محمد ولد بلال وزير أول موريتاني يولد من صراع شرس بين رئيسين

  • 8/15/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ستكون بلاد شنقيط في المقبل من الأيام مسرحا لممارسة الديمقراطية، كما يُعَرِّفُهَا حكامها، بإعادة توزيع الثروة والمناصب وسنوات السجن على المتورطين في محاولة الانقلاب على النظام الجديد من أطراف ما زالت توالي السلطة القديمة، وسيكون على الموجه الجديد لدفة العمل الحكومي إيجاد المداخل السياسية والتبريرات القانونية والتغطية الدبلوماسية على ما سيقدم عليه الحكام الجدد، ولن يعفيه هذا من اتخاذ الحيطة من أي انجراف للتربة من تحت رجليه فالهوة سحيقة ولن يرحمه أحد. ذكرى وصول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الحكم كانت ذات مغزى سياسي موجه بالأساس إلى أقطاب النظام الذي سبقه، وعلى رأسهم الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز؛ ففي صباح الخميس، السادس من أغسطس الجاري، الذي قدم فيه الوزير الأول الموريتاني إسماعيل ولد ابده ولد الشيخ سيديا، استقالته واستقالة حكومته، إلى الرئيس، قام الأخير بتعيين الوزير الأول الجديد محمد ولد بلال ظهر اليوم نفسه، وجرى تسليمه مهامه الجديدة بالوزارة الأولى في العاصمة نواكشوط، وكأن هذا النظام يخشى كالطبيعة من الفراغ الذي قد يقتله. التكنوقراطي وسلطته اختيار الغزواني، الذي لم يمر على تنصيبه عام واحد، لهذا التكنوقراطي يطرح عدة تساؤلات، هل يريد أن يجرف بواسطته قلاع الفساد، أم هي مجرد مناورة سياسية يمتص بها غضب بعض المكونات السياسية والقبلية، وماذا يريد الغزواني بهذه الخطوة إقليميا ودوليا؟ الواقع أن المؤسسات الرئيسية الثلاث المؤثرة في موريتانيا مركزة في الحزب الحاكم والجيش والبرلمان، ولهذا فرض ولد الغزواني حلفاءه داخلها ومنهم وزيره الأول الجديد، كما أنه نقل وعزل الموالين للرئيس السابق ولد عبدالعزيز، ورفض ضغوطه لطرد الأفراد الذين اعتبرهم الرئيس السابق معارضين. كِلا الوزيرين الأولين اللذين اشتغلا مع ولد الغزواني تكنوقراطي، حيث سبق للوزير الأول المستقيل ولد الشيخ سيديا أن شغل عدة مناصب وزارية في حكومة الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز، خلال فترة ولايته الأولى، حيث تقلد حقائب الإسكان والاستصلاح الترابي، والتكوين المهني وتقنيات الإعلام والاتصال، وعام واحد قضاه إسماعيل ولد الشيخ سيديا، على رأس الحكومة بعدما نجح كمدير لحملة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وصف بنظافة اليد والصرامة وكذلك يوصف الوزير الأول الجديد محمد ولد بلال، فبينهما قواسم مشتركة جعلت منهما رجلي ولد الغزواني للمساعدة على التعاطي مع عدد من الكوارث الطبيعية والمطبات السياسية والهزات الاقتصادية. وحين حاول إسماعيل ولد الشيخ سيديا أن يؤسس إلى جانب الرئيس نظاما يرفع من قيمة عمل المؤسسات بدل مزاج الحاكم وتحكم اللوبيات السياسية والقبلية والاقتصادية، قيل إنه صَعَّدَ من حدة المعارك ضد لوبيات الفساد التي تقودها شخصيات تنتمي إلى محيط الرئيس السابق، فهل فشل أمام تجذر الفساد ليكون خليفته في وجه المدفع عسى أن يأتي الفرج على يديه؟ ولد بلال يتابع الآن، وعن قرب، التحقيق مع الرئيس السابق وأركان حكمه بخصوص طريقة تدبير الملفات المالية والصفقات العمومية، والذي هدفه التضييق عليهم سياسيا واجتماعيا من خلال تدوير ملفات الفساد وسوء التسيير وتقويض أي حركة من الخارج لدعمهم أما ولد بلال فليس بعيدا كل البعد عن معمعان السياسة فهو داعم لإصلاحات الرئيس الجديد من منطلق الانتماء القَبلي، وأيضا لاقتناعه بصعوبة المرحلة التي تمر بها بلاده اقتصاديا وسياسيا ويريد قطع الطريق كتقنوقراطي على اللوبيات المتشعبة في مؤسسات الدولة، خصوصا تلك التي ألفت الصفقات المشبوهة والتي كان النظام السابق يغطي على فسادها. فتنصيبه وزيرا أول من طرف الغزواني يهدف منه الرئيس إلى توسيع قاعدة الإصلاحات التي وعد بها ومواجهة معاقل الفساد ونظرا إلى كون المهمة لها صعوبتها السياسية والتقنية، لهذا تمت الاستعانة به كتقنوقراطي. من صدف السياسة التي تميط لثام الغموض عن بعض القرارات أن ولد بلال شغل منصب وزير التجهيز والإعمار والاستصلاح الترابي عام 2007 في حكومة الزين ولد زيدان خلال حكم الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله، الذي انقلب عليه ولد عبدالعزيز، فخلفيته العملية تعطينا فكرة حول الأغراض التي استدعي من أجل تحقيقها، باعتباره كان منسقاً جهوياً للبرنامج الوطني للمشاريع الصغيرة ثم تولى رئاسة مصلحة الدراسات والبرمجة، وبعدها صار مديراً مساعداً بمفوضية الأمن الغذائي. فموريتانيا في حاجة ماسة إلى تقوية النسيج الاجتماعي وضبط مستوى البطالة وتوفير مستلزمات المعيش اليومي من ماء وغذاء ودواء ولا يمكن أن يتحقق هذا المسعى مع ظروف قاسية تعيشها البلاد اقتصاديا وماليا بعد الإنهاك الذي تعرضت له خزينة الدولة. ليس اختيار الوزير الأول بعد سنة من حكم الغزواني سوى عنوان في صراع بين أجنحة الحكم تحت ذرائع مختلفة ليس آخرها محاربة الفساد، فعندما اجتمع أعضاء الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا في مؤتمر أواخر ديسمبر الماضي، كان ذلك بمثابة مرحلة جديدة في تعميق القطيعة بين ولد الغزواني وسلفه ولد عبدالعزيز. وجاء تنصيب الوزير الأول الجديد في خضم ما يمكن تسميته ثورة على الفساد يقودها الغزواني، لأسباب مرتبطة بالفعل والقول الذي دأب عليه لتحقيق خاصية الاقتدار في السلطة والتدبير حتى يتمكن من دواليب الدولة. تركة الرئيس السابق تحسس ولد عبدالعزيز رقبته بعدما علم من مواليه داخل الحزب ومؤسسات الدولة أن الغزواني يعد العدة لشنقه سياسيا على مقصلة الفساد، ولن يقف حتى يقضي على أي سلطة موازية لسلطته، ليخرج ولد عبدالعزيز بعد إزاحته انتخابيا من السلطة متشكيا من نظام خليفته بأنه يضايقه ومنتقدا بشدة تدخل السلطات الحالية في شؤون حزب الاتحاد من أجل الجمهورية. والسؤال المطروح هل خطط ولد عبدالعزيز لوضع ولد الغزواني في الرئاسة مؤقتًا، ثم العودة لاحقًا؟ تعليقات ولد عبدالعزيز العلنية، التي جادل فيها بأن الدستور يحظر فترة ثالثة فقط إذا ترأس على التوالي ولايتين، توحي بأنه يأمل في استعادة الرئاسة لاحقًا، لكن الواقع دحض ما كان يأمله ولد عبدالعزيز في شريكه السابق ولد الغزواني الذي يبدو أنه لا ينوي التخلي عن منصبه وهو ذاهب في بناء نفوذه. ولا ننسى أن ولد الغزواني ابن المؤسسة العسكرية ولن يكون بمقدوره تجاوز الحدود المرسومة له بعناية وكذا وزيره الأول المدني محمد ولد بلال، لن يغامر بخرق السقوف وتحدي قبضة الجيش الحديدية على السلطة، فالرجل خريج مدرسة الهندسة بالجزائر والغزواني خريج المدرسة العسكرية بمكناس المغربية، وهذا يعكس رغبة المؤسسات الحاكمة في القرار الموريتاني التماهي مع اللحظة الإقليمية المرتكزة على التوازنات السياسية والأمنية والعسكرية. الرئيس الجديد سيبحث عن توظيفات جديدة لملفات الفساد لأجل تمويل تسليح متنوع للجيش الموريتاني، بدعوى محاربة الإرهاب في الساحل والصحراء، واختيار وزير أول مدني يعطي إشارة إلى أن نواكشوط غرضها المحافظة على التوازنات الجيوسياسية بالمنطقة، وهذا المسعى لن يقنع العديد من المتحكمين في منظومات التسليح ولن يُسمحَ بأن يكون الجيش الأول في منطقة الساحل والصحراء. تنصيب الوزير الأول الجديد ليس سوى خطوة ضمن خطة استمرت منذ نوفمبر الماضي، عندما أقال ولد الغزواني قيادات أمنية وعسكرية مقربة من سلفه الرئيس السابق ولد عبدالعزيز، وشملت هذه الإقالات قائد الحرس الخاص في رئاسة الجمهورية وعددا من معاونيه ولن يكون تنصيب الوزير الأول الجديد إلا خطوة ضمن خطة استمرت منذ نوفمبر الماضي، عندما أقال ولد الغزواني قيادات أمنية وعسكرية مقربة من سلفه، وشملت هذه الإقالات قائد الحرس الخاص في رئاسة الجمهورية وعددا من معاونيه، وتزامنت مع قرار اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في ملفات فساد استدعاء الرئيس السابق، في أبريل الماضي، تدبيره لشؤون موريتانيا لمدة 12 سنة لم يكن بريئا ولا سليما من نقط سوداء، هذا الماضي الذي لم يكن نظيفا جعل الناطق الرسمي باسم لجنة التحقيق النائب لمرابط ولد بناهي، يقول إن اللجنة لها كامل السلطة والصلاحيات في مراقبة العمل الحكومي، ولو كان قد تم في الماضي. شهر يوليو الماضي بدأ ساخنا أكثر من المعتاد في نواكشوط بعدما أقر البنك المركزي الموريتاني باختلاس مبالغ مالية من أحد صناديق العملة الصعبة وشمل اختلاس الأموال عمليات تبديل العملات والعثور على أوراق مزورة تحاكي اليورو، ارتكبتها المسؤولة المباشرة عنه باعترافها بذلك، ولن تكون المسؤولة الوحيدة فعادة ما تكون الشجرة تغطي غابة كثيفة من الفساد بتفرعاته وتداخلاته واختراقاته. وها هو أغسطس يلج تاريخ البلاد من أبوابه الواسعة بعدما ضاق النطاق على ولد عبدالعزيز وصحبه المتورطين معه في سنوات من النهب والفساد عرفت بعشرية عزيز، كانت كافية لتركيع الاقتصاد الموريتاني دون أن يرف جفن المتواطئين؛ فقد صرح الوزير الأول إسماعيل ولد الشيخ سيديا السابق، بداية السنة الجارية، بأن الخزينة العامة للدولة الموريتانية في يوم وصول الرئيس محمد ولد الغزواني إلى الحكم كان رصيدها 26 مليار أوقية قديمة (72.2 مليون دولار)، 18 منها إعانة من البنك الدولي، وأن حكومته وجدت الخزينة مطالبة بسداد مبلغ مئتي مليار أوقية (نصف مليار دولار)؛ مما يعني حالة إفلاس كامل. ولن يكون الوزير الأول الحالي محظوظا أكثر عندما سيجد الأوضاع المالية أكثر فداحة من الأول. الفساد غابة كثيفة كتدبير يعيد الثقة في مؤسسات الدولة، وافق البرلمان الموريتاني في مارس الماضي على تشكيل لجنة للتحقيق في الملفات الاقتصادية التي لها علاقة بمصالح الشعب الموريتاني ومستقبل ثروته، وتحقق اللجنة في سبعة ملفات، متمثلة في اختفاء أموال من صندوق العائدات النفطية، وإفلاس الشركة الوطنية للاستيراد، وتسيير أموال “خيرية” شركة المعادن، وعقارات الدولة، وصفقة الإنارة العامة بالطاقة الشمسية، وصفقة تشغيل رصيف حاويات ميناء نواكشوط المستقل، وملف الشركة الصينية “بولي هوندونغ” . وسيباشر الوزير الأول محمد ولد بلال دراسة التقارير التي صدرت عن محكمة الحسابات الموريتانية بخصوص تسيير بعض القطاعات، والتي كشفت عن اختلاسات مالية كبيرة، وصفقات مشبوهة تمس مستقبل اقتصاد البلد، والأكيد أن نظام الرئيس السابق ضالع في هذا الوضع المتردي فهو اعترف بامتلاكه ثروة كبيرة ولكنه نفى أن يكون مصدرها المال العام، بل قال بوجه مكشوف إنه بذل مجهوداته لمحاربة الفساد. وكانت اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في ملفات الفساد استدعت عددا من المقربين من الرئيس السابق، مثل الوزير الأول الأسبق الدكتور مولاي ولد محمد الأقظف الذي تولى المنصب 7 سنوات، وهي أطول فترة قضاها وزير أول في عهد ولد عبدالعزيز، بالطبع لن يوافق المقربون من ولد عبدالعزيز على التحقيق في مصير المليارات من المال العام، حيث قال النائب محمد عيه المقرب من ولد عبدالعزيز إن على اللجنة الابتعاد عن تصفية الحسابات، مستبعدا قيام المسؤولين السابقين بخروق تتعلق بالفساد، وأضاف أن اللجنة قد لا تكون قانونية. وكاستنتاج أخلاقي كيف يمكن لأعضاء الحزب الحاكم، الذين يدعون الانتصار للنهج الديمقراطي والتداول على السلطة، الدفاع عن الفساد بالقول إن موريتانيا لم تحد عن برنامج الرئيس السابق ونهجه باعتباره مؤسسا للحزب ومرجعية وحيدة له؟ فهم يدافعون عن قاعدة أن الرئيس لا يُسأل عن أي فعل يرتكبه أثناء مزاولته مهامه استنادا إلى فصول الدستور الموريتاني، إلا في حالة الخيانة العظمى التي تُسقط تلك القاعدة، وعليه فالوزير الأول الجديد مطالب بالتفاعل مع خطوات البرلمان ومباركة محاكمة الرئيس السابق عندما تثبت اللجنة المختصة ضلوعه بأي طريقة في قضايا فساد، فنظام الغزواني يريد القطع مع كل تفاصيل الحرس القديم في كل واجهات مؤسسات الدولة وداخل دواليبها. ويتابع ولد بلال عن قرب التحقيق مع الرئيس السابق وأركان حكمه بخصوص طريقة تدبير الملفات المالية والصفقات العمومية، والذي هدفه التضييق عليهم سياسيا واجتماعيا من خلال تدوير ملفات الفساد وسوء التسيير وتقويض أي حركة من الخارج لدعمهم. والإتيان بوزير أول له دراية تقنية وقانونية ببعض الملفات المعروضة على لجنة التحقيق، سيكون فرصة لولد الغزواني لتلميع الصورة أمام الشارع الموريتاني وتحميل المسؤولية السياسية للنظام السابق عن أي تبعات ناتجة عن الأوضاع الاقتصادية المتتالية التي تعيشها البلاد، وستكون الحكومة الحالية قد نجحت إذا استعادت الأموال المنهوبة بصفقة معينة، وهذا ما لن يتحقق في المنظور القريب.

مشاركة :