وتأتي الرواية في قالب متخيل، وتدور أحداثها داخل حرم جامعي أثناء عاصفة ثلجية، بين عامي 1992 و2017، لمجموعة من الأصدقاء يجمع بينهم سر كبير، وهو عبارة عن جريمة ارتكبت في الماضي لتظهر على السطح بعد ربع قرن، وتحكي قصة الرواية بشكل خاص، عن علاقة تجمع بين طالبة وأستاذ فلسفة في الجامعة؛ حيث تشكل قصة هروبهما معاً إحدى الخيوط السردية المهمة في عودة أسرار الماضي إلى الواجهة مرة أخرى، ولعل ما يجعل القارئ ينهمك بشغف شديد في متابعة أحداث الرواية، هو توظيف الكاتب لعدد من الألعاب والتقنيات السردية مثل قوة الوصف، وصناعة الصور والمشهديات، والتنقل الذكي الخاطف والسلس بين الحاضر والماضي.العمل وجد تفاعلاً كبيراً من قبل القرّاء؛ حيث أجمعوا على جودته وقيمته الفنية العالية، وقارن أحدهم بين عوالم ميسو، وآجاثا كريستي، ويقول: «ربما تكون المقارنة في التفاصيل البوليسية في العمل، إلا أن هنالك اختلافاً من حيث التكنيك السردي والذي يقوم عند ميسو على أساليب حديثة، ويعتمد على وصف الحياة العصرية، بينما تغرق كريستي في نسج قصص بوليسية محضة»، بينما يذهب قارئ آخر إلى عقد مقارنة مختلفة، عندما شبه الرواية بالأعمال السينمائية الخالدة، ويقول: «يخيل إليك عند قراءة الرواية أنك تشاهد فيلماً عظيماً يحمل كل عناصر الفرجة والدهشة من تشويق وإثارة وفانتازيا، خاصة أن العمل يحتشد بالمفارقة الإنسانية والاجتماعية إلى جانب جرعات مكثفة من التراجيديا».ويرى قارئ أن الأساليب المتنوعة والبناء الدرامي قد شكلا ملامح رواية عظيمة، ويقول: «ما يجعل العمل مهضوماً، هو ما يتمتع به الكاتب من أسلوب مميز في السرد، يجمع بين سلاسة الكلام، وقوة الحبكة، وعناصر التشويق، والخيال الذي ينقل القارىء في شغف شديد بين الصفحات، فيجد نفسه وقد التهم تلك الوجبة السردية المتقنة في زمن قليل»، فيما تنتقل قارئة إلى نقطة مختلفة ومهمة، عندما لفتت إلى الطابع الأمريكي في السرد، وتقول: «لن يجد القارئ أثراً كبيراً للحياة الفرنسية في أعمال الكاتب، خاصة في هذه الرواية؛ وذلك نسبة لتأثره بأسلوب الحياة في أمريكا؛ لكونه عاش هنالك فترة من الزمن، حتى أن بطل الرواية يأتي من أمريكا، كما أن المؤلف يذكر المدن والمعالم والحياة الأمريكية كثيراً».ويلفت قارئ إلى قوة الأفكار عند الكاتب، وتعدد عوالمه السردية، ويقول: «يأخذنا الكاتب عبر الرواية في رحلة إلى حيث عوالم غرائبية عجيبة، كما أنه يطل على حياة العزلة والتناقضات الإنسانية، ويدلنا بطريقة ساحرة على كيفية اكتشاف ذواتنا»، فيما يرى آخر أن سر الرواية يكمن في الوصف، ويقول: «يهتم الكاتب بالتفاصيل الصغيرة المتعلقة بالأماكن والوجوه التي تعلق في ذاكرة المتلقي بقوة؛ لأن المؤلف يقوم بوصف كل شيء، حتى يخيل إليك أن بعض التفاصيل زائدة على الوصف».
مشاركة :